الآيـة 16

أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ ﴿16﴾

القراءة:

قرأ جميع القراء ﴿اشتروا الضلالة﴾ بضم الواو وفي الشواذ عن يحيى بن يعمر أنه كسرها تشبيها بواو لو في قوله لو استطعنا وروي عن يحيى بن وثاب أنه ضم واو لو وأو تشبيها بواو الجمع.

الحجة:

الواو في ﴿اشتروا﴾ ساكنة فإذا سقطت همزة الوصل التقت مع الساكن المبدل من لام المعرفة فالتقى ساكنان فحرك الأول منهما لالتقائهما وصار الضم أولى بها ليفصل بالضم بينها وبين واو لو وأو يدل على ذلك اتفاقهم على التحريك بالضم في نحو قوله ﴿لتبلون﴾ و﴿لترون الجحيم﴾ ومصطفو الله للدلالة على الجمع ويدل على تقرير ذلك في هذه الواو أنهم شبهوا بها الواو التي في أو ولو فحركوها بالضم تشبيها بها فكما شبهوا الواو التي في أو بالتي تدل على الجمع كذلك شبهوا هذه بها فأجازوا فيها الكسر أ لا ترى أنهم أجازوا الضم في لو استطعنا تشبيها بالتي للجمع ومثل هذا إجازتهم الجر في الضارب الرجل تشبيها بالحسن الوجه وإجازتهم النصب في الحسن الوجه تشبيها بالضارب الرجل.

اللغة:

حقيقة الاشتراء الاستبدال والعرب تقول لمن تمسك بشيء وترك غيره قد اشتراه وليس ثم شراء ولا بيع قال الشاعر:

أخذت بالجمعة رأسا أزعرا

وبالثنايا الواضحات الدردرا

وبالطويل العمر عمرا جيدرا

كما اشترى المسلم إذ تنصرا

والربح الزيادة على رأس المال ومنه ( ومن نجا برأسه فقد ربح ) والتجارة التعرض للربح في البيع وقوله ﴿فما ربحت تجارتهم﴾ أي فما ربحوا في تجارتهم والعرب تقول ربح بيعك وخسر بيعك وخاب بيعك على معنى ربحت في بيعك وإنما أضافوا الربح إلى التجارة لأن الربح يكون فيها.

الإعراب:

﴿أولئك﴾ موضعه رفع بالابتداء وخبره ﴿الذين اشتروا الضلالة بالهدى﴾ وما حرف نفي وكان صورته صورة الفعل ويستعمل على نحوين أحدهما أن لا يدل على حدث بل يدل على زمان مجرد مثل كان زيد قائما فإذا استعمل على هذا فلا بد له من خبر لأن الجملة غير مكتفية بنفسها فيزداد خبر حديثا عن الاسم ويكون اسمه وخبره في الأصل مبتدأ وخبرا فيجب لذلك أن يكون خبره هو الاسم أو فيه ذكر منه كما أن في الآية الواو في موضع الرفع لأنه اسم كان ومهتدين منصوب بأنه خبره والياء فيه علامة النصب والجمع وحرف الإعراب والنون عوض من الحركة والتنوين في الواحد وكان في الأصل مهتديين سكنت الياء الأولى التي هي لام الفعل استثقالا للحركة عليها ثم حذفت لالتقاء الساكنين وفتحت النون فرقا بينها وبين نون التثنية والآخر من نحوي كان ما هو فعل حقيقي يدل على زمان وحدث كقوله تعالى : ﴿إلا أن تكون تجارة﴾ أي تحدث فإذا استعمل هكذا فهي جملة مستقلة لا تحتاج إلى خبر.

المعنى:

أشار إلى من تقدم ذكرهم من المنافقين فقال : ﴿أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى﴾ قال ابن عباس أخذوا الضلالة وتركوا الهدى ومعناه استبدلوا الكفر بالإيمان ومتى قيل كيف قال ذلك وإنما كانوا منافقين ولم يتقدم نفاقهم إيمانا فنقول للعلماء فيه وجوه (أحدها) أن المراد باشتروا استحبوا واختاروا لأن كل مشتر مختار ما في يدي صاحبه على ما في يديه عن قتادة (وثانيها) أنهم ولدوا على الفطرة كما جاء في الخبر فتركوا ذلك إلى الكفر فكأنهم استبدلوه به (وثالثها) أنهم استبدلوا بالإيمان الذي كانوا عليه قبل البعثة كفرا لأنهم كانوا يبشرون بمحمد ويؤمنون به (صلى الله عليه وآله وسلّم) فلما بعث كفروا به فكأنهم استبدلوا الكفر بالإيمان عن الكلبي ومقاتل وقوله ﴿فما ربحت تجارتهم﴾ أي خسروا في استبدالهم الكفر بالإيمان والعذاب بالثواب وقوله : ﴿وما كانوا مهتدين﴾ أي مصيبين في تجارتهم كأصحاب محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) وقيل أراد سبحانه أن ينفي عنهم الربح والهداية فإن التاجر قد يخسر ولا يربح ويكون على هدى فإن قيل كيف قال ﴿فما ربحت تجارتهم﴾ في موضع ذهبت فيه رءوس أموالهم فالجواب أنه ذكر الضلالة والهدى فكأنه قال طلبوا الربح فلم يربحوا وهلكوا والمعنى فيه أنه ذهبت رءوس أموالهم ويحتمل أن يكون ذكر ذلك على التقابل وهو أن الذين اشتروا الضلالة بالهدى لم يربحوا كما أن الذين اشتروا الهدى بالضلالة ربحوا.