الآيـة 20

ِِيَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاء لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿20﴾

اللغة:

الخطف أخذ في استلاب يقال خطف يخطف وخطف يخطف لغتان والثاني أفصح وعليه القراءة ومنه الخطاف ويقال للذي يخرج به الدلو من البئر خطاف لاختطافه قال النابغة:

خطاطيف حجن في حبال متينة

تمد بها أيد إليك نوازع

وقاموا أي وقفوا والمشيئة الإرادة والشيء ما يصح أن يعلم ويخبر عنه قال سيبويه هو أول الأسماء وأعمها وأبهمها لأنه يقع على المعدوم والموجود وقيل أنه لا يقع إلا على الموجود والصحيح الأول وهو مذهب المحققين من المتكلمين ويؤيده قوله تعالى في هذه الآية ﴿إن الله على كل شيء قدير﴾ فإن كل شيء سواه محدث وكل محدث فله حالتان حالة عدم وحالة وجود وإذا وجد خرج عن أن يكون مقدورا للقادر لأن من المعلوم ضرورة أن الموجود لا يصح أن يوجد فعلمنا أنه إنما يقدر عليه في حال عدمه ليخرجه من العدم إلى الوجود وعلى هذه المسألة يدور أكثر مسائل التوحيد.

الإعراب:

كاد من أفعال المقاربة ولا يتم بالفاعل ويحتاج إلى خبر وخبره الفعل المضارع فقوله ﴿يكاد﴾ فعل والبرق مرفوع بأنه اسم يكاد وفاعله ويخطف أبصارهم في موضع نصب بأنه خبر يكاد وكلما أصله كل وضم إليه ما الجزاء وهو منصوب بالظرف والعامل فيه أضاء ومعناه متى ما أضاء لهم مشوا فيه وأضاء في موضع جزم بالشرط ومشوا في موضع الجزاء وإذا أظلم قد تقدم إعراب مثله ولو حرف معناه امتناع الشيء لامتناع غيره وإذا وقع الفعل بعده وهو منفي كان مثبتا في المعنى وإذا وقع مثبتا كان منفيا في المعنى فقوله ﴿ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم﴾ قد انتفى فيه ذهاب السمع والأبصار بسبب انتفاء المشيئة.

المعنى:

﴿يكاد البرق يخطف أبصارهم﴾ المراد يكاد ما في القرآن من الحجج النيرة يخطف قلوبهم من شدة إزعاجها إلى النظر في أمور دينهم كما أن البرق يكاد يخطف أبصار أولئك ﴿كلما أضاء لهم مشوا فيه﴾ لاهتدائهم إلى الطريق بضوء البرق كذلك المنافقون كلما دعوا إلى خير وغنيمة أسرعوا وإذا وردت شدة على المسلمين تحيروا لكفرهم ووقفوا كما وقف أولئك في الظلمات متحيرين وقيل إذا آمنوا صار الإيمان لهم نورا فإذا ماتوا عادوا إلى ظلمة العقاب وقيل هم اليهود لما نصر المسلمون ببدر قالوا هذا الذي بشر به موسى فلما نكبوا بأحد وقفوا وشكوا وقوله ﴿ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم﴾ إنما خص السمع والبصر بالذكر لما جرى من ذكرهما في الآيتين فقال ﴿ولو شاء الله﴾ أذهبهما من المنافقين عقوبة لهم على نفاقهم وكفرهم وهذا وعيد لهم بالعقاب كما قال في الآية الأولى ﴿والله محيط بالكافرين﴾ وقوله ﴿بسمعهم﴾ مصدر يدل على الجمع أو واحد موضوع للجمع كقول الشاعر:

كلوا في بعض بطنكم تعيشوا

فإن زمانكم زمن خمص

أي بطونكم والمعنى ولو شاء الله لأظهر على كفرهم فأهلكهم ودمر عليهم لأنه على كل شيء قدير وهو مبالغة القادر وقيل إن قوله سبحانه ﴿إن الله على كل شيء قدير﴾ عام فهو قادر على الأشياء كلها على ثلاثة أوجه على المعدومات بأن يوجدها وعلى الموجودات بأن يفنيها وعلى مقدور غيره بأن يقدر عليه ويمنع منه وقيل هو خاص في مقدوراته دون مقدور غيره فإن مقدورا واحدا بين قادرين لا يمكن أن يكون لأنه يؤدي إلى أن يكون الشيء الواحد موجودا معدوما ولفظة كل قد يستعمل على غير عموم نحو قوله تعالى ﴿تدمر كل شيء بأمر ربها﴾.