الآيات 1 - 5

﴿يَـأَيُّهَا النَّبِىُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِى مَرْضَاتَ أَزْوَجِكَ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (1) قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَـنِكُمْ وَاللهُ مَوْلَـكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (2) وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِىُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْض فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَـذَا قَالَ نَبَّأَنِىَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (3) إِن تَتُوبَا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَـهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلَـهُ وَجِبْرِيلُ وَصَـلِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَـئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ (4) عَسَى رَبَّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَجاً خَيْراً مِّنكُنَّ مُسْلِمَـت مُّؤْمِنَـت قَـنِتَـت تَـئِبَـت عَـبِدَت سَئِحَـت ثَيِّبَـت وَأَبْكَاراً (5)﴾

أسباب النّزول

وردت روايات عديدة في أسباب نزول هذه السورة في كتب الحديث والتّفسير والتاريخ، عن الشيعة والسنّة، إنتخبنا أشهر تلك الروايات وأنسبها وهي:

كان رسول الله يذهب أحياناً إلى زوجته (زينب بنت جحش) فتبقيه في بيتها حتّى "تأتي إليه بعسل كانت قد هيّأته له (ص) ولكن لمّا سمعت عائشة بذلك شقّ عليها الأمر، ولذا قالت: إنّها قد اتّفقت مع "حفصة" إحدى (أزواج الرّسول) على أن يسألا الرّسول بمجرّد أن يقترب من أي منهما بأنّه هل تناول صمغ "المغافير" (وهو نوع من الصمغ يترشّح من بعض أشجار الحجاز يسمّى "عرفط" ويترك رائحة غير طيّبة، علماً أنّ الرّسول كان يصرّ على أن تكون رائحته طيّبة دائماً) وفعلا سألت حفصة الرّسول (ص) هذا السؤال يوماً وردّ الرّسول بأنّه لم يتناول صمغ "المغافير" ولكنّه تناول عسلا عند زينب بنت جحش، ولهذا أقسم بأنّه سوف لن يتناول ذلك العسل مرّة اُخرى، خوفاً من أن تكون زنابير العسل هذا قد تغذّت على شجر صمغ "المغافير" وحذّرها أن تنقل ذلك إلى أحد لكي لا يشيع بين الناس أنّ الرّسول قد حرّم على نفسه طعاماً حلالا فيقتدون بالرّسول ويحرّمونه أو ما يشبهه على أنفسهم، أو خوفاً من أن تسمع زينب وينكسر قلبها وتتألّم لذلك.

لكنّها أفشت السرّ فتبيّن أخيراً أنّ القصّة كانت مدروسة ومعدّة فتألّم الرّسول(ص) لذلك كثيراً فنزلت عليه الآيات السابقة لتوضّح الأمر وتنهى من أن يتكرّر ذلك مرّة اُخرى في بيت رسول الله (ص)(111).

وجاء في بعض الروايات أنّ الرّسول ابتعد عن زوجاته لمدّة شهر بعد هذا الحادث(112)، انتشرت على أثرها شائعة أنّ الرّسول عازم على طلاق زوجاته، الأمر الذي أدّى إلى كثرة المخاوف بينهنّ(113) وندمن بعدها على فعلتهن.

التّفسير:

التوبيخ الشديد لبعض زوجات الرّسول:

ممّا لا شكّ فيه أنّ رجلا عظيماً كالرّسول (ص) لا يمكن أن يهمّه أمره وحده دون غيره، بل أمره يهمّ المجتمع الإسلامي والبشرية جمعاء، ولهذا يكون التعامل مع أيّة دسيسة حتّى لو كانت بسيطة تعاملا حازماً وقاطعاً لا يسمح بتكرّرها، لكي لا تتعرّض حيثية الرّسول وإعتباره إلى أي نوع من التصدّع والخدش والآيات محلّ البحث تعتبر تحذيراً من ارتكاب مثل هذه الأعمال حفاظاً على اعتبار الرّسول (ص).

البداية كانت خطاباً إلى الرّسول: (ياأيّها النبي لِمَ تحرّم ما أحلّ الله لك تبتغي مرضات أزواجك).

ومن الواضح أنّ هذا التحريم ليس تحريماً شرعيّاً، بل هو - كما يستفاد من الآيات اللاحقة - قسم من قبل الرّسول الكريم، ومن المعروف أنّ القسم على ترك بعض المباحات ليس ذنباً.

وبناءً على هذا فإنّ جملة (لِمَ تحرّم) لم تأت كتوبيخ وعتاب، وإنّما هي نوع من الإشفاق والعطف.

تماماً كما نقول لمن يجهد نفسه كثيراً لتحصيل فائدة معيّنة من أجل العيش ثمّ لا يحصل عليها، نقول له: لماذا تتعب نفسك وتجهدها إلى هذا الحدّ دون أن تحصل على نتيجة توازي ذلك التعب؟

ثمّ يضيف في آخر الآية: (والله غفور رحيم ...).

وهذا العفو والرحمة إنّما هو لمن تاب من زوجات الرّسول اللاتي رتّبن ذلك العمل وأعددنه.

أو أنّها إشارة إلى أنّ الرّسول ما كان ينبغي له أن يقسم مثل هذا القسم الذي سيؤدّي - إحتمالا - إلى جرأة وتجاسر بعض زوجاته عليه (ص).

ويضيف في الآية اللاحقة أنّ الله قد أوضح طريق التخلّص من مثل هذا القسم: (قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم)(114) أي أعط كفّارة القسم وتحرّر منه.

ويذكر أنّ الترك إذا كان راجحاً على العمل فيجب الإلتزام بالقسم والحنث فيه ذنب تترتّب كفّارة عليه، أمّا في الموارد التي يكون فيها الترك شيئاً مرجوحاً مثل "الآية مورد البحث" فإنّه يجوز الحنث في القسم، ولكن من الأفضل دفع كفّارة من أجل الحفاظ على حرمة القسم واحترامه(115).

ثمّ يضيف: (والله مولاكم وهو العليم الحكيم).

فقد أنجاكم من مثل هذه الأقسام ووضع لكم طريق التخلّص منها طبقاً لعلمه وحكمته.

ويستفاد من بعض الروايات أنّ النبي أعتق رقبة بعد هذا القسم وحلّل ما كان قد حرّمه بالقسم.

وفي الآية اللاحقة يتعرّض لهذا الحادث بشكل أوسع: (وإذ أسرّ النبي إلى بعض أزواجه حديثاً فلمّا نبّأت به وأظهره الله عليه عرّف بعضه وأعرض عن بعض).

ما هذا السرّ الذي أسرّه النبي لبعض زوجاته ثمّ لم يحفظنه؟

طبقاً لما أوردناه في أسباب النزول فإنّ هذا السرّ يتكوّن من أمرين:

الأوّل: تناول العسل عند زوجته (زينب بنت جحش).

والثاني: تحريم العسل على نفسه في المستقبل.

أمّا الزوجة التي أذاعت السرّ ولم تحافظ عليه فهي "حفصة" حيث أنّها نقلت ذلك الحديث الذي سمعت به إلى عائشة.

أمّا الرّسول (ص) فقد اطّلع على إفشاء هذا السرّ عن طريق الوحي، وذكر بعضه "لحفصة" ومن أجل عدم إحراجها كثيراً لم يذكر لها القسم الثاني (ولعلّ القسم الأوّل يتعلّق بأصل شرب العسل، والثاني هو تحريم العسل على نفسه).

وعلى كلّ فإنّه: (فلمّا نبّأها به قالت من أنبأك هذا قال نبّأني العليم الخبير).

ويتّضح من مجموع هذه الآيات أنّ بعض زوجات الرّسول لم يكتفين بإيذاء النبي (ص) بكلامهنّ، بل لا يحفظن سرّه، وحفظ السرّ من أهمّ صفات الزوجة الصالحة الوفيّة لزوجها، وكان تعامل الرّسول (ص) معهنّ على العكس من ذلك تماماً إلى الحدّ الذي لم يذكر لها السرّ الذي أفشته كاملا لكي لا يحرجها أكثر، واكتفى بالإشارة إلى جزء منه.

ولهذا جاء في الحديث عن الإمام علي (ع): "ما استقصى كريم قطّ، لأنّ الله يقول: (عرّف بعضه وأعرض عن بعضه)(116).

ثمّ يتحدّث القرآن مع زوجتي الرّسول اللتين كانتا وراء هذا الحادث بقوله: (إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما).

وقد اتّفق المفسّرون الشيعة والسنّة على أنّ تلك الزوجتين هما "حفصة بنت عمر" و "عائشة بنت أبي بكر".

"صغت" من مادّة "صغو" على وزن "عفو" بمعنى الميل إلى شيء ما، لذلك يقال "صغت النجوم" "أي مالت النجوم إلى الغروب" ولهذا جاء إصطلاح "إصغاء" بمعنى الإستماع إلى حديث شخص آخر.

والمقصود من "صغت قلوبكما" أي مالت من الحقّ إلى الباطل وإرتكاب الذنب(117).

ثمّ يضيف تعالى: (وإن تظاهرا عليه فإنّ الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير).

ويتّضح من هذا كم تركت هذه الحادثة من أثر مؤلم في قلب الرّسول (ص)وروحه العظيمة، ورغم قدرة الرّسول المتكاملة نشاهد أنّ الله يدافع عنه إذ يعلن حماية جبرائيل والمؤمنين له.

ومن الجدير بالذكر أنّه ورد في صحيح البخاري (ما مضمونه) عن ابن عبّاس أنّه قال: سألت عمر: من كانت المرأتان اللتان تظاهرتا على النبي من أزواجه، فقال: تلك حفصة وعائشة، قال: فقلت والله إن كنت لاُريد أن أسألك عن هذا قال: فلا تفعل ما ظننت أنّ عندي من علم فاسألني فإن كان لي علم خبّرتك به، قال ثمّ قال عمر: والله إن كنّ في الجاهلية ما تعدّ للنساء أمراً حتّى أنزل الله فيهنّ ما أنزل وقسم لهنّ ما قسم..."(118).

وفي تفسير الدرّ المنثور، ورد أيضاً عن ابن عبّاس ضمن حديث مفصّل أنّه قال: قال عمر: "...علمت بعد هذه الحادثة أنّ النبي اعتزل جميع النساء، وأقام في "مشربة أُمّ إبراهيم"، فأتيته وقلت: يارسول الله هل طلّقت نساءك؟ قال: لا.

قلت: الله أكبر، كنّا معشر قريش نغلب النساء، فلما قدمنا المدينة وجدنا قوماً تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم، فغضبت على امرأتي يوماً فإذا هي تراجعني فأنكرت أن تراجعني فقالت ما تنكر من ذلك فوالله إنّ أزواج النبي ليراجعنه وتهجره إحداهنّ اليوم إلى الليل... فقلت لإبنتي حفصة لا تفعلي ذلك أبداً وإن فعلته جارتك (يعني عائشة) لأنّك لست هي ..."(119).

في آخر آية من هذه الآيات يخاطب الله تعالى جميع نساء النبي بلهجة لا تخلو من التهديد: (عسى ربّه إن طلّقكنّ أن يبدله أزواجاً خيراً منكنّ مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيّبات وأبكاراً).

لذا فهو ينذرهنّ ألاّ يتصورن أنّ الرّسول (ص) سوف لن يطلّقهن، أو يتصوّرن أنّ النبي لا يستبدلهنّ بنساء اُخريات أفضل منهنّ، وذلك ليكففن عن التآمر عليه وإلاّ فسيحرمن من شرف منزلة "زوجة الرّسول" إلى الأبد، وستأخذ نساء اُخريات أفضل منهنّ هذا اللقب الكريم.

بحوث

1 - صفات الزوجة الصالحة:

يضع القرآن الكريم عدّة صفات للمرأة الصالحة التي يمكنها أن تكون نموذجاً يقتدى به في إنتخاب الزوجة اللائقة.

الأوّل "الإسلام" ثمّ "الإيمان" أي الإعتقاد الذي ينفذ ويترسّخ في أعماق قلب الإنسان. ثمّ حالة "القنوت" أي التواضع وطاعة الزوج.

بعد ذلك "التوبة" ويقصد أنّ الزوجة إذا ما ارتكبت ذنباً بحقّ زوجها فإنّها سرعان ما تتوب وتعتذر عن ذلك.

وتأتي بعد ذلك "العبادة" التي جعلها الله سبحانه ليطهّر بها قلب الإنسان وروحه ويصنعها من جديد، ثمّ "إطاعة أوامر الله" والورع عن محارمه.

وممّا يذكر أنّ جماعة من المفسّرين - بل أكثرهم - اعتبروا كلمة "سائح" بمعنى "صائم" ولكن طبقاً لما أورده "الراغب" في "المفردات" فإنّ الصوم على قسمين: "صوم حكمي": وهو الإمتناع عن تناول الطعام والماء، و "صوم حقيقي": وهو إمتناع أعضاء الإنسان عن إرتكاب المعاصي.

والمقصود بالصوم هنا هو المعنى الثاني، "إذ أنّ مناسبات الحال والمقام تقوّي قول الراغب وتجعله مناسباً، غير أنّه يجب أن يعلم أنّ السائح فسّر أيضاً بمعنى السائر في طريق طاعة الله"(120).

ومن الجدير بالذكر أنّ القرآن لم يعط أهميّة تذكر للباكر وغير الباكر، فإنّه عندما ذكر الصفات المعنوية للزوجة الصالحة ذكر هذه المسألة بصورة عابرة ودون أي تركيز.

2 - من هم (صالح المؤمنين)؟

ممّا لا شكّ فيه أنّ صالح المؤمنين، لها معان واسعة تشمل جميع المؤمنين الصالحين الأتقياء الذين كمل إيمانهم، ورغم أنّ كلمة (صالح) وردت هنا بصيغة المفرد، ولكن يمكن أن يستفاد منها العموم لأنّها تتضمّن معنى الجنس(121).

ولكن ما هو المصداق الأكمل والأتمّ لهذا المصطلح؟

يستفاد من روايات عديدة أنّ المقصود هو الإمام علي أمير المؤمنين (ع).

في حديث عن الإمام الباقر (ع) يقول: "لقد عرّف رسول الله علياً أصحابه مرّتين: أمّا مرّة فحيث قال: "من كنت مولاه فعلي مولاه" وأمّا الثانية فحيث نزلت هذه الآية: (فإنّ الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين... ) أخذ رسول الله بيد علي فقال: أيّها الناس، هذا صالح المؤمنين!!؟"

وقد نقل هذا المعنى في كتب عديدة لعلماء أهل السنّة منهم العلاّمة "الثعلبي" و "الكنجي" في "كفاية الطالب" و "أبو حيّان الأندلسي" و "السبط ابن الجوزي" وغيرهم(122).

وقد أورد جمع من المفسّرين منهم "السيوطي" في "الدرّ المنثور" في ذيل الآية مورد البحث و "القرطبي" في تفسيره المعروف، وكذلك "الآلوسي" في "روح المعاني" في تفسير هذه الآية أوردوا هذه الرواية.

وبعد أن نقل مؤلّف (روح البيان) هذه الرواية عن (مجاهد) قال: ويؤيّد هذه الرواية الحديث المعروف: "حديث المنزلة" الذي وصف فيه الرّسول مكانة علي(ع) منه بقوله لعلي "أنت منّي بمنزلة هارون من موسى" نظراً لأنّ عنوان الصالحين استعمل في القرآن الكريم للإشارة إلى الأنبياء. منها (وكلا جعلنا صالحين) (سورة الأنبياء الآية 72) و (ألحقني بالصالحين)(123). (حيث أطلق في الاُولى على مجموع الأنبياء وفي الثانية على يوسف).

ولكون علي بمنزلة هارون فإنّه سيكون كذلك مصداقاً لـ (الصالح) (فتأمّل)!

خلاصة القول: أنّ هناك عدداً كثيراً من الأحاديث وردت في هذا المجال، فبعد أن نقل المفسّر المعروف (المحدّث البحراني) في تفسير البرهان رواية في هذا المجال عن محمّد بن عبّاس(124) أنّه جمع 52 حديثاً تتناول هذا الموضوع من طريق الشيعة والسنّة ثمّ قام هو بنقل بعضها(125).

3 - عدم رضا الرّسول عن بعض زوجاته

هناك على طول التاريخ عظماء كثيرون لم يحظوا بزوجات تناسب شأنهم وإهتماماتهم، ونتيجة لعدم توفّر الشروط اللازمة بزوجاتهم، فقد ظلّوا يعانون من ذلك كثيراً، وقد ذكر لنا القرآن الكريم نماذج من هذه المعاناة وقعت للأنبياء العظام.

وربّما توضّح الآيات السابقة أنّ معاناة الرّسول (ص) من بعض أزواجه كانت من هذا القبيل، فنظراً لوجود الغيرة والتسابق فيما بينهنّ كنّ يسبّبن متاعب للنبي الكريم.

فقد كنّ أحياناً يعترضن عليه أو يفشين سرّه، الأمر الذي جعل القرآن الكريم يوجّه لهنّ خطاباً مباشراً بالتوبيخ وأصدر أقوى البيانات في هذا المجال، حتّى أنّه هدّدهنّ بالطلاق.

وقد لاحظنا الرّسول قد غضب على زوجاته وأظهر عدم رضاه لمدّة شهر تقريباً بعد نزول هذه الآيات أملا في إصلاحهنّ.

ويمكن أن نلاحظ بشكل واضح - من خلال حياة الرّسول (ص) - أنّ بعض زوجاته لم يدركن مقام النبوّة فحسب، بل قد يتعاملن معه كإنسان عادي، وأحياناً يتعرضنّ له بالإهانة.

وبناءً على هذا فإنّه لا معنى للإصرار على أنّ جميع زوجات الرّسول كنّ على قدر عال من الكمال واللياقة، خصوصاً مع الأخذ بالإعتبار صراحة الآيات السابقة.

ولم يكن هذا المعنى مقتصراً على حياة الرّسول فقط، فبعد وفاته نقل لنا التاريخ أمثلة مشابهة، خاصّة في قصّة حرب الجمل والموقف من خليفة رسول الله (ص) وما جرى من اُمور ليس هنا مجال الخوض فيها.

ومن الواضح أنّ الآيات السابقة تقول بشكل صريح: إنّ الله سيعطي النبي زوجات صالحات تتوفّر فيهنّ الصفات المذكورة في الآيات إذا طلّقكن وسرحكن، وهذا يكشف عن أنّ هناك من زوجات الرّسول ممّن لا تتوفّر فيهنّ تلك الصفات والشروط.

ويؤيّد ذلك ما جاء في سورة الأحزاب حول زوجات الرّسول.

4 - إفشاء السرّ

إنّ حفظ السرّ والمحافظة عليه وعدم إفشائه، ليس فقط من صفات المؤمنين، بل هي صفة ينبغي توفّرها بكلّ إنسان ذي شخصية قويّة محترمة، وتتجلّى أهميّة هذه الصفة أكثر مع الأصدقاء والأقرباء وبالأخصّ بين الزوج والزوجة.

وقد لاحظنا في الآيات السابقة كيف أنّ القرآن لام أزواج النبي بشدّة ووبّخهنّ على إفشائهنّ للسرّ وعدم محافظتهنّ عليه.

ورد عن أمير المؤمنين قوله: "جمع خير الدنيا والآخرة في كتمان السرّ ومصادقة الأخيار، وجمع الشرّ في الإذاعة ومؤاخاة الأشرار"(126).

5 - لا تحرّموا على أنفسكم ما أحلّه الله لكم

من المؤكّد أنّ الله لم يحلّل أو يحرّم شيئاً إلاّ طبقاً لحسابات ومصالح دقيقة، وبناءً على هذا فلا مجال لأن يقوم الإنسان بتحليل الحرام أو تحريم الحلال حتّى مع القسم، فإنّ الحنث جائز في مثل هذه الموارد.

نعم، إذا كان مورد القسم من المباحات التي يكره عملها أو الأولى تركها، يجب الإلتزام بالقسم حينئذ.