الآيـة 31

وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴿31﴾

القراءة:

قرأ أهل المدينة وأهل البصرة هؤلاء بمدة واحدة لا يمدونها إلا على قدر خروج الألف ويمدون أولاء كأنهم يجعلونه كلمتين والباقون يمدون مدتين في كل القرآن فأما الهمزتان من كلمتين نحو ﴿هؤلاء إن كنتم صادقين﴾ ونحوها فأبو جعفر ونافع برواية ورش وابن كثير برواية القواس ويعقوب يهمزون الأولى ويخففون الثانية ويشيرون بالكسرة إليها وكذلك يفعلون في كل همزتين متفقتين تلتقيان من كلمتين مكسورتين كانتا أو مضمومتين أو مفتوحتين فالمكسورتان على البغاء إن أردن والمضمومتان أولياء أولئك ليس في القرآن غيره والمفتوحتان جاء أحدكم وشاء أنشره وأبو عمرو والبزي بهمزة واحدة فيتركان إحداهما أصلا إذا كانتا متفقتين ونافع برواية إسماعيل وابن كثير برواية ابن فليح بتليين الأولى وتحقيق الثانية وإذا اختلفتا فاتفقوا على همز الأولى وتليين الثانية نحو السفهاء إلا والبغضاء إلى يوم القيامة فأما ابن عامر وعاصم والكسائي فإنهم يهمزون همزتين في جميع ذلك متفقتين كانتا أو مختلفتين أما الحذف والتليين فللتخفيف وأما الهمز فللحمل على الأصل.

اللغة:

في اشتقاق آدم قولان (أحدهما) أنه مأخوذ من أديم الأرض فإذا سميت به في هذا الوجه ثم نكرته صرفته (والثاني) أنه مأخوذ من الأدمة على معنى اللون والصفة فإذا سميت به في هذا الوجه ثم نكرته لم تصرفه والأدمة والسمرة والدكتة والورقة متقاربة المعنى وآدم أبو البشر (عليه السلام) قال صاحب العين الأدمة في الناس شربة من سواد وهي السمرة وفي الإبل والظباء بياض وكل لفظة عموم على وجه الاستيعاب وحقيقته للإحاطة بالأبعاض يقال أ بعض القوم جاءك أم كلهم ويكون تأكيدا مثل أجمعون إلا أنه يبدأ في الذكر بكل كقوله تعالى ﴿فسجد الملائكة كلهم أجمعون﴾ لأن كلا قد يلي العوامل وأجمعون لا يكون إلا تابعا والعرض من قولهم عرضت الشيء عليه وعرضت الجند قال الزجاج أصله في اللغة الناحية من نواحي الشيء فمن ذلك العرض خلاف الطول وعرض الرجل ما يمدح به أو يذم ويقال عرضه خليقته المحمودة ويقال عرضه حسبه وقال علي بن عيسى هو ناحيته التي يصونها عن المكروه والسب ، والعرض وما يعرض في الجسم ويغير صفته ويقال عرضت المتاع على البيع عرضا أي أظهرته حتى عرفت جهته والإنباء والإعلام والإخبار واحد والنبأ الخبر ويقال منه أنبأته ونبأته وأنبئوني بأسماء هؤلاء أي أخبروني بها أما المتعدي إلى ثلاثة مفاعيل نحو أنبأت زيدا عمرا خير الناس وكذلك نبأت فهو هذا في الأصل إلا أنه حمل على المعنى فعدي إلى ثلاثة مفاعيل لأن الإنباء بمعنى الإعلام ودخول هذا المعنى فيه وحصول مشابهته للإعلام لم يخرجه عن الأصل الذي هو له من الإخبار وعن أن يتعدى إلى مفعولين أحدهما بالباء أو بعن نحو نبئهم عن ضيف إبراهيم والنبوة إذا أخذت من الإنباء فهي مهموزة وقد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال لا تنبئن باسمي لرجل قال له يا نبيء الله مهموزا والنبي بغير همز الطريق الواضح يأخذ بك إلى حيث تريد والفرق بين الإعلام والإخبار أن الإعلام قد يكون بخلق العلم الضروري في القلب كما خلق الله من كمال العقل والعلم بالمشاهدات وقد يكون بنصب الأدلة على الشيء والإخبار هو إظهار الخبر علم به أو لم يعلم ولا يكون مخبرا بما يحدثه من العلم في القلب كما يكون معلما بذلك.

المعنى:

ثم أبان سبحانه وتعالى لملائكته فضل آدم عليهم وعلى جميع خلقه بما خصه به من العلم فقال سبحانه وتعالى ﴿وعلم آدم الأسماء كلها﴾ أي علمه معاني الأسماء إذ الأسماء بلا معان لا فائدة فيها ولا وجه لإشارة الفضيلة بها وقد نبه الله تعالى الملائكة على ما فيها من لطيف الحكمة فأقروا عند ما سئلوا عن ذكرها والإخبار عنها أنه لا علم لهم بها فقال الله تعالى ﴿يا آدم أنبئهم بأسمائهم﴾ عن قتادة وقيل أنه سبحانه علمه جميع الأسماء والصناعات وعمارة الأرضين والأطعمة والأدوية واستخراج المعادن وغرس الأشجار ومنافعها وجميع ما يتعلق بعمارة الدين والدنيا عن ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وعن أكثر المتأخرين وقيل أنه علمه أسماء الأشياء كلها ما خلق وما لم يخلق بجميع اللغات التي يتكلم بها ولده بعده عن أبي علي الجبائي وعلي بن عيسى وغيرهما قالوا فأخذ عنه ولده اللغات فلما تفرقوا تكلم كل قوم بلسان ألفوه واعتادوه وتطاول الزمان على ما خالف ذلك فنسوه ويجوز أن يكونوا عالمين بجميع تلك اللغات إلى زمن نوح (عليه السلام) فلما أهلك الله الناس إلا نوحا ومن تبعه كانوا هم العارفين بتلك اللغات فلما كثروا وتفرقوا اختار كل قوم منهم لغة تكلموا بها وتركوا ما سواه ونسوة وقد روي عن الصادق (عليه السلام) أنه سئل عن هذه الآية فقال الأرضين والجبال والشعاب والأودية ثم نظر إلى بساط تحته فقال و هذا البساط مما علمه وقيل أنه علمه أسماء الملائكة وأسماء ذريته عن الربيع وقيل أنه علمه ألقاب الأشياء ومعانيها وخواصها وهو أن الفرس يصلح لما ذا والحمار يصلح لما ذا وهذا أبلغ لأن معاني الأشياء وخواصها لا تتغير بتغير الأزمنة والأوقات وألقاب الأشياء تتغير على طول الأزمنة وقال بعضهم أنه تعالى لم يعلمه اللغة العربية فإن أول من تكلم بالعربية إسماعيل (عليه السلام) وقالوا أن الله جعل الكلام معجزة لثلاثة من الأنبياء آدم وإسماعيل ومحمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) ثم اختلف في كيفية تعليم الله تعالى آدم الأسماء فقيل علمه بأن أودع قلبه معرفة الأسماء وفتق لسانه بها فكان يتكلم بتلك الأسماء كلها وكان ذلك معجزة له لكونه ناقصا للعادة وقيل علمه إياها بأن اضطره إلى العلم بها وقيل علمه لغة الملائكة ثم علمه بتلك اللغة سائر اللغات وقيل إنما علمه أسماء الأشخاص بأن أحضر تلك الأشياء وعلمه أسماءها في كل لغة وأنه لأي شيء يصلح وأي نفع فيه وأي ضرر وقوله ﴿ثم عرضهم على الملائكة﴾ روي عن ابن عباس أنه قال عرض الخلق وعن مجاهد قال عرض أصحاب الأسماء وعلى هذا فيكون معناه ثم عرض المسميات على الملائكة وفيهم من يعقل وفيهم من لا يعقل فقال عرضهم غلب العقلاء فأجرى على الجميع كناية من يعقل كقوله ﴿والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع﴾ أجري عليهم كناية من يعقل وفي قراءة أبي ثم عرضها وفي قراءة ابن مسعود ثم عرضهن وعلى هاتين القراءتين يصلح أن يكون عبارة عن الأسماء دون المسميات واختلف في كيفية العرض على الملائكة فقيل إنما عرضها على الملائكة بأن خلق معاني الأسماء التي علمها آدم حتى شاهدتها الملائكة وقيل صور في قلوبهم هذه الأشياء فصارت كأنهم شاهدوها وقيل عرض عليهم من كل جنس واحد وأراد بذلك تعجيزهم فإن الإنسان إذا قيل له ما اسم شيء صفته كذا وكذا فلم يعلم كان أبلغ عذرا ممن عرض عليه شيء بعينه وسئل عن اسمه فلم يعرفه وبين بذلك أن آدم (عليه السلام) أصلح لكدخدائية الأرض وعمارتها لاهتدائه إلى ما لا تهتدي الملائكة إليه من الصناعات المختلفة وحرث الأرض وزراعتها وإنباط الماء واستخراج الجواهر من المعادن وقعر البحار بلطائف الحكمة وهذا يقوي قول من قال أنه علمه خواص الأشياء وأراد به أنكم إذا عجزتم عن معرفة هذه الأشياء مع مشاهدتكم لها فأنتم عن معرفة الأمور المغيبة عنكم أعجز ﴿فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين﴾ أن سأل فقيل ما الذي ادعت الملائكة حتى خوطبوا بهذا وكيف أمرهم الله سبحانه أن يخبروا بما لا يعلمون فالجواب أن للعلماء فيه وجوها من الكلام (أحدها) أن الله تعالى لما أخبر الملائكة بأنه جاعل في الأرض خليفة هجس في نفوسها أنه إن كان الخليفة منهم بدلا من آدم وذريته لم يكن في الأرض فساد ولا سفك دم كما يكون في ولد آدم وإن كان الله لا يفعل إلا ما هو الأصلح في التدبير والأصوب في الحكمة فقال الله تعالى ﴿أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين﴾ فيما ظننتم من هذا المعنى ليدلهم على أنهم إذا لم يعلموا باطن ما شاهدوا فهم من أن يعلموا باطن ما غاب عنهم أبعد (وثانيها) أنه خطر ببالهم أنه لن يخلق الله خلقا إلا وهم أعلم منه وأفضل في سائر أنواع العلم فقيل ﴿إن كنتم صادقين﴾ في هذا الظن فأخبروا بهذه الأسماء (وثالثها) أن المراد أن كنتم صادقين في أنكم تعلمون لم أجعل في الأرض خليفة أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين لأن كل واحد من الأمرين من علم الغيب فكما لم تعلموا أحدهما لا تعلمون الآخر عن ابن عباس (ورابعها) ما قاله الأخفش والجبائي وعلي بن عيسى وهو أن المراد ﴿إن كنتم صادقين﴾ فيما تخبرون به من أسمائهم فأخبروا بها وهذا كقول القائل لغيره (أخبر بما في يدي إن كنت صادقا) أي إن كنت تعلم فأخبر به لأنه لا يمكنه أن يصدق في مثل ذلك إلا إذا أخبر عن علم منه ولا يصح أن يكلف ذلك إلا مع العلم به ولا بد إذا استدعوا إلى الإخبار عما لا يعلمون من أن يشترط هذا الشرط وعلى هذا فيكون لفظه الأمر ومعناه التنبيه أو يكون أمرا مشروطا كما يقول العالم للمتعلم ما تقول في كذا ويعلم أنه لا يحسن الجواب لينبهه عليه ويحثه على طلبه والبحث عنه ولو قال له أخبر بذلك أن كنت تعلم أو إن كنت صادقا لكان حسنا فإذا تنبه على أنه لا يمكنه الجواب أجابه حينئذ فيكون جوابه بهذا التدريج أثبت في قلبه وأوقع في نفسه ولا يجوز أن يكون ذلك تكليفا لأنه لو كان تكليفا لم يكن تبيينا لهم أن آدم يعرف أسماء هذه الأشياء بتعريف الله إياه وتخصيصه من ذلك بما لا يعرفونه هم فلما أراد تعريفهم ما خص به آدم من ذلك علمنا أنه ليس بتكليف وفي هذه الآية دلالة على شرف العلم وأهله من حيث إن الله سبحانه لما أراد تشريف آدم (عليه السلام) اختصه بعلم أبانه به من غيره وفضله به على من سواه.