الآيات 12-13
قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ ﴿12﴾ قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ ﴿13﴾
اللغة:
الصاغر الذليل بصغر القدر يقال صغر يصغر صغرا وصغارا فهو صاغر إذا رضي بالضيم ومن الصغر ضد الكبر صغر يصغر قال ابن السكيت يقال فلان صغرة ولد أبيه أي أصغرهم.
الإعراب:
ما في قوله ﴿ما منعك﴾ مرفوع الموضع والمعنى أي شيء منعك ولا ملغى في قوله ﴿ألا تسجد﴾ المعنى ما منعك أن تسجد ومثله قوله سبحانه ﴿لئلا يعلم﴾ ومعناه لأن يعلم وقال الشاعر:
أبي جودة لا البخل واستعجلت به
نعم من فتى لا يمنع الجود قاتله قالوا معناه أبى جودة البخل وقال أبو عمرو بن العلاء الرواية أبى جودة لا البخل بالجر والمعنى أبى جودة لا التي تبخل الإنسان قال الزجاج وروي فيه وجها آخر حسنا وهو أن يكون لا غير لغو ويكون البخل منصوبا بدلا من لا والمعنى أبى جودة لا التي هي البخل فكأنه قال أبى جودة البخل وقد قيل إنما دخل لا في قوله ﴿ألا تسجد﴾ لأن معناه ما دعاك إلى أن لا تسجد أو ما أحوجك إلى أن لا تسجد.
المعنى:
ثم حكى سبحانه خطابه لإبليس حين امتنع من السجود لآدم بقوله ﴿قال﴾ أي قال الله تعالى ﴿ما منعك ألا تسجد﴾ أي ما دعاك إلى أن لا تسجد وما اضطرك إليه أو ما منعك أن تسجد ﴿إذ أمرتك﴾ بالسجود لآدم ﴿قال﴾ إبليس ﴿أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين﴾ وهذا الجواب غير مطابق لأنه كان يجب أن يقول منعني كذا لأن قوله ﴿أنا خير منه﴾ جواب لمن يقول أيكما خير ولكن فيه معنى الجواب ويجري ذلك مجرى أن يقول القائل لغيره كيف كنت فيقول أنا صالح وكان يجب أن يقول كنت صالحا لكنه جاز ذلك لأنه أفاد أنه صالح في الحال مع أنه كان صالحا فيما مضى قال ابن عباس أول من قاس إبليس فأخطأ القياس فمن قاس الدين بشيء من رأيه قرنه الله بإبليس وقال ابن سيرين أول من قاس إبليس وما عبدت الشمس والقمر إلا بالمقاييس ووجه دخول الشبهة على إبليس أنه ظن أن النار إذا كانت أشرف من الطين لم يجز أن يسجد الأشرف للأدون وهذا خطأ لأن ذلك تابع لما يعلم الله سبحانه من مصالح العباد وقد قيل أيضا أن الطين خير من النار لأنه أكثر منافع للخلق من حيث أن الأرض مستقر الخلق وفيها معايشهم ومنها يخرج أنواع أرزاقهم والخيرية إنما يراد بها كثرة المنافع دون كثرة الثواب لأن الثواب لا يكون إلا للمكلف المأمور دون الجماد ﴿قال﴾ أي قال الله سبحانه لإبليس ﴿فاهبط﴾ أي أنزل وانحدر ﴿منها﴾ أي من السماء عن الحسن وقيل من الجنة وقيل معناه أنزل عما أنت عليه من الدرجة الرفيعة والمنزلة الشريفة التي هي درجة متبعي أمر الله سبحانه وحافظي حدوده إلى الدرجة الدنية التي هي درجة العاصين المضيعين أمر الله ﴿فما يكون لك أن تتكبر﴾ عن أمر الله ﴿فيها﴾ أي في الجنة أو في السماء فإنها ليست بموضع المتكبرين وإنما موضعهم النار كما قال ﴿أليس في جهنم مثوى للمتكبرين﴾ ﴿فاخرج﴾ من المكان الذي أنت فيه أو المنزلة التي أنت عليها ﴿إنك من الصاغرين﴾ أي من الأذلاء بالمعصية في الدنيا لأن العاصي ذليل عند من عصاه أو بالعذاب في الآخرة لأن المعذب ذليل وهذا الكلام إنما صدر من الله سبحانه على لسان بعض الملائكة عن الجبائي وقيل إن إبليس رأى معجزة تدله على أن ذلك كلام الله وقوله سبحانه ﴿فما يكون لك أن تتكبر فيها﴾ لا يدل على أنه يجوز التكبر في غير الجنة فإن التكبر لا يجوز على حال لأنه إظهار كبر النفس على جميع الأشياء وهذا في صفة العباد ذم وفي صفة الله سبحانه مدح إلا أن إبليس تكبر على الله سبحانه في الجنة فأخرج منها قسرا ومن تكبر خارج الجنة منع من ذلك بالأمر والنهي.