الآيـة 15

اللّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴿15﴾

اللغة:

المد أصله الزيادة في الشيء والمد الجذب لأنه سبب الزيادة في الطول والمادة كل شيء يكون مددا لغيره وقال بعضهم كل زيادة حدثت في الشيء من نفسه فهو مددت بغير ألف كما تقول مد النهر ومده نهر آخر وكل زيادة أحدثت في الشيء من غيره فهو أمددت بالألف كما يقال أمد الجرح لأن المدة من غير الجرح وأمددت الجيش والطغيان من قولك طغى الماء يطغى إذا تجاوز الحد والطاغية الجبار العنيد والعمة التحير يقال عمه يعمه فهو عمه وعامة قال رؤبة:

ومهمة أطرافه في مهمة

أعمى الهدى بالحائرين العمة.

الإعراب:

﴿يعمهون﴾ جملة في موضع الحال.

والمعنى:

قيل في معنى الآية وتأويلها وجوه (أحدها) أن يكون معنى ﴿الله يستهزىء بهم﴾ يجازيهم على استهزائهم والعرب تسمي الجزاء على الفعل باسمه وفي التنزيل وجزاء سيئة سيئة مثلها وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به وقال عمرو بن كلثوم:

ألا لا يجهلن أحد علينا

فنجهل فوق جهل الجاهلينا

وإنما جاز ذلك لأن حكم الجزاء أن يكون على المساواة (وثانيها) أن يكون معنى استهزاء الله تعالى بهم تخطئته إياهم وتجهيله لهم في إقامتهم على الكفر وإصرارهم على الضلال والعرب تقيم الشيء مقام ما يقاربه في معناه قال الشاعر:

إن دهرا يلف شملي بجمل

لزمان يهم بالإحسان

وقال آخر:

كم أناس في نعيم عمروا

في ذري ملك تعالى فبسق

سكت الدهر زمانا عنهم

ثم أبكاهم دما حين نطق

والدهر لا يوصف بالسكوت والنطق والهم وإنما ذكر ذلك على الاستعارة والتشبيه (وثالثها) أن يكون معنى الاستهزاء المضاف إليه تعالى أن يستدرجهم ويهلكهم من حيث لا يعلمون وقد روي عن ابن عباس أنه قال في معنى الاستدراج أنهم كلما أحدثوا خطيئة جدد الله لهم نعمة وإنما سمي هذا الفعل استهزاء لأن ذلك في الظاهر نعمة والمراد به استدراجهم إلى الهلاك والعقاب الذي استحقوه بما تقدم من كفرهم (ورابعها) أن معنى استهزائه بهم أنه جعل لهم بما أظهروه من موافقة أهل الإيمان ظاهر أحكامهم من الموارثة والمناكحة والمدافنة وغير ذلك من الأحكام وإن كان قد أعد لهم في الآخرة أليم العقاب بما أبطنوه من النفاق فهو سبحانه كالمستهزىء بهم من حيث جعل لهم أحكام المؤمنين ظاهرا ثم ميزهم منهم في الآخرة (وخامسها) ما روي عن ابن عباس أنه قال يفتح لهم وهم في النار باب من الجنة فيقبلون من النار إليه مسرعين حتى إذا انتهوا إليه سد عليهم وفتح لهم باب آخر في موضع آخر فيقبلون من النار إليه مسرعين حتى إذا انتهوا إليه سد عليهم فيضحك المؤمنون منهم فلذلك قال الله عز وجل : ﴿فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون﴾ وهذه الوجوه الذي ذكرناها يمكن أن تذكر في قوله تعالى : ﴿ويمكرون ويمكر الله﴾ و﴿يخادعون الله وهو خادعهم﴾ وأما قوله ﴿ويمدهم في طغيانهم يعمهون﴾ ففيه وجهان : (أحدهما) أن يريد أن يملي لهم ليؤمنوا وهم مع ذلك متمسكون بطغيانهم وعمههم والآخر أنه يريد أن يتركهم من فوائده ومنحه التي يؤتيها المؤمنين ثوابا لهم ويمنعها الكافرين عقابا لهم كشرح الصدر وتنوير القلب فهم في طغيانهم أي كفرهم وضلالهم يعمهون أي يتحيرون لأنهم قد أعرضوا عن الحق فتحيروا وترددوا.