الآيات 44-45
وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُواْ نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ﴿44﴾ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُم بِالآخِرَةِ كَافِرُونَ ﴿45﴾
القراءة:
قال الكسائي وحده نعم بكسر العين كل القرآن والباقون بالفتح وقرأ أهل المدينة والبصرة ﴿أن﴾ مخففة ﴿لعنة الله﴾ بالرفع والباقون أن مشددة لعنة الله بالنصب.
الحجة:
قال الأخفش نعم ونعم لغتان فالكسر لغة كنانة وهذيل والفتح لغة باقي العرب وأن التي تقع بعد العلم إنما هي المشددة والمخففة عنها و﴿أذن مؤذن﴾ معناه أعلم معلم ﴿أن لعنة الله﴾ ومن خفف أن فعلى إرادة إضمار القصة والحديث وتقديره أنه لعنة الله ومثله آخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين التقدير أنه ولا تخفف أن هذه إلا وإضمار القصة والحديث يراد معها والمكسورة إذا خففت لا يكون كذلك والفصل بينهما أن المفتوحة موصولة والموصولة تقتضي صلتها فصارت لاقتضائها أشد اتصالا بما بعدها من المكسورة فقدر بعدها الضمير الذي هو من جملة صلتها وليست المكسورة كذلك.
الإعراب واللغة:
قال سيبويه نعم عدة وتصديق فإذا استفهمت أجبت بنعم قال أبو علي والذي يريده بقوله عدة وتصديق أنه يستعمل عدة ويستعمل تصديقا وليس يريد أنه يجتمع التصديق مع العدة أ لا ترى أنه إذا قال أ تعطيني فقلت نعم كان عدة ولا تصديق في هذا وإذا قال قد كان كذا فقلت نعم فقد صدقته ولا عدة في هذا فليس هذا القول من سيبويه كقوله في إذا أنها جواب وجزاء لأن إذا يكون جوابا في الموضع الذي يكون فيه جزاء وقوله إذا استفهمت أجبت بنعم يريد إذا استفهمت عن موجب أجبت بنعم ولو كان مكان الإيجاب النفي لقلت بلى ولم تقل نعم كما لا تقول في جواب الموجب بلى قال ألست بربكم قالوا بلى و﴿الذين يصدون﴾ في موضع جر بأنه صفة للظالمين و﴿عوجا﴾ يجوز أن يكون منصوبا بأنه مفعول به بمعنى يبغون لها العوج ويجوز أن يكون منصوبا على المصدر بمعنى يطلبون لها هذا الضرب من الطلب كما تقول رجع القهقرى أي رجع هذا الضرب من الرجوع وكذلك عدا البشكي واشتمل الصما والعوج بالكسر يكون في الطريق وفي الدين وبالفتح يكون في الخلقة تقول في ساقه عوج بفتح العين وفي دينه عوج بالكسر.
المعنى:
ثم حكى سبحانه ما يجري بين أهل الجنة والنار بعد استقرارهم في الدارين فقال ﴿ونادى﴾ أي وسينادي ﴿أصحاب الجنة أصحاب النار﴾ أي أهل الجنة أهل النار وإنما ذكره بلفظ الماضي لتحقيق المعنى جعل ما سيكون كأنه قد كان لأنه كائن لا محالة وذلك أبلغ في الردع ﴿إن قد وجدنا ما وعدنا ربنا﴾ من الثواب في كتبه وعلى ألسنة رسله ﴿حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم﴾ من العقاب ﴿حقا﴾ وإنما أضافوا الوعد بالجنة إلى نفوسهم لأن الكفار ما وعدهم الله بالجنة إلا بشرط أن يؤمنوا فلما لم يؤمنوا فكأنهم لم يوعدوا بالجنة وإنما سألوهم هذا السؤال لأن الكفار كانوا يكذبون المؤمنين فيما يدعون لأنفسهم من الثواب ولهم من العقاب فهو سؤال توبيخ وشماتة يريد به سرور أهل الجنة وحسرة أهل النار ﴿قالوا نعم﴾ أي قال أهل النار وجدنا ما وعدنا ربنا من العقاب حقا وصدقا ﴿فأذن مؤذن بينهم﴾ أي نادى مناد بينهم أسمع الفريقين ﴿أن لعنة الله على الظالمين﴾ أي غضب الله وسخطه وأليم عقابه على الكافرين لأنه وصف الظالمين بقوله ﴿الذين يصدون عن سبيل الله﴾ أي يعرضون عن الطريق الذي دل الله سبحانه على أنه يؤدي إلى الجنة وقيل معناه يصرفون غيرهم عن سبيل الله أي دينه والحق الذي دعا إليه ﴿ويبغونها عوجا﴾ قال ابن عباس معناه يصلون لغير الله ويعظمون ما لم يعظمه الله وقيل معناه يطلبون لها العوج بالشبه التي يلتبسون بها ويوهمون أنه يقدح فيها وهي معوجة عن الحق بتناقضها ﴿وهم بالآخرة﴾ أي بالدار الآخرة يعني القيامة والبعث والجزاء ﴿كافرون﴾ جاحدون وقيل في المؤذن أنه مالك خازن النار وروي عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) أنه قال المؤذن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) ذكره علي بن إبراهيم في تفسيره قال حدثني أبي عن محمد بن فضيل عن الرضا (عليه السلام) ورواه الحاكم أبو القاسم الحسكاني بإسناده عن محمد بن الحنفية عن علي (عليه السلام) أنه قال أنا ذلك المؤذن وبإسناده عن أبي صالح عن ابن عباس أن لعلي (عليه السلام) في كتاب الله أسماء لا يعرفها الناس قوله ﴿فأذن مؤذن بينهم﴾ فهو المؤذن بينهم يقول ألا لعنة الله على الذين كذبوا بولايتي واستخفوا بحقي.