الآيـة 7

خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ ﴿7﴾

القراءة:

القراءة الظاهرة ﴿غشاوة﴾ بكسر الغين ورفع الهاء وروي عن عاصم في الشواذ غشاوة بالنصب وعن الحسن بضم الغين وعن بعضهم بفتح الغين وعن بعضهم غشوة بغير ألف وقرأ أبو عمرو والكسائي على أبصارهم بالإمالة والباقون بالتفخيم وللقراء في الإمالة مذاهب يطول شرحها.

الحجة:

حجة من رفع غشاوة أنه لم يحمله على ختم كما في الآية الأخرى وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فإذا لم يحملها عليه قطعها عنه فكانت مرفوعة إما بالظرف وإما بالابتداء وكذلك قوله ﴿و لهم عذاب عظيم﴾ فإن عند سيبويه ترتفع غشاوة وعذاب بأنه مبتدأ فكأنه قال غشاوة على أبصارهم وعذاب لهم وعند الأخفش يرتفع بالظرف لأن الظرف يضمر فيه فعل وستعرف فائدة اختلافهما في هذه المسألة بعد إن شاء الله تعالى ومن نصب غشاوة فأما أن يحملها على ختم كأنه قال وختم على أبصارهم بغشاوة فلما حذف حرف الجر وصل الفعل إليها فنصبها وهذا لا يحسن لأنه فصل بين حرف العطف والمعطوف به وذلك إنما يجوز في الشعر وإما أن يحملها على فعل مضمر كأنه قال وجعل على أبصارهم غشاوة نحو قول الشاعر:

علفتها تبنا وماء باردا

أي وسقيتها وقول الآخر:

يا ليت بعلك قد غزا

متقلدا سيفا ورمحا

أي وحاملا رمحا وهذا أيضا لا يوجد في حال الاختيار فقد صح أن الرفع أولى وتكون الواو عاطفة جملة على جملة والغشاوة فيها ثلاث لغات فتح الغين وضمها وكسرها وكذلك الغشوة فيها ثلاث لغات.

اللغة:

الختم نظير الطبع يقال طبع عليه بمعنى ختم عليه ويقال طبعه أيضا بغير حرف ولا يمتنع في ختم ذلك قال:

كان قرادى زورة طبعتهما

بطين من الجولان كتاب أعجم

وقوله ختامه مسك أي آخره ومنه ختم الكتاب لأنه آخر حال الفراغ منه وقوله ﴿على سمعهم﴾ يريد على أسماعهم والسمع مصدر تقول يعجبني ضربكم أي ضروبكم فيوحد لأنه مصدر ويجوز أن يريد على مواضع سمعهم فحذفت مواضع ودل السمع عليها كما يقال أصحابك عدل أي ذوو عدل ويجوز أن يكون لما أضاف السمع إليهم دل على معنى إسماعهم قال الشاعر:

بها جيف الحسرى فأما عظامها

فبيض وأما جلدها فصليب

وقال الآخر:

في حلقكم عظم وقد شجينا

أي في حلوقكم والغشاوة الغطاء وكل ما اشتمل على الشيء بني على فعالة نحو العمامة والقلادة والعصابة وكذلك أسماء الصناعات كالخياطة والقصارة والصياغة لأن معنى الصناعة الاشتمال على كل ما فيها وكذلك كل من استولى على شيء فاسم ما استولى عليه الفعالة كالإمارة والخلافة وغير ذلك وسمي القلب قلبا لتقلبه بالخواطر قال الشاعر:

ما سمي القلب إلا من تقلبه

والرأي يعزب والإنسان أطوار

والفؤاد محل القلب والصدر محل الفؤاد وقد يعبر عن القلب بمحله كقوله ﴿لنثبت به فؤادك﴾ وقال ﴿ألم نشرح لك صدرك﴾ يعني به القلب في الموضعين والعذاب استمرار الألم يقال عذبته تعذيبا وعذابا ويقال عذب الماء إذا استمر في الحلق وحمار عاذب وعذوب إذا استمر به العطش فلم يأكل من شدة العطش وفرس عذوب مثل ذلك وأعذبته عن الشيء بمعنى فطمته والعظيم الكبير يقال هو عظيم الجثة وعظيم الشأن سمي سبحانه عظيما وعظمته كبرياؤه.

المعنى:

قيل في معنى الختم وجوه (أحدها) أن المراد بالختم العلامة وإذا انتهى الكافر من كفره إلى حالة يعلم الله تعالى أنه لا يؤمن فإنه يعلم على قلبه علامة وقيل هي نكتة سوداء تشاهدها الملائكة فيعلمون بها أنه لا يؤمن بعدها فيذمونه ويدعون عليه كما أنه تعالى يكتب في قلب المؤمن الإيمان ويعلم عليه علامة تعلم الملائكة بها أنه مؤمن فيمدحونه ويستغفرون له وكما طبع على قلب الكافر وختم عليه فوسمه بسمة تعرف بها الملائكة كفره فكذلك وسم قلوب المؤمنين بسمات تعرفهم الملائكة بها وقد تأول على مثل هذا مناولة الكتاب باليمين والشمال في أنها علامة أن المناول باليمين من أهل الجنة والمناول بالشمال من أهل النار وقوله تعالى ﴿بل طبع الله عليها بكفرهم﴾ يحتمل أمرين أحدهما أنه طبع عليها جزاء للكفر وعقوبة عليه والآخر أنه طبع عليها بعلامة كفرهم كما تقول طبع عليه بالطين وختم عليه بالشمع (وثانيها) أن المراد بالختم على القلوب إن الله شهد عليها وحكم بأنها لا تقبل الحق كما يقال أراك تختم على كل ما يقوله فلان أي تشهد به وتصدقه وقد ختمت عليك بأنك لا تفلح أي شهدت وذلك استعارة (وثالثها) أن المراد بذلك أنه تعالى ذمهم بأنها كالمختوم عليها في أنه لا يدخلها الإيمان ولا يخرج عنها الكفر كقوله صم بكم عمي وكقول الشاعر:

أصم عما ساءه سميع

وقول الآخر:

لقد أسمعت لو ناديت حيا

ولكن لا حياة لمن تنادي

والمعنى أن الكفر تمكن من قلوبهم فصارت كالمختوم عليها وصاروا بمنزلة من لا يفهم ولا يبصر ولا يسمع عن الأصم وأبي مسلم الأصفهاني (ورابعها) أن الله وصف من ذمه بهذا الكلام بأن قلبه ضاق عن النظر والاستدلال فلم ينشرح له فهو خلاف من ذكره في قوله أ فمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه ومثل قوله ﴿أم على قلوب أقفالها﴾ وقوله ﴿وقالوا قلوبنا غلف وقلوبنا في أكنة﴾ ويقوي ذلك أن المطبوع على قلبه وصف بقلة الفهم بما يسمع من أجل الطبع فقال بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا وقال وطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون ويبين ذلك قوله تعالى ﴿قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم﴾ فعدل الختم على القلوب بأخذه السمع والبصر فدل هذا على أن الختم على القلب هو أن يصير على وصف لا ينتفع به فيما يحتاج فيه إليه كما لا ينتفع بالسمع والبصر مع أخذهما وإنما يكون ضيقه بأن لا يتسع لما يحتاج إليه فيه من النظر والاستدلال الفاصل بين الحق والباطل وهذا كما يوصف الجبان بأنه لا قلب له إذا بولغ في وصفه بالجبن لأن الشجاعة محلها القلب فإذا لم يكن القلب الذي هو محل الشجاعة لو كانت فإن لا تكون الشجاعة أولى قال طرفة:

فالهبيت لا فؤاد له

والثبيت قلبه قيمه

وكما وصف الجبان بأنه لا فؤاد له وأنه يراعة وأنه مجوف كذلك وصف من بعد عن قبول الإسلام بعد الدعاء إليه وإقامة الحجة عليه بأنه مختوم على قلبه ومطبوع عليه وضيق صدره وقلبه في كنان وفي غلاف وهذا من كلام الشيخ أبي علي الفارسي وإنما قال ختم الله وطبع الله لأن ذلك كان لعصيانهم الله تعالى فجاز ذلك اللفظ كما يقال أهلكته فلانة إذا أعجب بها وهي لا تفعل به شيئا لأنه هلك في اتباعها.

سؤال:

إن قيل لم خص هذه الأعضاء بالذكر.

فالجواب:

قيل إنها طرق العلم فالقلب محل العلم وطريقه إما السماع أو الرؤية.