الآيات 8 - 9

رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ ﴿8﴾ رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ﴿9﴾

اللغة:

الهبة تمليك الشيء من غير مثامنة والهبة والنحلة والصلة نظائر وفي لدن خمس لغات لدن ولدن بضم اللام والدال ولدن بفتح اللام والدال ولدن بفتح اللام وسكون الدال وكسر النون ولدن بحذف النون والميعاد بمعنى الوعد كما إن الميقات بمعنى الوقت.

الإعراب:

اللام في قوله ﴿ليوم لا ريب فيه﴾ معناه في يوم وإنما جاز ذلك لما دخل الكلام من اللام فإن تقديره جامع الناس للجزاء في يوم لا ريب فيه فلما حذف لفظ الجزاء دخلت على ما يليه فأغنت عن في لأن حروف الإضافة متواخية لما يجمعها من معنى الإضافة وقد كان يجوز فتح أن في قوله ﴿إن الله لا يخلف﴾ على تقدير ﴿جامع الناس ليوم لا ريب فيه﴾ لأن الله لا يخلف الميعاد ولم يقرأ به.

المعنى:

﴿ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا﴾ هذه حكاية عن قول الراسخين في العلم الذين ذكرهم الله في الآية الأولى وذكر في تأويله وجوه (أحدها) إن معناه لا تمنعنا لطفك الذي معه تستقيم القلوب فتميل قلوبنا عن الإيمان بعد إذ وفقتنا بألطافك حتى هديتنا إليك وهذا دعاء بالتثبيت على الهداية والأمداد بالألطاف والتوفيقات ويجري مجرى قولهم اللهم لا تسلط علينا من لا يرحمنا والمعنى لا تخل بيننا وبين من لا يرحمنا فيسلط علينا فكأنهم قالوا لا تخل بيننا وبين نفوسنا بمنعك التوفيق والألطاف عنا فنزيغ ونضل وإنما يمنع ذلك بسبب ما يكتسبه العبد من المعصية ويفرط فيه من التوبة كما قال فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم (وثانيها) إن معناه لا تكلفنا من الشدائد ما يصعب علينا فعله وتركه فتزيغ قلوبنا بعد الهداية ونظيره فلما كتب عليهم القتال تولوا فأضافوا ما يقع من زيغ القلوب إليه سبحانه لأن ذلك يكون عند تشديده تعالى المحنة عليهم كما قال سبحانه فزادتهم رجسا إلى رجسهم ولم يزدهم دعائي إلا فرارا (وثالثها) ما قاله أبو علي الجبائي إن المراد لا تزغ قلوبنا عن ثوابك ورحمتك وهو ما ذكره الله من الشرح والسعة بقوله يشرح صدره للإسلام وذكر أن ضد هذا الشرح هو الضيق والحرج اللذان يفعلان بالكفار عقوبة ومن ذلك التطهير الذي يفعله في قلوب المؤمنين ويمنعه الكافرين كما قال تعالى أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم ومن ذلك كتابته الإيمان في قلوب المؤمنين كما قال أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وضد هذه الكتابة هي سمات الكفر التي في قلوب الكافرين فكأنهم سألوا الله أن لا يزيغ قلوبهم عن هذا الثواب إلى ضده من العقاب (ورابعها) أن الآية محمولة على الدعاء بأن لا يزيغ القلوب عن اليقين والإيمان ولا يقتضي ذلك أنه تعالى سئل عما لو لا المسألة لجاز أن يفعله لأنه غير ممتنع أن يدعوه على سبيل الانقطاع إليه والافتقار إلى ما عنده بأن يفعل ما نعلم أن يفعله وبأن لا يفعل ما نعلم أنه واجب أن لا يفعله إذا تعلق بذلك ضرب من المصلحة كما قال سبحانه ﴿قل رب احكم بالحق﴾ وقال ﴿ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك﴾ وقال حاكيا عن إبراهيم ولا تخزني يوم يبعثون فإن قيل هلا جاز على هذا أن يقول (ربنا لا تظلمنا ولا تجر علينا) فالجواب إنما لم يجز ذلك لأن فيه تسخطا من السائل وإنما يستعمل ذلك فيمن جرت عادته بالجور والظلم وليس كذلك ما نحن فيه ﴿وهب لنا من لدنك رحمة﴾ أي من عندك لطفا نتوصل به إلى الثبات على الإيمان إذ لا نتوصل إلى الثبات على الإيمان إلا بلطفك كما لا يتوصل إلى ابتدائه إلا بذلك وقيل نعمة ﴿إنك أنت الوهاب﴾ المعطي للنعمة الذي شأنه الهبة والعطية ﴿ربنا﴾ أي ويقولون يا سيدنا وخالقنا ﴿إنك جامع الناس﴾ للجزاء ﴿ليوم﴾ أي في يوم ﴿لا ريب فيه﴾ أي ليس فيه موضع ريب وشك لوضوحه وهذا يتضمن إقرارهم بالبعث ﴿إن الله لا يخلف الميعاد﴾ أي لا يخلف الوعد وقيل هو متصل بما قبله من دعاء الراسخين في العلم وإن خالف آخر الكلام أوله في الخطاب والغيبة فيكون مثل قوله حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم وتقديره فاغفر لنا إنك لا تخلف ما وعدته وقيل أنه على الاستيناف وهو اختيار الجبائي فيكون إخبارا عن الله تعالى.