الآيات 127-128

لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُواْ خَآئِبِينَ ﴿127﴾ لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ ﴿128﴾

اللغة:

الكبت الخزي وهو مصدر كبت الله العدو أي أخزاه وأذله وقال الخليل الكبت صرح الشيء على وجهه كبتهم الله فانكبتوا وحقيقة الكبت شدة الوهن الذي يقع في القلب وربما صرع الإنسان لوجهه للخور الذي يدخله والخائب المنقطع عما أمل ولا يكون الخيبة إلا بعد الأمل لأنها امتناع نيل ما أمل واليأس قد يكون قبل الأمل وقد يكون بعده واليأس والرجاء نقيضان يتعاقبان كتعاقب الخيبة والظفر.

الإعراب:

نصب ﴿أو يتوب عليهم﴾ على وجهين أحدهما أن يكون عطفا على ليقطع ويكون قوله ﴿ليس لك من الأمر شيء﴾ اعتراضا بين المعطوف والمعطوف عليه كما تقول ضربت زيدا فافهم ذلك وعمرا والآخر أن يكون أو بمعنى إلا أن فكأنه قال ليس لك من الأمر شيء إلا أن يتوب الله عليهم أو يعذبهم فيكون أمرك تابعا لأمر الله لرضاك بتدبيره فيهم.

المعنى:

﴿ليقطع طرفا من الذين كفروا﴾ اختلف في وجه اتصاله بما قبله فقيل يتصل بقوله ﴿وما النصر إلا من عند الله﴾ ومعناه أعطاكم الله هذا النصر وخصكم به ليقطع طائفة من الذين كفروا بالأسر والقتل وقيل هو متصل بقوله ﴿ولقد نصركم الله ببدر﴾ أي ولقد نصركم الله ببدر ليقطع طرفا وقيل معناه ذلك التدبير ليقطع طرفا أي قطعة منهم والمعنى ليهلك طائفة منهم وقيل ليهدم ركنا من أركان الشرك بالقتل والأسر وأما اليوم الذي قطع الله فيه الطرف من الذين كفروا فيوم بدر قتل فيه صناديدهم ورؤساءهم وقادتهم إلى الكفر في قول الحسن والربيع وقتادة وقيل هو يوم أحد قتل فيه منهم ثمانية عشر رجلا وإنما قال ﴿ليقطع طرفا﴾ منهم ولم يقل ليقطع وسطا منهم لأنه لا يوصل إلى الوسط منهم إلا بقطع الطرف ولأن الطرف أقرب إلى المؤمنين فهو كما قال ﴿قاتلوا الذين يلونكم من الكفار﴾ ﴿أو يكبتهم﴾ معناه أو يخزيهم بالخيبة مما أملوا من الظفر بكم عن قتادة والربيع وقيل معناه يردهم عنكم منهزمين عن الجبائي والكلبي وقيل يصرعهم الله على وجوههم وقيل معناه يردهم عنكم منهزمين عن الجبائي والكلبي وقيل يصرعهم الله على وجوههم وقيل يظفركم عليهم عن المبرد وقيل يلعنهم عن السدي وقيل يهلكهم عن أبي عبيدة ﴿فينقلبوا خائبين﴾ لم ينالوا مما أملوا شيئا ﴿ليس لك من الأمر شيء﴾ قيل هو متصل بقوله ﴿وما النصر إلا من عند الله﴾ فيكون معناه نصركم الله ليقطع طرفا منهما ويكبتهم وليس لك ولا لغيرك من هذا النصر شيء عن أبي مسلم وقيل أنه اعتراض بين الكلامين وقوله ﴿أو يتوب﴾ عليهم متصل بقوله ﴿ليقطع طرفا﴾ فيكون التقدير ليقطع طرفا منهم أو يكبتهم أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم قد استحقوا العذاب وليس لك أي ليس إليك من هذه الأربعة شيء وذلك إلى الله تعالى واختلف في سبب نزوله فروي عن أنس بن مالك وابن عباس والحسن وقتادة والربيع أنه لما كان من المشركين يوم أحد ما كان من كسر رباعية الرسول وشجه حتى جرت الدماء على وجهه قال كيف يفلح قوم نالوا هذا من نبيهم (صلى الله عليه وآله وسلّم) وهو مع ذلك حريص على دعائهم إلى ربهم فأعلمه الله أنه ليس إليه فلاحهم وأنه ليس إليه إلا أن يبلغ الرسالة ويجاهد حتى يظهر الدين وإنما ذلك إلى الله تعالى وكان الذي كسر رباعيته وشجه في وجهه عتبة بن أبي وقاص فدعا عليه بأن لا يحول عليه الحول حتى يموت كافرا فمات كافرا قبل أن يحول الحول وأدمى وجهه رجل من هذيل يقال له عبد الله بن قمية فدعا عليه فكان حتفه أن سلط الله عليه تيسا فنطحه حتى قتله وروي أنه كان يمسح الدم على وجهه ويقول اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون فعلى هذا يمكن أن يكون على وجل من عنادهم وإصرارهم على الكفر فأخبره تعالى (أنه ليس إليه إلا ما أمر به من تبليغ الرسالة ودعائهم إلى الهدى) وذلك مثل قوله ﴿لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين﴾ وقيل أنه استأذن ربه في يوم أحد في الدعاء عليهم فنزلت الآية فلم يدع عليهم بعذاب الاستيصال وإنما لم يؤذن له فيه لما كان في المعلوم من توبة بعض عن أبي علي الجبائي وقيل أراد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن يدعو على المنهزمين عنه من أصحابه يوم أحد فنهاه الله عن ذلك وتاب عليهم ونزلت الآية ﴿ليس لك من الأمر شيء﴾ أي ليس لك أن تلعنهم وتدعو عليهم عن عبد الله بن مسعود وقيل لما رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) والمسلمون ما فعل بأصحابه وبعمه حمزة من المثلة من جدع الأنوف والآذان وقطع المذاكير قالوا لئن أدالنا الله منهم لنفعلن بهم مثل ما فعلوا بنا ولنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب بأحد قط فنزلت الآية عن محمد بن إسحاق والشعبي وقيل نزلت في أهل بئر معونة وهم سبعون رجلا من قراء أصحاب رسول الله وأميرهم المنذر بن عمرو بعثهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) إلى بئر معونة في صفر سنة أربع من الهجرة على رأس أربعة أشهر من أحد ليعلموا الناس القرآن والعلم فقتلهم جميعا عامر بن الطفيل وكان فيهم عامر بن فهيرة مولى أبي بكر فوجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) من ذلك وجدا شديدا وقنت عليهم شهرا فنزل ﴿ليس لك من الأمر شيء﴾ عن مقاتل والأصح أنها نزلت في أحد لأن أكثر العلماء عليه ويقتضيه سياق الكلام وإنما قال ﴿ليس لك من الأمر شيء﴾ مع أن له (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن يدعوهم إلى الله ويؤدي إليهم بتبليغهم لأن معناه ليس لك شيء من أمر عقابهم واستيصالهم أو الدعاء عليهم أو لعنهم حتى تقع إنابتهم فجاء الكلام على الإيجاز لأن المعنى مفهوم لدلالة الكلام عليه وأيضا فإنه لا يعتد بما له (صلى الله عليه وآله وسلّم) في تدبيرهم مع تدبير الله لهم فكأنه قال ليس لك من الأمر شيء على وجه من الوجوه وقوله ﴿أو يتوب عليهم﴾ قيل في معناه وجهان أحدهما أو يلطف لهم بما يقع معه توبتهم فيتوب عليهم بلطفه لهم والآخر أو يقبل توبتهم إذا تابوا كقوله غافر الذنب وقابل التوب ولا يصح هذه الصفة إلا لله تعالى لأنه يملك الجزاء بالثواب والعقاب ﴿أو يعذبهم﴾ أي يعذبهم الله تعالى إن لم يتوبوا ﴿فإنهم ظالمون﴾ أي مستحقون للعذاب بظلمهم وفي هذه الآية دلالة على أن ما يتعلق بالنصر والظفر وقبول التوبة والتعذيب فإنما هو إلى الله وليس للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) من ذلك شيء وإنما إليه الهداية والدعاء فكأنه قال لا ترفع عنهم السيف إلى أن يتوبوا فيتوب عليهم أو يقوموا على كفرهم فيعذبهم بظلمهم.