الآيات 23 - 24
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوْتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ ﴿23﴾ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ ﴿24﴾
اللغة:
النصيب الحظ من الشيء وهو القسم المجعول لمن أضيف إليه والدعاء استدعاء الفعل ثم قد يكون بصيغة الأمر وبالخبر وبالدلالة والحكم والخبر الذي يفصل الحق من الباطل مأخوذ من الحكمة وهي المنع والغرور الأطماع فيما لا يصح غره يغره غرورا فهو مغرور والغرور الشيطان لأنه يغر الناس والغار الغافل لأنه كالمغتر والغرارة الدنيا تغر أهلها والغر الغمر الذي لم يجرب الأمور ومصدره الغرارة لأنه من شأنه أن يقبل الغرور والغرر الخطر أخذ منه والغر آثار طي الثوب اطوه على غره أي على آثار طيه والغر زق الطائر فرخه والافتراء الكذب وفرى فلان كذبا يفريه فرية والفري الشق وفرية مفرية أي مشقوقة وقد تفرى خرزها أي تشفق وفريت الأرض سرتها وقطعتها.
الإعراب:
يدعون جملة في موضع الحال من أوتوا ﴿يتولى فريق﴾ جملة معطوفة على يدعون ﴿وهم معرضون﴾ في موضع نصب أيضا على الحال من يتولى أياما نصب على الظرف لأن مس النار يكون في تلك الأيام ومعدودات صفة الأيام.
المعنى:
لما قدم تعالى ذكر الحجاج بين أنهم إذا عضتهم الحجة فروا إلى الضجة وأعرضوا عن المحجة فقال ﴿ألم تر﴾ معناها ينته علمك ﴿إلى الذين أوتوا نصيبا﴾ أي أعطوا نصيبا أي حظا ﴿من الكتاب﴾ يدعون إلى كتاب الله اختلف فيه فقيل معناه التوراة عن ابن عباس دعا إليها اليهود فأبوا لعلمهم بلزوم الحجة لهم لما فيه من الدلالات على نبوة محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) وصدقه وإنما قال أعطوا نصيبا من الكتاب لأنهم كانوا يعلمون بعض ما فيه وقيل معناه القرآن عن الحسن وقتادة دعوا إلى القرآن لأن ما فيه موافق لما في التوراة من أصول الديانة وأركان الشريعة وفي الصفة التي تقدمت البشارة بها ﴿ليحكم بينهم﴾ يحتمل ثلاثة أشياء (أحدها) أن معناه ليحكم بينهم في نبوة محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن أبي مسلم وجماعة (والثاني) أن معناه ليحكم بينهم في أمر إبراهيم وأن دينه الإسلام (والثالث) معناه ليحكم بينهم في أمر الرجم فقد روي عن ابن عباس أن رجلا وامرأة من أهل خيبر زنيا وكانا ذوي شرف فيهم وكان في كتابهم الرجم فكرهوا رجمهما لشرفهما ورجوا أن يكون عند رسول الله رخصة في أمرهما فرفعوا أمرهما إلى رسول الله فحكم عليهما بالرجم فقال له النعمان بن أوفى وبحري بن عمرو جرت عليهما يا محمد ليس عليهما الرجم فقال لهم رسول الله بيني وبينكم التوراة قالوا قد أنصفتنا قال فمن أعلمكم بالتوراة قالوا رجل أعور يسكن فدك يقال له ابن صوريا فأرسلوا إليه فقدم المدينة وكان جبرائيل قد وصفه لرسول الله فقال له رسول الله أنت ابن صوريا قال نعم قال أنت أعلم اليهود قال كذلك يزعمون قال فدعا رسول الله بشيء من التوراة فيها الرجم مكتوب فقال له اقرأ فلما أتى على آية الرجم وضع كفه عليها وقرأ ما بعدها فقال ابن سلام يا رسول الله قد جاوزها وقام إلى ابن صوريا ورفع كفه عنها ثم قرأ على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) وعلى اليهود بأن المحصن والمحصنة إذا زنيا وقامت عليهما البينة رجما وإن كانت المرأة حبلى أنتظر بها حتى تضع ما في بطنها فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) باليهوديين فرجما فغضب اليهود لذلك فأنزل الله تعالى هذه الآية ﴿ثم يتولى فريق منهم﴾ أي طائفة منهم عن الداعي ﴿وهم معرضون﴾ عن اتباع الحق ﴿ذلك﴾ معناه شأنهم ذلك فهو خبر مبتدإ محذوف فالله تعالى بين العلة في إعراضهم عنه مع معرفتهم به والسبب الذي جرأهم على الجحد والإنكار ﴿بأنهم قالوا لن تمسنا النار﴾ أي لن تصيبنا النار ﴿إلا أياما معدودات﴾ وفيه قولان (أحدهما) أنها الأيام التي عبدوا فيها العجل وهي أربعون يوما عن الربيع وقتادة والحسن إلا أن الحسن قال سبعة أيام (والثاني) أنهم أرادوا أياما منقطعة عن الجبائي ﴿وغرهم في دينهم﴾ أي أطمعهم في غير مطمع ﴿ما كانوا يفترون﴾ أي افتراءهم وكذبهم واختلفوا في الافتراء الذي غرهم على قولين (أحدهما) قولهم نحن أبناء الله وأحباؤه عن قتادة (والآخر) قولهم ﴿لن تمسنا النار إلا أياما معدودات﴾ عن مجاهد وهذا لا يدل على خلاف ما نذهب إليه من جواز العفو وإخراج المعاقبين من أهل الصلاة من النار لأنا نقول أن عقاب من ثبت دوام ثوابه بإيمانه لا يكون إلا منقطعا وإن لم يحط علما بقدر عقابه ولا نقول أيام عقابه بعدد أيام عصيانه كما قالوا وبين القولين بون ظاهر.