الآيـة 21

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴿21﴾

اللغة:

الخلق أعلى تقدير وخلق السموات فعلها على تقدير ما تدعو إليه الحكمة من غير زيادة ونقصان والخلق الطبع والخليقة الطبيعة والخلاق النصيب.

الإعراب:

يا حرف النداء وأي اسم مبهم يقع على أجناس كثيرة لأنه إنما يتم بأن يوصف وصفته تكون باسم الجنس لأنه لما كان لا يتم إلا بصفة وهي لفظة دالة على ما دل أي عليه مخصصة له وكان التخصيص في الإشارة يقع بالجنس ثم بالوصف وصف بأسماء الأجناس كالناس في قوله ﴿يا أيها الناس﴾ فأي منادى مفرد معرفة مبني لأنه وقع موقع حرف الخطاب وهو الكاف وإنما بني على الحركة مع أن الأصل في البناء السكون ليعلم أنه ليس بعريق في البناء والبناء عارض فيه وإنما حرك بالضم لأنه كان في أصله التنوين فلما سقط التنوين في البناء أشبه قبل وبعد الذي قطع عنه الغاية فارتفع وقد ذكر فيه وجوه آخر توجد في مظانها والناس مرفوع لأنه صفة لأي فتبعه على حركة لفظه ولا يجوز هنا النصب وإن كانت الأسماء المناديات المفردة المعرفة يجوز في صفاتها النصب والرفع لأن هنا الصفة هو المنادى في الحقيقة وأي وصلة إليه ويدل على ذلك لزوم ها وهو حرف التنبيه قبل الناس وبنائها وامتناعهم من حذفها فصار ذلك كالإيذان باستئناف نداء والعلم لأن لا يجوز الاقتصار على المنادى قبله كما جاز في سائر المناديات وأجاز المازني في يا أيها الرجل النصب وذلك فاسد لما ذكرناه ولأنه لا مجاز لذلك في كلام العرب ولم يرو عنها غير الرفع و﴿الذين من قبلكم﴾ في موضع نصب لأنه عطف على الكاف والميم في قوله ﴿خلقكم﴾ وهو مفعول به ومن قبلكم صلة الذين ولعل حرف ناصب من أخوات إن وقد ذكرنا القول في مشابهة الفعل وعمله النصب والرفع فيما تقدم وكذلك حكم لعل وشبه بالفعل أظهر لأن معناه الترجي وكم في موضع نصب بكونه اسم لعل وتتقون جملة في موضع الرفع بأنه خبره.

المعنى:

هذا الخطاب متوجه إلى جميع الناس مؤمنهم وكافرهم إلا من ليس بمكلف من الأطفال والمجانين وروي عن ابن عباس والحسن أن ما في القرآن من ﴿يا أيها الناس﴾ فإنه نزل بمكة وما فيه من ﴿يا أيها الذين آمنوا﴾ فإنه نزل بالمدينة ﴿اعبدوا ربكم﴾ أي تقربوا إليه بفعل العبادة وعن ابن عباس أنه قال معناه وحدوه وقوله ﴿الذي خلقكم﴾ أي أوجدكم بعد أن لم تكونوا موجودين وأوجد من تقدم زمانكم من الخلائق والبشر بين سبحانه نعمه عليهم وعلى آبائهم لأن نعمه عليهم لا تتم إلا بنعمه على آبائهم ﴿لعلكم تتقون﴾ أي خلقكم لتتقوه وتعبدوه كقوله تعالى ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون﴾ وقيل معناه اعبدوه لتتقوا وقيل معناه لعلكم تتقون الحرمات بينكم وتكفون عما حرم الله وهذا كما يقول القائل اقبل قولي لعلك ترشد فليس أنه من ذلك على شك وإنما يريد أقبله ترشد وإنما أدخل الكلام لعل ترقيقا للموعظة وتقريبا لها من قلب الموعوظ ويقول القائل لأجيره اعمل لعلك تأخذ الأجرة وليس يريد بذلك الشك وإنما يريد لتأخذ أجرتك ومثله قول الشاعر:

وقلتم لنا كفوا الحروب لعلنا

نكف ووثقتم لنا كل موثق

فلما كففنا الحرب كانت عهودكم

كلمح سراب في الملأ متألق

أراد قلتم لنا كفوا لنكف لأنه لو كان شاكا لما قال وثقتم كل موثق وقال سيبويه إنما وردت لفظة لعل على أنه ترج للمخاطبين كما قال ﴿فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى﴾ وأراد بذلك الإبهام على موسى وهارون فكأنه قال اذهبا أنتما على رجائكما وطمعكما والله عز وجل من وراء ذلك وعالم بما يؤول إليه أمر فرعون وقيل فائدة إيراد لفظة لعل هي أن لا يحل العبد أبدا محل الآمن المدل بعمله بل يزداد حالا بعد حال حرصا على العمل وحذرا من تركه وأكثر ما جاءت لفظة لعل وغيرها من معاني الشك فيما يتعلق بالآخرة في دار الدنيا فإذا ذكرت الآخرة مفردة جاء اليقين وقيل معناه لعلكم توقون النار في ظنكم ورجائكم وأجرى لعل على عباده دون نفسه وهذا قريب مما قاله سيبويه.