الآيات 10-11

وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ ﴿10﴾ وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ ﴿11﴾

القراءة:

قرأ كل القراء ﴿معايش﴾ بغير همز وروى بعضهم عن نافع معائش ممدودا مهموزا.

الحجة:

قال أبو علي معايش جمع معيشة واعتل معيشة لأنه على وزن يعيش وزيادته زيادة تختص الاسم دون الفعل فلم يحتج إلى الفصل بين الاسم والفعل كما احتيج إليه فيما كانت زيادته مشتركة نحو الهمزة في أخاف وهو أخوف منك وموافقة الاسم لبناء الفعل توجب في الاسم الاعتلال أ لا ترى أنهم أعلوا بابا ونابا ويوم راح لما كان على وزن الفعل وصححوا نحو حول وغيبة ولومة لما لم تكن على مثال الفعل فمعيشة موافقة للفعل في البناء أ لا ترى أنه مثل يعيش في الزنة وتكسيرها يزيل مشابهته في البناء فقد علمت بذلك زوال المعنى الموجب للإعلال في الواحد في الجمع فلزم التصحيح في التكسير لزوال المشابهة في اللفظ ولأن التكسير معنى لا يكون في الفعل إنما يختص به الاسم وإذا كانوا قد صححوا نحو الجولان والهيمان مع قيام بناء الفعل فيه لما لحقه من الزيادة التي يختص بها الاسم فتصحيح قولهم معايش الذي قد زال مشابهة الفعل عنه في اللفظ والمعنى لا إشكال فيه وفي وجوب العدل عن إعلاله ومن أعل فهمز فمجازة على وجه اللفظ وهو أن معيشة على وزن مصيبة فتوهمها فعيلة فهمزها كما همز مصائب ومثل ذلك مما يحمل على الغلط قولهم في جمع مسيل أمسلة فتوهموه فعيلة وإنما هو مفعلة وذكر المحققون أن الهمزة في هذه الياء إنما تكون إذا كانت زائدة نحو صحيفة وصحائف وإنما يهمز الياء الزائدة لأنه لا حظ لها في الحركة وقد قربت من آخر الكلمة ولزمتها الحركة فأوجبوا فيها الهمزة وإذا جمعت مقاما قلت مقاوم وأنشدوا:

وإني لقوام مقاوم لم يكن

جرير ولا مولى جرير يقومها.

اللغة:

التمكين إعطاء ما يصح به الفعل مع رفع المنع لأن الفعل كما يحتاج إلى القدرة فقد يحتاج إلى آلة وإلى دلالة وإلى سبب ويحتاج إلى ارتفاع المنع فالتمكين عبارة عن جميع ذلك والجعل إيجاد ما به يكون الشيء على خلاف ما كان عليه مثل أن تقول جعلت الساكن متحركا لأنك فعلت فيه الحركة ونظيره التصيير وجعل الشيء أعم من حدوثه لأنه قد يكون بحدوث غيره مما يتغير به والمعيشة ما يكون وصلة إلى ما فيه الحياة من جهة المطعم والمشرب والملبس ، والخلق إحداث الشيء على تقدير تقتضيه الحكمة والتصوير جعل الشيء على صورة من الصور والصورة بنية مقومة على هيئة ظاهرة والسجود أصله الانخفاض وحقيقته وضع الجبهة على الأرض.

الإعراب:

﴿قليلا﴾ نصب بتشكرون وتقديره تشكرون قليلا وما زائدة ويجوز أن يكون ما مع ما بعدها بمنزلة المصدر فيكون تقديره قليلا شكركم.

المعنى:

ثم ذكر سبحانه نعمه على البشر بالتمكين في الأرض وما خلق فيها من الأرزاق مضافة إلى نعمة السابغة عليهم بإنزال الكتب وإرسال الرسل فقال ﴿ولقد مكناكم في الأرض﴾ أي مكناكم من التصرف فيها وملكناكموها وجعلناها لكم قرارا ﴿وجعلنا لكم فيها معايش﴾ أي ما تعيشون به من أنواع الرزق ووجوه النعم والمنافع وقيل يريد المكاسب والإقدار عليها بالعلم والقدرة والآلات ﴿قليلا ما تشكرون﴾ أي ثم أنتم مع هذه النعم التي أنعمناها عليكم لتشكروا قد قل شكركم ثم ذكر سبحانه نعمته في ابتداء الخلق فقال ﴿ولقد خلقناكم ثم صورناكم﴾ قال الأخفش ثم هاهنا في معنى الواو وقال الزجاج وهذا خطأ لا يجيزه الخليل وسيبويه وجميع من يوثق بعلمه إنما ثم للشيء الذي يكون بعد المذكور قبله لا غير وإنما المعنى في هذا الخطاب ذكر ابتداء الخلق أولا فالمراد أنا بدأنا خلق آدم ثم صورناه فابتداء خلق آدم (عليه السلام) من التراب ثم وقعت الصورة بعد ذلك فهذا معنى ﴿خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم﴾ بعد الفراغ من خلق آدم فثم إنما هو لما بعد وهذا مروي عن الحسن ومن كلام العرب فعلنا بكم كذا وكذا وهم يعنون أسلافهم وفي التنزيل ﴿وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور﴾ أي ميثاق أسلافكم وقد قيل في ذلك أقوال أخر منها أن معناه خلقنا آدم ثم صورناكم في ظهره ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم عن ابن عباس ومجاهد والربيع وقتادة والسدي ومنها أن الترتيب وقع في الإخبار فكأنه قال خلقناكم ثم صورناكم ثم أنا نخبركم إنا قلنا للملائكة اسجدوا لآدم كما يقول القائل أنا راجل ثم أنا مسرع وهذا قول جماعة من النحويين منهم علي بن عيسى والقاضي أبو سعيد السيرافي وغيرهما وعلى هذا فقد قيل إن المعنى خلقناكم في أصلاب الرجال ثم صورناكم في أرحام النساء عن عكرمة وقيل خلقناكم في الرحم ثم صورناكم بشق السمع والبصر وسائر الأعضاء عن يمان وقول الشاعر:

سألت ربيعة من خيرها

أبا ثم أما فقالت ليه

فمعناه لنجيب أولا عن الأب ثم الأم وقوله ﴿فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين﴾ قد مضى الكلام فيه في سورة البقرة.