الآيات 22-25

فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ ﴿22﴾ قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴿23﴾ قَالَ اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ﴿24﴾ قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ ﴿25﴾

القراءة:

قرأ أهل الكوفة غير عاصم تخرجون بفتح التاء هاهنا وفي الروم والزخرف والجاثية لا يخرجون منها بفتح الياء ووافقهم يعقوب وسهل هاهنا وابن ذكوان هاهنا وفي الزخرف وقرأ الباقون جميع ذلك بضم التاء والياء.

الحجة:

من قرأ بالفتح فحجته اتفاق الجميع في قوله إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون بفتح التاء وقوله إلى ربهم ينسلون يؤيده أيضا قوله كما بدأكم تعودون ومن قرأ بالضم فحجته قوله أ يعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما إنكم مخرجون وقوله كذلك نخرج الموتى.

اللغة:

دلاهما قيل أصله من تدلية الدلو وهو أن ترسلها في البئر والغرور إظهار النصح مع إبطان الغش وأصل الغر طي الثواب يقال اطوه على غره أي على كسر طيه فالغرور بمنزلته لما فيه من إظهار حال وإخفاء حال وطفق يفعل كذا بمعنى جعل يفعل ومثله ظل يفعل وابتدأ يفعل وأخذ يفعل والخصف أصله الضم والجمع ومنه خصف النعل والمخصف المثقب الذي يخصف به النعل ومنه قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) لكنه خاصف النعل في الحجرة يعني عليا (عليه السلام) والإخصاف سرعة العدو لأنه يقطعه بسرعة والبعض هو أحد قسمي العدة فأحد قسمي العشرة بعضها واحد قسمي الاثنين كذلك ولا بعض للواحد لأنه لا ينقسم قال علي بن عيسى العدو هو النائي بنصرته في وقت الحاجة إلى معونته والولي هو الداني بنصرته في وقت الحاجة إليها ، والمستقر هو موضع الاستقرار وهو أيضا الاستقرار بعينه لأن المصدر يجيء على وزن المفعول والمتاع الانتفاع بما فيه عاجل استلذاذ والحين الوقت قصيرا كان أو طويلا إلا أنه استعمل هنا على طول الوقت وليس بأصل فيه.

المعنى:

﴿فدلاهما بغرور﴾ أي أوقعهما في المكروه بأن غرهما بيمينه وقيل معناه دلاهما من الجنة إلى الأرض وقيل معناه خذلهما وخلاهما من قولهم تدلى من الجبل أو السطح إذ أنزل إلى جهة السفل عن أبي عبيدة أي حطهما عن درجتهما بغروره ﴿فلما ذاقا الشجرة﴾ أي ابتدءا بالأكل ونالا منها شيئا يسيرا ولذلك أتى بلفظة ذاقا عبارة عن أنهما تناولا شيئا قليلا من ثمرة الشجرة على خوف شديد لأن الذوق ابتداء الأكل والشرب ليعرف الطعم وفي هذا دلالة على أن ذوق الشيء المحرم يوجب الذم فكيف استيفاؤه وقضاء الوطر منه ﴿بدت لهما سوآتهما﴾ أي ظهرت لهما عوراتهما ظهر لكل واحد منهما عورة صاحبه قال الكلبي فلما أكلا منها تهافت لباسهما عنهما فأبصر كل واحد منهما سوأة صاحبه فاستحيا ﴿وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة﴾ أي أخذا يجعلان ورقة على ورقة ليسترا سوآتهما عن الزجاج وقيل معناه جعلا يرقعان ويصلان عليهما من ورق الجنة وهو ورق التين حتى صار كهيئة الثوب عن قتادة وهذا إنما كان لأن المصلحة اقتضت إخراجهما من الجنة وإهباطهما إلى الأرض لا على وجه العقوبة فإن الأنبياء لا يستحقون العقوبة وقد مضى الكلام فيه في سورة البقرة ﴿وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة﴾ أي من تلك الشجرة لكنه لما خاطب اثنين قال تلكما والكاف حرف الخطاب ﴿وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين﴾ ظاهر المعنى ﴿قالا﴾ أي قال آدم وحواء لما عاتبهما الله سبحانه ووبخهما على ارتكاب النهي عنه ﴿ربنا ظلمنا أنفسنا﴾ ومعناه بخسناها الثواب بترك المندوب إليه فالظلم هو النقص ومن ذهب إلى أنهم فعلا صغيرة فإنه يحمل الظلم على تنقيص الثواب إذا كانت الصغيرة عنده تنقص من ثواب الطاعات فأما من قال إن الصغيرة تقع مكفرة من غير أن تنقص من ثواب فاعلها شيئا فلا يتصور هذا المعنى عنده ولا يثبت في الآية فائدة ولا خلاف أن حواء وآدم لم يستحقا العقاب وإنما قالا ذلك لأن من جل في الدين قدمه كثر على يسير الزلل ندمه وقيل معناه ظلمنا أنفسنا بالنزول إلى الأرض ومفارقة العيش الرغد ﴿وإن لم تغفر لنا﴾ معناه وإن لم تستر علينا لأن المغفرة هي الستر على ما تقدم بيانه ﴿وترحمنا﴾ أي ولم تتفضل علينا بنعمتك التي يتم بها ما فوتناه نفوسنا من الثواب وبضروب فضلك ﴿لنكونن من الخاسرين﴾ أي من جملة من خسر ولم يربح والإنسان يصح أن يظلم نفسه بأن يدخل عليها ضررا غير مستحق فلا يدفع عنها ضررا أعظم منه ولا يجتلب به منفعة توفي عليه ولا يصح أن يكون معاقبا لنفسه ﴿قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين﴾ قد مر تفسيره في سورة البقرة ﴿قال﴾ الله تعالى ﴿فيها تحيون﴾ أي في الأرض تعيشون ﴿وفيها تموتون ومنها تخرجون﴾ عند البعث يوم القيامة قال الجبائي في الآية دلالة على أن الله سبحانه يخرج العباد يوم القيامة من هذه الأرض التي حيوا فيها بعد موتهم وأنه يفنيها بعد أن يخرج العباد منها في يوم الحشر وإذا أراد إفناءها زجرهم عنها زجرة فيصيرون إلى أرض أخرى يقال لها الساهرة وتفنى هذه كما قال فإذا هم بالساهرة.