الآيات 1-5
إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ﴿1﴾ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴿2﴾ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ ﴿3﴾ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴿4﴾ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ ﴿5﴾
القراءة:
قرأ أبو عمرو غير عباس والكسائي خشب ساكنة الشين والباقون ﴿خشب﴾ بضمها وقرأ نافع وروح عن يعقوب وسهل لووا بتخفيف الواو والباقون ﴿لووا﴾ بتشديدها وهو اختيار أبي عبيدة وفي الشواذ قراءة الحسن اتخذوا إيمانهم بالكسر.
الحجة:
قال أبو علي من قرأ خشب جعله مثل بدنة وبدن ومثله أسد وأسد ووثن ووثن في قوله إن يدعون من دونه إلا أثنا قال سيبويه هي قراءة والتثقيل أن فعل قد جاء في نظيره قالوا أسد كما قالوا في جمع ثمر ثمر قال الشاعر:
يقدم إقداما عليكم كالأسد
قال أبو الحسن التحريك في خشب لغة أهل الحجاز وحجة من قرأ لووا بالتخفيف قوله ﴿ليا بألسنتهم﴾ فاللي مصدر لوى مثل طوى طيا والتثقيل لأن الفعل للجماعة فهو كقوله مفتحة لهم الأبواب وقد جاء تلوية الخاتن زب المعذر أنشده أبو زيد وقوله إيمانهم بالكسر هو على حذف المضاف أي اتخذوا إظهار إيمانهم جنة وقد مر أمثال ذلك.
اللغة:
الجنة السترة المتخذة لدفع الأذية كالسلاح المتخذ لدفع الجراح والجنة البستان الذي يجنه الشجر والجنة الجنون الذي يستر العقل والفقه العلم بالشيء فقهت الحديث أفقهه وكل علم فقه إلا لما اختص به علم الشريعة وكل من علمها يقال أنه فقيه وأفقهتك الشيء بينت لك وفقه الرجل بالضم صار فقيها قال ابن دريد الجسم كل شخص مدرك وكل عظيم الجسم جسيم وجسام والأجسم العظيم الجسم قال الشاعر:
وأجسم من عاد جسوم رجالهم
وأكثر إن عدوا عديدا من الرمل
واختلف المتكلمون في حد الجسم فقال المحققون منهم هو الطويل العريض العميق ولذلك متى ازداد ذهابه في هذه الجهات الثلاث قيل أجسم وجسيم وقيل هو المؤلف وقيل هو القائم بالنفس ومعناه أنه لا يحتاج إلى محل والصحيح القول الأول والأجسام ما تأتلف من الجواهر وهي أجزاء لا تتجزء ائتلفت بمعان يقال لها المؤتلفات فإذا رفعت عنها بقيت أجزاء لا تتجزء واختلف في أقل أجزاء الأجسام والصحيح أنه ما تألف من ثمانية أجزاء وقيل من ستة أجزاء عن أبي الهذيل وقيل من أربعة أجزاء عن البلخي.
الإعراب:
﴿ساء ما كانوا يعملون﴾ تقديره ساء العمل عملهم فقوله ﴿ما كانوا يعملون﴾ موصول وصلة في موضع رفع بأنه مبتدأ أو خبر مبتدإ محذوف هو المخصوص بالذم.
﴿أنى يؤفكون﴾ أنى في موضع نصب على الحال بمعنى كيف والتقدير أ جاحدين يؤفكون ويجوز أن يكون في محل النصب على المصدر والتقدير أي أفك يؤفكون وقيل معناه من أين يؤفكون أي يصرفون عن الحق بالباطل عن الزجاج فعلى هذا يكون منصوبا على الظرف ويصدون في موضع نصب على الحال.
المعنى:
خاطب الله سبحانه نبيه فقال ﴿إذا جاءك﴾ يا محمد ﴿المنافقون﴾ وهم الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر واشتقاقه من النفق والنافقاء كما قال الشاعر:
للمؤمنين أمور غير مخزية
وللمنافق سر دونه نفق
﴿قالوا نشهد إنك لرسول الله﴾ أي أخبروا بأنهم يعتقدون أنك رسول الله ﴿والله يعلم﴾ يا محمد ﴿إنك لرسوله﴾ على الحقيقة وكفى بالله شهيدا ﴿والله يشهد إن المنافقين لكاذبون﴾ في قولهم إنهم يعتقدون أنك رسول الله فكان إكذابهم في اعتقادهم وأنهم يشهدون ذلك بقلوبهم ولم يكذبوا فيما يرجع إلى ألسنتهم لأنهم شهدوا بذلك وهم صادقون فيه وفي هذا دلالة على أن حقيقة الإيمان إنما هو بالقلب ومن قال شيئا واعتقد خلافه فهو كاذب ﴿اتخذوا أيمانهم جنة﴾ أي سترة يستترون بها من الكفر لئلا يقتلوا ولا يسبوا ولا تؤخذ أموالهم ﴿فصدوا عن سبيل الله﴾ أي فأعرضوا بذلك عن دين الإسلام وقيل معناه منعوا غيرهم عن اتباع سبيل الحق بأن دعوهم إلى الكفر في الباطن وهذا من خواص المنافقين يصدون العوام عن الدين كما تفعل المبتدعة ﴿إنهم ساء ما كانوا يعملون﴾ أي بئس الذين يعملونه من إظهار الإيمان مع إبطان الكفر والصد عن السبيل ﴿ذلك بأنهم آمنوا﴾ بألسنتهم عند الإقرار بلا إله إلا الله محمد رسول الله ﴿ثم كفروا﴾ بقلوبهم لما كذبوا بهذا عن قتادة وقيل معناه آمنوا ظاهرا عند النبي والمسلمين ثم كفروا إذا خلوا بالمشركين وإنما قال ثم كفروا لأنهم جددوا الكفر بعد إظهار الإيمان ﴿فطبع على قلوبهم﴾ أي ختم عليها بسمة تميز بها الملائكة بينهم وبين المؤمنين على الحقيقة وقيل لما ألفوا الكفر والعناد ولم يصغوا إلى الحق ولا فكروا في المعاد خلاهم الله واختارهم وخذلهم فصار ذلك طبعا على قلوبهم وهو الفهم إلى ما اعتادوه من الكفر عن أبي مسلم ﴿فهم لا يفقهون﴾ أي لا يعلمون الحق من حيث أنهم لا يتفكرون حتى يميزوا بين الحق والباطل ﴿وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم﴾ بحسن منظرهم وتمام خلقتهم وجمال بزتهم ﴿وإن يقولوا تسمع لقولهم﴾ أي وإذا قالوا شيئا أصغيت إلى كلامهم لحسن منطقهم وفصاحة لسانهم وبلاغة بيانهم ﴿كأنهم خشب مسندة﴾ أي كأنهم أشباح بلا أرواح شبههم الله في خلوهم من العقول والأفهام بالخشب المسندة إلى شيء لا أرواح فيها وقيل أنه شبههم بخشب نخرة متأكلة لا خير فيها ويحسب من رآها أنها صحيحة سليمة من حيث أن ظاهرها يروق وباطنها لا يفيد فكذلك المنافق ظاهره معجب رائع وباطنه عن الخير زائغ ﴿يحسبون كل صيحة عليهم﴾ وصفهم الله تعالى بالخور والهلع أي يظنون كل صيحة يسمعونها كائنة عليهم والمعنى يحسبون أنها مهلكتهم وأنهم هم المقصودون بها جبنا ووجلا وذلك مثل أن ينادي مناد في العسكر أو يصيح أحد بصاحبه أو انفلتت دابة أو أنشدت ضالة وقيل معناه إذا سمعوا صيحة ظنوا أنها آية منزلة في شأنهم وفي الكشف عن حالتهم لما عرفوا من الغش والخيانة في صدورهم ولذلك قيل المريب خائف ثم أخبر سبحانه بعداوتهم فقال ﴿هم العدو﴾ لك وللمؤمنين في الحقيقة ﴿فاحذرهم﴾ أن تأمنهم على سرك وتوقهم ﴿قاتلهم الله﴾ أي أخزاهم ولعنهم وقيل أنه دعاء عليهم بالهلاك لأن من قاتله الله فهو مقتول ومن غالبه فهو مغلوب ﴿أنى يؤفكون﴾ أي أنى يصرفون عن الحق مع كثرة الدلالات وهذا توبيخ وتقريع وليس باستفهام عن أبي مسلم وقيل معناه كيف يكذبون من الإفك ﴿وإذا قيل لهم تعالوا﴾ أي هلموا ﴿يستغفر لكم رسول الله لووا رءوسهم﴾ أي أكثروا تحريكها بالهزء لها استهزاء بدعائهم إلى ذلك وقيل أمالوها إعراضا عن الحق وكراهة لذكر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وذلك لكفرهم واستكبارهم ﴿ورأيتهم﴾ يا محمد ﴿يصدون﴾ عن سبيل ﴿الله﴾ الحق ﴿وهم مستكبرون﴾ أي متكبرون مظهرون أنه لا حاجة لهم إلى الاستغفار.