الآيات 100-101

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ ﴿100﴾ وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴿101﴾

اللغة:

الطاعة موافقة الإرادة الجاذبة للفعل بالترغيب فيه والإجابة موافقة الإرادة الداعية إلى الفعل ولذلك يجوز أن يكون الله مجيبا إلى عبده إذا فعل ما دعا العبد به ولم يجز أن يكون مطيعا له وأصل الاعتصام الامتناع وعصمه يعصمه إذا منعه ولا عاصم اليوم من أمر الله أي ولا مانع والعصام الحبل لأنه يعتصم به والعصم الأوعال لامتناعها بالجبال.

النزول:

نزلت في الأوس والخزرج لما أغرى قوم من اليهود بينكم بذكر حروبهم في الجاهلية ليفتنوهم عن دينهم عن زيد بن أسلم والسدي وقيل نزل قوله ﴿وكيف تكفرون﴾ في مشركي العرب عن الحسن.

المعنى:

ثم حذر المؤمنين عن قبول قولهم فقال ﴿يا أيها الذين آمنوا﴾ أي صدقوا الله ورسوله وهو خطاب للأوس والخزرج ويدخل غيرهم من المؤمنين في عموم اللفظ ﴿إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب﴾ معناه إن تطيعوا هؤلاء اليهود في قبول قولهم وإحياء الضغائن التي كانت بينكم في الجاهلية ﴿يردوكم بعد إيمانكم كافرين﴾ أي يرجعوكم كفارا بعد إيمانكم ثم أكد تعالى الأمر وعظم الشأن فقال ﴿وكيف تكفرون﴾ أي وعلى أي حال يقع منكم الكفر ﴿وأنتم تتلى عليكم آيات الله﴾ وهذا استبعاد أن يقع منهم الكفر مع معرفتهم ب آيات الله وفيهم داع يدعوهم إلى الإيمان وقيل هو على التعجيب أي لا ينبغي لكم أن تكفروا مع ما يقرأ عليكم في القرآن المجيد من الآيات الدالة على وحدانية الله ونبوة نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) ﴿وفيكم رسوله﴾ يعني محمدا ترون معجزاته والكفر وإن كان فظيعا في كل حال فهو في مثل هذه الحالة أفظع ويجوز أن يكون المراد بقوله ﴿وفيكم رسوله﴾ القوم الذين كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) بين أظهرهم خاصة ويجوز أن يكون المراد به جميع أمته لأن آثاره وعلاماته من القرآن وغيره فينا قائمة باقية وذلك بمنزلة وجوده فينا حيا ﴿ومن يعتصم بالله﴾ أي يتمسك بكتابه وآياته وبدينه وقيل من يمتنع بالله عمن سواه بأن يعبده لا يشرك به شيئا وقيل من يمتنع عن الكفر والهلاك بالإيمان بالله وبرسوله ﴿فقد هدي إلى صراط مستقيم﴾ أي إلى طريق واضح قال قتادة في هذه الآية علمان بينان كتاب الله ونبي الله فأما نبي الله فقد مضى وأما كتاب الله فأبقاه الله بين أظهركم رحمة منه ونعمة فيه حلاله وحرامه وطاعته ومعصيته وقيل أنهم قد شاهدوا في نفسه (صلى الله عليه وآله وسلّم) معجزات كثيرة منها أنه كان يرى من خلفه كما يرى من قدامه ومنها أنه كان ينام عينه ولا ينام قلبه ومنها أن ظله لم يقع على الأرض ومنها أن الذباب لم يقع عليه ومنها أن الأرض كانت تبتلع ما يخرج منه وكان لا يرى له بول ولا غائط ومنها أنه كان لا يطوله أحد وإن طال ومنها أنه كان بين كتفيه خاتم النبوة ومنها أنه كان إذا مر بموضع يعلمه الناس لطيبه ومنها أنه كان يسطع نور من جبهته في الليلة المظلمة ومنها أنه قد ولد مختونا إلى غير ذلك من الآيات.