الأيـة 22

ٍِِالَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴿22﴾

القراءة:

أدغم جماعة من القراء قوله ﴿جعل لكم﴾ فقالوا جعلكم والباقون يظهرون.

الحجة:

فمن أدغم فلاجتماع حرفين من جنس واحد وكثرة الحركات ومن أظهر وعليه أكثر القراء فلأنهما منفصلان من كلمتين وفي الإدغام واختلاف القراء فيه والاحتجاجات لهم كلام كثير خارج عن الغرض بعلوم تفسير القرآن فمن أراد ذلك فليطلبه من الكتب المؤلفة فيه.

اللغة:

الجعل والخلق والإحداث نظائر والأرض هي المعروفة والأرض قوائم الدابة ومنه قول الشاعر:

وأحمر كالديباج أما سماؤه

فريا وأما أرضه فمحول

والأرض الرعدة وفي كلام ابن عباس أ زلزلت الأرض أم بي أرض والفراش والبساط والمهاد نظائر وسمي السماء سماء لعلوها على الأرض وكل شيء كان فوق شيء فهو لما تحته سماء وسما فلان لفلان إذا قصد نحوه عاليا عليه قال الفرزدق:

سمونا لنجران اليمان وأهله

ونجران أرض لم تدبث

مقاوله قال الزجاج كل ما علا الأرض فهو بناء والماء أصله موه وجمعه أمواه وتصغيره مويه وأنزل من السماء أي من ناحية السماء قال الشاعر :

أمنك البرق أرقبه فهاجا أي من ناحيتك والند المثل والعدل قال حسان بن ثابت:

أتهجوه ولست له بند

فشركما لخيركما الفداء وقال جرير:

أتيما تجعلون إلي ندا

وما تيم لذي حسب نديد وقيل الند الضد.

المعنى:

معنى هذه الآية يتعلق بما قبلها لأنه تعالى أمرهم بعبادته والاعتراف بنعمته ثم عدد لهم صنوف نعمه ليستدلوا بذلك على وجوب عبادته فإن العبادة إنما تجب لأجل النعم المخصوصة فقال سبحانه: ﴿الذي جعل لكم الأرض فراشا﴾ أي بساطا يمكنكم أن تستقروا عليها وتفترشوها وتتصرفوا فيها وذلك لا يمكن إلا بأن تكون مبسوطة ساكنة دائمة السكون ﴿والسماء بناء﴾ أي سقفا مرفوعا مبنيا ﴿وأنزل من﴾ نحو ﴿السماء﴾ أي من السحاب ﴿ماء فأخرج به﴾ أي بالماء ﴿من الثمرات رزقا لكم﴾ أي عطاء لكم وملكا لكم وغذاء لكم وهذا تنبيه على أنه هو الذي خلقهم والذي رزقهم دون من جعلوه ندا له من الأوثان ثم زجرهم عن أن يجعلوا له ندا مع علمهم بأن ذلك كما أخبرهم به بقوله ﴿فلا تجعلوا لله أندادا﴾ وقوله ﴿أنتم تعلمون﴾ يحتمل وجوها (أحدها) أن يريد أنكم تعلمون أن الأصنام التي تعبدونها لم تنعم عليكم بهذه النعم التي عددناها ولا بأمثالها وأنها لا تضر ولا تنفع (وثانيها) أن يريد أنكم تعقلون وتميزون ومن كان بهذه الصفة فقد استوفى شرائط التكليف ولزمته الحجة وضاق عذره في التخلف عن النظر وإصابة الحق (وثالثها) ما قاله مجاهد وغيره أن المراد بذلك أهل التوراة ودون غيرهم أي تعلمون ذلك في الكتابين وقال الشريف الأجل المرتضى قدس الله روحه استدل أبو علي الجبائي بقوله تعالى : ﴿الذي جعل لكم الأرض فراشا﴾ وفي آية أخرى ﴿بساطا﴾ على بطلان ما يقوله المنجمون من أن الأرض كروية الشكل قال وهذا القدر لا يدل لأنه يكفي من النعمة علينا أن يكون في الأرض بسائط ومواضع مفروشة ومسطوحة وليس يجب أن يكون جميعها كذلك ومعلوم ضرورة أن جميع الأرض ليس مسطوحا مبسوطا وإن كان مواضع التصرف فيها بهذه الصفة والمنجمون لا يدفعون أن يكون في الأرض سطوح يتصرف فيها ويستقر عليها وإنما يذهبون إلى أن جملتها كروية الشكل.