الآيـة 10

فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ﴿10﴾

القراءة:

قرأ ابن عامر وحمزة فزادهم الله بإمالة الزاي وكذلك شاء وجاء وقرأ أهل الكوفة ﴿يكذبون﴾ بفتح الياء مخففا والباقون يكذبون.

الحجة:

حجة من أمال الألف من زاد أنه يريد أن يدل بالإمالة على أن العين ياء كما أبدلوا من الضمة كسرة في عين وبيض جمع أعين وأبيض لتصح الياء ولا تقلب إلى الواو وحجة من قرأ ﴿يكذبون﴾ أن يقول إن ذلك أشبه بما قبل الكلمة وما بعدها لأن قولهم آمنا بالله كذب منهم فلهم عذاب أليم بكذبهم وما وصلته بمعنى المصدر وفي قولهم فيما بعد إذا خلوا إلى شياطينهم إنا معكم دلالة أيضا على كذبهم فيما ادعوه من إيمانهم وإذا كان أشبه بما قبله وما بعده كان أولى وحجة من قرأ يكذبون بالتشديد قوله ﴿ولقد كذبت رسل﴾ وقوله ﴿وإن كذبوك فقل لي عملي﴾ وقوله ﴿بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه﴾ وقوله ﴿وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك﴾ ونحو ذلك والتكذيب أكثر من الكذب لأن كل من كذب صادقا فقد كذب وليس كل من كذب مكذبا فكأنه قال ولهم عذاب أليم بتكذيبهم وأدخل كان ليدل على أن ذلك كان فيما مضى.

اللغة:

المرض العلة في البدن ونقيضه الصحة قال سيبويه أمرضته جعلته مريضا ومرضته قمت عليه ووليته وزاد فعل يتعدى إلى مفعولين قال الله تعالى ﴿وزدناهم هدى﴾ و﴿زاده بسطة﴾ ومصدره الزيادة والزيد قال كذلك زيد المرء بعد انتقاصه والأليم الموجع فعيل بمعنى مفعل كالسميع بمعنى المسمع والنذير بمعنى المنذر والبديع بمعنى المبدع قال ذو الرمة يصك وجوهها وهج أليم والكذب ضد الصدق وهو الإخبار عن الشيء لا على ما هو به والكذب ضرب من القول وهو نطق فإذا جاز في القول أن يتسع فيه فيجعل غير نطق في نحو قوله قد قالت الأنساع للبطن الحقي جاز أيضا في الكذب أن يجعل غير نطق في نحو قوله:

وذبيانية وصت بنيها

بأن كذب القراطف والقروف

فيكون في ذلك انتفاء لها كما أنه إذا أخبر عن الشيء بخلاف ما هو به كان فيه انتفاء للصدق أي كذب القراطف فأوجدوها بالغارة.

المعنى:

﴿في قلوبهم مرض﴾ المراد بالمرض في الآية الشك والنفاق بلا خلاف وإنما سمي الشك في الدين مرضا لأن المرض هو الخروج عن حد الاعتدال فالبدن ما لم تصبه آفة يكون صحيحا سويا وكذلك القلب ما لم تصبه آفة من الشك يكون صحيحا وقيل أصل المرض الفتور فهو في القلب فتوره عن الحق كما أنه في البدن فتور الأعضاء وتقدير الآية في اعتقاد قلوبهم الذي يعتقدونه في الله ورسوله مرض أي شك حذف المضاف و أقيم المضاف إليه مقامه وقوله ﴿فزادهم الله مرضا﴾ قيل فيه وجوه (أحدها) أن معناه ازدادوا شكا عند ما زاد الله من البيان بالآيات والحجج إلا أنه لما حصل ذلك عند فعله نسب إليه كقوله تعالى في قصة نوح (عليه السلام) ﴿لم يزدهم دعائي إلا فرارا﴾ لما ازدادوا فرارا عند دعاء نوح (عليه السلام) نسب إليه وكذلك قوله ﴿وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم﴾ الآيات لم تزدهم رجسا وإنما ازدادوا رجسا عندها (وثانيها) ما قاله أبو علي الجبائي أنه أراد في قلوبهم غم بنزول النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) المدينة وبتمكنه فيها وظهور المسلمين وقوتهم فزادهم الله غما بما زاده من التمكين والقوة وأمده به من التأييد والنصرة (وثالثها) ما قاله السدي إن معناه زادتهم عداوة الله مرضا وهذا في حذف المضاف مثل قوله تعالى ﴿فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله﴾ أي من ترك ذكر الله (ورابعها) أن المراد في قلوبهم حزن بنزول القرآن بفضائحهم ومخازيهم فزادهم الله مرضا بأن زاد في إظهار مقابحهم ومساويهم والإخبار عن خبث سرائرهم وسوء ضمائرهم وسمي الغم مرضا لأنه يضيق الصدر كما يضيقه المرض (وخامسها) ما قاله أبو مسلم الأصفهاني أن ذلك على سبيل الدعاء عليهم كقوله تعالى ﴿ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم﴾ فكأنه دعاء عليهم بأن يخليهم الله وما اختاروه ولا يعطيهم من زيادة التوفيق والألطاف ما يعطي المؤمنين فيكون خذلانا لهم وهو في الحقيقة إخبار عن خذلان الله إياهم وإن خرج في اللفظ مخرج الدعاء عليهم ثم قال ﴿ولهم عذاب أليم﴾ وهو عذاب النار ﴿بما كانوا يكذبون﴾ أي بتكذيبهم الله ورسوله فيما جاء به من الدين أو بكذبهم في قولهم ﴿آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين﴾.