الآيـة 6

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴿6﴾

القراءة:

قوله تعالى: ﴿ءأنذرتهم﴾ فيه ثلاث قراءات قرأ عاصم وحمزة والكسائي إذا حقق بهمزتين وقرأ أهل الحجاز وأبو عمر بالهمزة والمد وتليين الهمزة الثانية والباقون يجعلونها بين بين وكذلك قراءة الكسائي إذا خففت وأبو عمرو أطول مدا من ابن كثير واختلف في المد عن نافع وقرأ ابن عامر بألف بين همزتين ويجوز في العربية ثلاثة أوجه غيرها ﴿أأنذرتهم﴾ بتحقيق الهمزة الأولى وتخفيف الثانية بجعلها بين بين وأنذرتهم بهمزة واحدة وعليهم أنذرتهم على إلقاء حركة الهمزة على الميم نحو قد أفلح فيما روي عن نافع.

الحجة:

أما وجه الهمزتين فهو أنه الأصل لأن الأولى همزة الاستفهام والثانية همزة أفعل وأما إدخال الألف بين الهمزتين فمن قرأه أراد أن يفصل بين الهمزتين استثقالا لاجتماع المثلين كما فصل بين النونين في نحو أضربنان استثقالا لاجتماع النونات ومنه قول ذي الرمة:

فيا ظبية الوعساء بين جلاجل

وبين النقاء أنت أم أم سالم

وأما من فصل بين الهمزتين ولين الثانية فوجهه التخفيف من جهتين الفصل والتليين لأنك إذا لينتها فقد أمتها وصار اللفظ كأنه لا استفهام فيه ففي المد توكيد الدلالة على الاستفهام كما في تحقيق الهمزة وأما من حقق الأولى ولين الثانية من غير فصل بالألف فهو القياس لأنه جعل التليين عوضا عن الفصل وأما من اكتفى بهمزة واحدة فإنه طرح همزة الاستفهام وهو ضعيف وقد جاء في الشعر قال عمر بن أبي ربيعة:

لعمرك ما أدري وإن كنت داريا

بسبع رمين الجمر أم بثمان

وأما من ألقى حركة الهمزة على الميم فإنه على تليين الأولى وتحقيق الثانية والعرب إذا لينوا الهمزة المتحركة وقبلها ساكن ألقوا حركتها على ما قبلها قالوا من بوك ومن مك وكم بلك.

اللغة:

الكفر خلاف الشكر كما أن الحمد خلاف الذم فالكفر ستر النعمة وإخفاؤها والشكر نشرها وإظهارها والشكر نشرها وإظهارها وكل ما ستر شيئا فقد كفره قال لبيد:

في ليلة كفر النجوم غمامها

أي سترها وسواء مصدر أقيم مقام الفاعل كقولك زور وصوم ومعناه مستو والاستواء الاعتدال والسواء العدل قال زهير:

أروني خطة لا خسف فيها

يسوي بيننا فيها السواء

وقالوا سي بمعنى سواء كما قالوا قي وقواء وسيان أي مثلان والإنذار إعلام معه تخويف فكل منذر معلم وليس كل معلم منذرا ويوصف القديم تعالى بأنه منذر لأن الإعلام يجوز وصفه به والتخويف أيضا كذلك لقوله ذلك يخوف الله به عباده فإذا جاز وصفه بالمعنيين جاز وصفه بما يشتمل عليهما وأنذرت يتعدى إلى مفعولين كقوله ﴿إنا أنذرناكم عذابا قريبا﴾ وقد ورد إلى المفعول الثاني بالباء في قوله قل إنما أنذركم بالوحي وقيل الإنذار هو التحذير من مخوف يتسع زمانه للاحتراز منه فإن لم يتسع فهو أشعار.

الإعراب:

إن حرف توكيد وهي تنصب الاسم وترفع الخبر وإنما نصبت ورفعت لأنها تشبه الفعل لكونها على وزنه ولأنها توكيد والتوكيد من معاني الفعل وتشبهه في اتصال ضمير المتكلم نحو إنني وهي مبنية على الفتح كالفعل الماضي وإنما ألزمت تقديم المنصوب على المرفوع ليعلم أنها إنما عملت على جهة التشبيه فجعلت كفعل قدم مفعوله على فاعله و﴿الذين كفروا﴾ في موضع نصب لكونه اسم إن وكفروا صلة الذين وأما خبرها ففيه وجهان (أحدهما) أن يكون الجملة التي هي ﴿سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم﴾ فعلى هذا يكون سواء يرتفع بالابتداء وكما بعده مما دخل عليه حرف الاستفهام في موضع الخبر والجملة في موضع رفع بأنها خبر إن ويكون قوله ﴿لا يؤمنون﴾ حالا من الضمير المنصوب على حد معه صقر صائدا به وبالغ الكعبة ويستقيم أن يكون أيضا استئنافا والوجه الثاني أن يكون لا يؤمنون خبر إن ويكون قوله ﴿سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم﴾ اعتراضا بين الخبر والاسم فلا يكون له موضع من الإعراب كما حكم على موضعه بالرفع بالوجه الأول فأما إذا قدرت هذا الكلام على ما عليه المعنى فقلت سواء عليهم الإنذار وتركه كان سواء خبر المبتدأ لأنه يكون تقديره الإنذار وتركه مستويان عليهم وإنما قلنا أنه مرتفع بالابتداء على ما عليه التلاوة لأنه لا يجوز أن يكون خبرا فإنه ليس في ظاهر الكلام مخبر عنه وإذا لم يكن مخبر عنه بطل أن يكون خبرا فإذا فسد ذلك ثبت أنه مبتدأ وأيضا فإنه قبل الاستفهام وما قبل الاستفهام لا يكون داخلا في حيز الاستفهام فلا يجوز إذا أن يكون الخبر عما في الاستفهام متقدما على الاستفهام ونظير ما في الآية من أن خبر المبتدأ ليس المبتدأ ولا له فيه ذكر ما أنشده أبو زيد:

فإن حراما لا أرى الدهر باكيا

على شجوة إلا بكيت على عمرو

وقوله ﴿ءأنذرتهم أم لم تنذرهم﴾ لفظه لفظ الاستفهام ومعناه الخبر وهذه الهمزة تسمى ألف التسوية والتسوية آلتها همزة الاستفهام وأم تقول أ زيد عندك أم عمرو تريد أيهما عندك ولا يجوز في مكانها أو لأن أو لا يكون معادلة الهمزة وتفسير المعادلة أن تكون أم مع الهمزة بمنزلة أي فإذا قلت أ زيد عندك أو عمرو كان معناه أحد هذين عندك ويدل على ذلك أن الجواب مع زيد أم عمرو يقع بالتعيين ومع أ زيد أو عمرو يقع بنعم أو لا وإنما جرى عليه لفظ الاستفهام وإن كان خبرا لأن فيه التسوية التي في الاستفهام أ لا ترى أنك إذا قلت سواء علي أ قمت أم قعدت فقد سويت الأمرين عليك كما إنك إذا استفهمت فقلت أ قام زيد أم قعد فقد استوى الأمران عندك في الاستفهام وعدم علم أحدهما بعينه فلما عمتهما التسوية جرى على هذا الخبر لفظ الاستفهام لمشاركته له في الإبهام فكل استفهام تسوية وإن لم يكن كل تسوية استفهاما وقال النحويون إن نظير سواء في هذا قولك ما أبالي أقبلت أم أدبرت لأنه وقع موقع أي فكأنك قلت ما أبالي أي هذين كان منك وما أدري أحسنت أم أسأت وليت شعري أ قام أم قعد وقال حسان:

ما أبالي أنب بالحزن تيس

أم لحاني بظهر غيب لئيم ومثله في أنه في صورة الاستفهام وهو خبر قول جرير:

ألستم خير من ركب المطايا

وأندى العالمين بطون راح

ولو كان استفهاما لم يكن مدحا

وقول الآخر:

سواء عليه أي حين أتيته

أساعة نحس تتقي أم بأسعد.

النزول:

قيل نزلت في أبي جهل وخمسة من أهل بيته قتلوا يوم بدر عن الربيع بن أنس واختاره البلخي وقيل نزلت في قوم بأعيانهم من أحبار اليهود ممن كفر بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) عنادا وكتم أمره حسدا عن ابن عباس وقيل نزلت في أهل الختم والطبع الذين علم الله أنهم لا يؤمنون عن أبي علي الجبائي وقيل نزلت في مشركي العرب عن الأصم وقيل هي عامة في جميع الكفار أخبر تعالى بأن جميعهم لا يؤمنون ويكون كقول القائل لا يقدم جميع إخوتك اليوم فلا ينكر أن يقدم بعضهم واختار الشيخ أبو جعفر قدس الله روحه أن يكون على الاختصاص وتجويز كل واحد من الأقوال الآخر وهذا أظهر وأسبق إلى الفهم.

المعنى:

لما بين تعالى حال المؤمنين وصله بذكر الكافرين والكفر في الشرع عبارة عن جحد ما أوجب الله تعالى معرفته من توحيده وعدله ومعرفة نبيه وما جاء به من أركان الشرع فمن جحد شيئا من ذلك كان كافرا وهذه الآية تدل على أن في المكلفين من لا لطف له لأنه لو كان لفعل ولآمنوا فلما أخبر أنهم لا يؤمنون علم أنهم لا لطف لهم وتدل على صدق النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) لأنه أخبر بأنهم لا يؤمنون فكان كما أخبر وتدل أيضا على أنه يجوز أن يخاطب الله تعالى بالعام والمراد به الخاص في قول من قال الآية عامة لأنا نعلم أن في الكفار من آمن وانتفع بالإنذار.

سؤال:

إن قال قائل إذا علم الله تعالى بأنهم لا يؤمنون وكانوا قادرين على الإيمان عندكم فما أنكرتم أن يكونوا قادرين على إبطال علم الله بأنهم لا يؤمنون.

الجواب:

أنه لا يجب ذلك كما أنه لا يجب إذا كانوا مأمورين بالإيمان أن يكونوا مأمورين بإبطال علم الله كما لا يجب إذا كان الله تعالى قادرا على أن يقيم القيامة الساعة أن يكون قادرا على إبطال علمه بأنه لا يقيمها الساعة والصحيح أن نقول إن العلم يتناول الشيء على ما هو به ولا يجعله على ما هو به فلا يمتنع أن يعلم حصول شيء بعينه وإن كان غيره مقدورا.