الآيات 27 - 30
﴿يَـأيَّتُهَا الْنَّفْسُ الْمُطْمَئِنَةُ (27) ارْجِعِى إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَْةً مرَّضِيَّةً (28) فادْخُلِى فِى عِبَـدِى (29) وَادْخُلِى جَنَّتِى (30)﴾
التّفسير:
الشّرف العظيم:
وتنتقل السّورة في آخر مطافها إلى تلك النفوس المطمئنة ثقة باللّه وبهدف الخلق، بالرغم من معايشتها في خضم صخب الحياة الدنيا، فتخاطبهم بكلّ لطف ولين ومحبّة، حيث تقول: (يا أيّتها النفس المطمئنة)... (ارجعي إلى ربّك راضية مرضيّة)... (فادخلي في عبادي)... (وادخلي جنّتي).
فهل ثمّة أجمل وألطف من هذا التعبير!...
تعبير يحكي دعوة اللّه سبحانه وتعالى لتلك النفوس المؤمنة، المخلصة، المحبّة والواثقة بوعده جلّ شأنه... دعوتها لتعود إلى ربّها ومالكها ومصلحها الحقيقي....
دعوة مفعمة برضا الطرفين، رضا العاشق على معشوقه، ورضا المعشوق على عاشقه....
وتتوج تلك النفوس الطاهرة بتاج العبودية، لتدخل في صف المقرّبين عند اللّه، ولتحصل على إذن دخول جنان الخلد، وما قوله تعالى: "جنتي" إلاّ للإشارة إلى أنّ المضيف هو اللّه جلّ جلاله... فما أروعها من دعوة! وما أعظمه وأكرمه من داع! وما أسعده من مدعو!
ويراد بالنفس هنا: الروح الإنسانية.
"المطمئنة": إشارة إلى الإطمئنان الحاصل من الإيمان، بدلالة الآية (28) من سورة الرعد: (ألا بذكر اللّه تطمئن القلوب).
ويعود اطمئنان النفس، لإطمئنانها بالوعود الإلهية من جهة، ولإطمئنانها لما اختارت من طريق...وهي مطمئنة في الدنيا سواء أقبلت عليها أم أدبرت، ومطمئنة عند أهوال حوادث يوم القيامة الرهيبة أيضاً.
أّمّا (الرجوع إلى اللّه)، فهو - على قول جمع من المفسّرين - رجوع إلى ثوابه ورحمته...ولكنّ الأنسب أن يقال: إنّه رجوع إليه جلّ وعلا، رجوع إلى جواره وقربه بمعناها الروحي المعنوي، وليست بمعناها المكاني والجسماني.
وثمّة سؤال يرد إلى الذهن... متى ستكون دعوته المباركة، هل ستكون بعد مفارقة الروح البدن، أم في يوم القيامة؟؟
لو أخذنا بظاهر الآيات المباركة، فسياقها يرتبط بالقيامة، وإن كان تعبير الآية ذو شمولية.
"راضية": لما ترى من تحقق الوعود الإلهية بالثواب والنعيم بأكثر ممّا كانت تتصور، وشمول العبد برحمة وفضل اللّه سيدخل في قلبه الرضا بكّل ما يحمل الرضا من معان وأكثر.
"مرضيّة": لرضا اللّه تبارك وتعالى عنها.
فعبدٌ بما ذُكِرَ من أوصاف، بلا شكّ مكانه الجنّة، وذلك لأنّه عمل بكلّ ما يملك في سبيل رضوان معبوده الأحد الصمد، ووصل في عمله لمقام الرضا التام والتسليم الكامل لخالقه تبارك وتعالى، حتى نال وسام حقيقة العبودية، ودخل طائعاً وواثقاً في صف عباد اللّه الصالحين...وقد خصّ بعض المفسّرين سبب نزول هذه الآيات في (حمزة سيد الشهداء)، ولكن بلحاظ كون السّورة مكّية، فيمكن اعتبار ذلك أحد تطبيقات (مصاديق) الآيات وليس شأناً للنزول، كما هو الحال في ما ذكرنا في أوّل السّورة بشأن الإمام الحسين (ع).
روي أنّ أحد أصحاب الإمام الصادق (ع) قد سأله قائلاً: جعلت فداك يا ابن رسول اللّه، هل يكره المؤمن على قبض روحه؟
قال: "لا واللّه، إنّه إذا أتاه مَلَك الموت لقبض روحه جزع عند ذلك، فيقول له ملك الموت: يا وليّ اللّه، لا تجزع، فو الذي بعث محمّداً لأنا أبرّ بك وأشفق عليك من والد رحيم لو حضرك، افتح عينيك فانظر، قال: ويمثل له رسول اللّه (ص) وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة من ذريتهم (ع)، فيقال له: هذا رسول اللّه (ص) وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة (ع) رفقاؤك، قال: فيفتح عينيه فينظر، فينادي روحه مناد من قبل ربّ العِزّة فيقول: "يا أيّتها النفس المطمئنة (إلى محمّد وأهل بيته) ارجعي إلى ربّك راضية (بالولاية) مرضيّة (بالثواب) فادخلي في عبادي (يعني محمّداً وأهل بيته) وادخلي جنّتي"، فما شيء أحبّ إليه من استلال روحه واللحوق بالمنادي" (1).
اللّهمّ! اجعل نفوسنا مطمئنة ليشملنا خطابك الكريم...
اللّهمّ! ولا ينال ذلك إلاّ بلطفك، فاغمرنا به...
اللّهمّ! مُنَّ علينا بكرمك الذي لا ينفد، واجعلنا من النفوس المطمئنة...
اللّهمّ! لا يكون الإطمئنان إلاّ بذكرك، فوفقنا إليه بفضلك...
آمين يا ربّ العالمين
نهاية سورة الفجر
1- الكافي، ج3، ص127، باب إنّ المؤمن لا يكره على قبض روحه، الحديث 2.