الآيات 16 - 19

﴿وَمِنْهُم مَن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفاً أُولَـئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُواْ أَهْوَاءَهُمْ (16) وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَـهُمْ تَقْوَاهُمْ (17) فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ (18) فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَـتِ وَاللهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)﴾

التّفسير

ظهرت علامات القيامة!

تعكس هذه الآيات صورة عن وضع المنافقين، وطريق تعاملهم مع الوحي الإلهي، وكلمات النّبي الأكرم (ص)، ومسألة قتال أعداء الإسلام ومحاربتهم.

وقد ورد الحديث حول المنافقين في السور المدنية كثيراً، في حين لا نرى أثراً للحديث حولهم في السور المكية، وذلك لأنّ مسألة النفاق ظهرت بعد انتصار الإسلام وتسلّمه السلطة والقوّة، حيث أصبح المشركون في موقع ضعف وانهيار، بحيث لم يكن باستطاعتهم إظهار مخالفتهم، ولذلك اضطروا إلى التلبّس بالإسلام ليأمنوا غضب المسلمين الحقيقيين، أمّا في الباطن فإنّهم لم يألوا جهداً في التآمر ضد الإسلام، وكان يهود المدينة الذين كانوا يتمتّعون بقوة عسكرية واقتصادية لا يستهان بها، يعتبرون سنداً للمنافقين.

وعلى أي حال، فقد توغّل هؤلاء بين المسلمين المخلصين، وكانوا يحضرون عند النّبي (ص) ويشاركون في صلاة الجمعة، إلاّ أنّ تعاملهم تجاه آيات القرآن كان يفضح ما تنطوي عليه سرائرهم وقلوبهم المريضة.

تقول الآية الأولى من الآيات مورد البحث: (ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفاً) وكان مرادهم من ذلك الرجل هو النّبي (ص).

إنّ تعبير هؤلاء في شأن النّبي (ص) وكلماته البليغة، كان من القبح والبذاءة إلى درجة تدل على أنّهم لم يؤمنوا بالوحي السماوي قط.

"آنفاً" من مادة (أنف)، ولما كان للأنف بروزاً متميّزاً في وجه الإنسان، فإنّ هذه الكلمة تستعمل في شأن أشراف القوم، وكذلك تستعمل في مورد الزمان المتقدم على زمان الحال، كما جاء في الآية مورد البحث.

ثمّ إنّ التعبير بـ (الذين أوتوا العلم) يوحي بأنّ إحدى علامات المؤمن امتلاكه الوعي الكافي، فكما أنّ العلم مصدر الإيمان، فكذلك هو وليد الإيمان وحاصله.

إلاّ أنّ القرآن الكريم قد أجابهم جواباً قاطعاً، فقال: إنّ كلام النّبي (ص) لم يكن غامضاً ولا معقّداً، بل (أُولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم).

وفي الحقيقة فإنّ الجملة الثّانية علّة للجملة الاُولى، أي إنّ اتباع الهوى يسلب الإنسان القدرة على إدراك الحقائق وتمييزها، ويلقي الحجاب على قلبه، بحيث أنّ قلوب متبعي الهوى تصبح كالظرف المختوم، فلا يدخله شيء، ولا يخرج منه شيء.

ويقف المؤمنون الحقيقيون في الطرف المقابل لهؤلاء، وعنهم تتحدّث الآية التالية فتقول: (والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم).

نعم، لقد خطا هؤلاء الخطوة الأولى بأنفسهم، واستخدموا عقلهم وفطرتهم في هذا المسير، ثمّ أخذ الله سبحانه بيدهم كما وعدهم من قبل، فزادهم هدى إلى هداهم، وألقى نور الإيمان في قلوبهم، وشرح صدورهم ورزقهم حسن الفكرة والنظر.

هذا من الناحية العقائدية.

وأمّا من الناحية العملية فإنّه سبحانه يحيي فيهم روح التقوى، حتى أنّهم يشمئزون من الذنب والمعصية، ويعشقون الطاعة والعمل الصالح.

إنّ هؤلاء يقفون من الناحيتين في الطرف المقابل للمنافقين الذين أشارت إليهم الآية السابقة، فقد طبع على قلوبهم فلا يفقهون شيئاً من جهة، ومن جهة اُخرى فإنّهم يتّبعون أهواءهم في العمل، أمّا المؤمنون فإنّ هدايتهم تعظم يوماً بعد يوم، وتتضاعف تقواهم في مجال العمل.

وتحذّر الآية التالية أُولئك المستهزئين الذين لا إيمان لهم، فتقول: (فهل ينظرون إلاّ ساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها فأنّى لهم إذا جاءتهم ذكراهم).

أجل، إنّ هؤلاء لم يذعنوا للحق حيث كان الإيمان واجباً عليهم، ومفيداً لهم، بل كانوا في طغيانهم يعمهون، وبآيات الله يستهزئون، غير أنّهم يوم يرون الحوادث المرعبة وبداية القيامة تهزّ العالم وتزلزله، يصيبهم الفزع ويظهرون خضوعهم ويؤمنون، ولا ينفعهم يومئذ إيمانهم وخضوعهم.

إنّ هذه العبارة تشبه تماماً أن نقول لإنسان: أتنتظر حتى يشرف بك مرضك على الموت، ولا ينفع حينئذ علاج، ثمّ تدعو الطبيب وتأتي بالدواء؟ انهض واسرع إلى المعالجة وتناول الدواء قبل أن تفقد هذه الفرصة، فإنّ السعي الآن ذو فائدة، وبعد اليوم لا ينفع.

"الأشراط" جمع (شَرَط)، وهي العلامة، وعلى هذا فإنّ أشراط الساعة إشارة إلى علامات اقتراب القيامة.

وللمفسرين أقوال كثيرة حول المراد من علامات اقتراب القيامة هنا، حتى كتبت رسائل مختصرة ومفصّلة، في هذا الباب.

إلاّ أنّ الكثير يعتقدون أنّ المراد من "أشراط الساعة" في الآية - مورد البحث - هو ظهور شخص النّبي الأكرم (ص)، ويشهد لذلك الحديث المروي عنه (ص) أنّه قال: "بعثت أنا والساعة كهاتين" وضمّ إصبعيه السبابة والوسطى (1).

وعدّ البعض مسألة "شقّ القمر"، وقسماً آخر من حوادث عصر النّبي (ص) من أشراط الساعة أيضاً.

لقد وردت أحاديث عديدة في هذا الباب، وقد اعتبرت شيوع كثير من المعاصي بين الناس بالذات من علامات اقتراب القيامة، كالحديث الذي يرويه "الفتال النيسابوري" (ره) في روضة الواعظين، عن النّبي (ص) أنّه قال: "من أشراط الساعة أن يرفع العلم، ويظهر الجهل، ويشرب الخمر، ويفشو الزنا" (2).

بل، حتى الحوادث المهمّة والمؤثرة، كقيام المهدي - أرواحنا له الفداء - عدّت من أشراط الساعة.

لكن ينبغي أن نذكر أنّنا نبحث تارةً في أشراط الساعة بصورة مطلقة، فنسأل: ما هي علامات اقتراب القيامة؟ وأُخرى نبحث في مورد خصوص الآية.

والمطلب في مورد الآية هو ما قلناه.

وأمّا حول علامات اقتراب القيامة بصورة مطلقة فقد وردت بحوث وروايات كثيرة في الكتب الإسلامية المعروفة، وسنشير إليها فيما يأتي (3).

هل أنّ ظهور النّبي من علامات قرب القيامة؟

يطرح هنا سؤال، وهو: كيف عدوا ظهور النّبي (ص) من علامات اقتراب القيامة، وقد مرّ إلى الآن خمسة عشر قرناً ولا أثر للقيامة؟

والإجابة عن هذا السؤال تتّضح بملاحظة واحدة، وهي أنّنا يجب أن نقارن بين ما مرّ من الدنيا وما بقي منها، وسيظهر من خلال هذه المقارنة أن ما بقي من عمر الدنيا قليل جداً، وهو سريع الإنقضاء، كما ورد في حديث عن النّبي الأكرم (ص)، أنّه كان يخطب في أصحابه قبيل الغروب، فقال: "والذي نفس محمّد بيده ما مثل ما مضى من الدنيا فيما بقي منها إلاّ مثل ما مضى من يومكم هذا فيما بقي منه، وما بقي منه إلاّ اليسير" (4).

وتقول آخر آية من هذه الآيات وكاستخلاص لنتيجة البحوث التي وردت في الآيات السابقة حول الإيمان والكفر، ومصير المؤمنين والكفّار: (فاعلم أنّه لا إله إلاّ الله) أي: اثبت على خط التوحيد، فإنّه الدواء الشافي، واعلم أنّ أفضل وسيلة للنجاة هو التوحيد الذي بيّنت الآيات السالفة آثاره.

وبناءً على هذا، فلا يعني هذا الكلام أنّ النّبي (ص) لم يكن عالماً بالتوحيد بل المراد الإستمرار في هذا الخط، وهذا يشبه تماماً ما ذكروه في تفسير الآية: (إهدنا الصراط المستقيم) في سورة الحمد، بأنّها لا تعني عدم الهداية من قبل، بل تعني: ثبّتنا على خط الهداية.

ويحتمل أيضاً أن يكون المراد التدبّر في أمر التوحيد أكثر، والإرتقاء إلى المقامات الأسمى، حيث أنّه كلمّا تدبّر البشر فيه أكثر، وطالعوا آيات الله بدقّة أكبر، فإنّهم سيصلون إلى مراتب أرقى، والتدبّر بما قيل في الآيات السالفة في مورد الإيمان والكفر، عامل يؤثر بحدِّ ذاته في زيادة الإيمان والكفر.

والتّفسير الثّالث أنّ المراد: الجوانب العملية للتوحيد، أي: اعلم أنّ الملجأ والمأوى الوحيد في العالم هو الله تعالى، فالتجئ إليه، ولا تطلب حل معضلاتك إلاّ منه، ولا تخف سيل المشاكل، ولا تخشَ كثرة الأعداء.

ولا تنافي بين هذه التفاسير الثلاثة، فمن الممكن أن تجمع في معنى الآية.

وبعد هذه المسألة العقائدية، تعود الآية إلى مسألة التقوى والعفّة عن المعصية، فتقول: (واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات).

لا يخفى أنّ النّبي (ص) لم يرتكب ذنباً قط بحكم مقام العصمة، وأمثال هذه التعابير إشارة إلى ترك الأولى، فإنّ حسنات الأبرار سيئات المقرّبين، أو إلى أنّه قدوة للمسلمين.

وجاء في حديث: أنّ حذيفة بن اليمان يقول: كنت رجلاً ذرب اللسان على أهلي، فقلت: يا رسول الله إنّي لأخشى أن يدخلني لساني في النّار، فقال (ص): "فأين أنت من الإستغفار؟ إنّي لأستغفر الله في اليوم مائة مرّة" (5).

وجاء في بعض الروايات أنّه كان يستغفر في اليوم سبعين مرّة.

إذا كان الآخرون يستغفرون ممّا ارتكبوا من المعاصي والذنوب، فإنّ النّبي الأكرم (ص) يستغفر الله من تلك اللحظة التي شغل فيها عن ذكره، أو أنّه ترك فعل الأحسن وفعل الحسن.

وهنا نكتة جديرة بالإنتباه، وهي أنّ الله سبحانه قد شفع للمؤمنين والمؤمنات، وأمر نبيّه (ص) أن يستغفر لهم لتسعهم رحمته، ومن هنا يتبيّن عمق مسألة "الشفاعة" في الدنيا والآخرة، وكذلك تتبيّن أهمية التوسّل وكونه مشروعاً.

ويقول سبحانه في ذيل الآية، وكتبيان للعلّة (والله يعلم متقلّبكم ومثواكم) فهو يعلم ظاهركم وباطنكم، كتمانكم وعلانيتكم، سرّكم ونجواكم، بل ويعلم حتى نيّاتكم، وما توسوس به أنفسكم، ويخطر على أذهانكم، وما يجري في ضمائركم، ويعلم حركاتكم وسكناتكم، ولهذا وجب عليكم التوجّه إليه ورفع الأكف بين يديهو وطلب العفو والمغفرة والرحمة منه.

"المتقلّب": هو المكان الذي يكثر التردّد عليه، و"المثوى" هو محل الإستقرار (6).

والظاهر أنّ لهاتين الكلمتين معنى واسعاً يشمل كلّ حركات ابن آدم وسكناته، سواء التي في الدنيا أم في الآخرة، في فترة كونه جنيناً أم كونه من سكان القبور، وإن كان كثير من المفسّرين قد ذكر لهما معاني محددة:

فقال بعضهم: إنّ المراد حركة الإنسان في النهار، وسكونه في الليل.

وقال آخرون: إنّ المراد مسير الإنسان في الحياة الدنيا، واستقراره في الآخرة.

وقال بعض آخر: إنّ المراد تقلّب الإنسان في أصلاب الآباء وأرحام الأمهات، وثباته في القبر.

وأخيراً ذكر البعض أنّ المراد: حركاته في السفر، وسكناته في الحضر.

ولكن كما قلنا، فإنّ للآية معنى واسعاً يشمل كلّ هذه المعاني.

بحث

ما هي أشراط الساعة؟

قلنا سابقاً: إنّ الأشراط جمع شرط، وهي العلامة، ويقال لعلامات اقتراب القيامة: أشراط الساعة، وقد بحثت كثيراً في مصادر الشيعة والسنّة، ولم يشر القرآن إليها إلاّ في هذه الآية.

ومن أجمع الأحاديث وأكثرها تفصيلاً في هذا الباب، الحديث الذي رواه ابن عباس عن النّبي الأكرم (ص) في قضية حجّة الوداع، وهو يعلّمنا كثيراً من المسائل، ويحتوي على نكات ودقائق كثيرة، ولهذا نورده كاملاً:

قال ابن عباس: حججنا مع رسول الله (ص) حجّة الوداع وهي آخر حجّة حجّها رسول الله (ص) في حياته - فأخذ بحلقة باب الكعبة ثمّ أقبل علينا بوجهه فقال: "ألا أخبركم بأشراط الساعة"؟ فكان أدنى الناس منه يومئذ سلمان رحمة الله عليه فقال: بلى يا رسول الله.

قال (ص): "إنّ من أشراط الساعة إضاعة الصلوات، واتباع الشهوات، والميل مع الأهواء، وتعظيم أصحاب المال، وبيع الدين بالدنيا، فعندها يذاب قلب المؤمن في جوفه كما يذاب الملح في الماء مما يرى من المنكر فلا يستطيع أن يغيّره".

قال سلمان: وإنّ هذا لكائن يا رسول الله؟

قال: "إي والذي نفسي بيده.

يا سلمان: إنّ عندها يليهم أمراء جورة، ووزراء فسقة، وعرفاء ظلمة، وأمناء خونة".

فقال سلمان: وإنّ هذا لكائن يا رسول الله؟

قال: "إي والذي نفسي بيده - يا سلمان: إنّ عندها يكون المنكر معروفاً، والمعروف منكراً، ويؤتمن الخائن، ويخوَّن الأمين، ويصدّق الكاذب، ويكذّب الصادق".

قال سلمان: وإنّ هذا لكائن يا رسول الله؟

قال: "إي والذي نفسي بيده.

يا سلمان: فعندها تكون إمارة النساء، ومشاورة الإماء، وقعود الصبيان على المنابر، ويكون الكذب ظرفاً، والزكاة مغرماً، والفيء مغنماً، ويجفو الرجل والديه ويبرّ صديقه، ويطلع الكوكب المذنب".

قال سلمان: وإنّ هذا لكائن يا رسول الله؟

قال: "إي والذي نفسي بيده.

يا سلمان: وعندها تشارك المرأة زوجها في التجارة (ويبذل كل منهما قصارى جهد خارج المنزل لتحصيل المال) ويكون المطر غيضاً، ويغيض الكرام غيضاً، ويحتقر الرجل المعسر، فعندها تقارب الأسواق، قال هذا: لم أبع شيئاً، وقال هذا: لم أربح شيئاً، فلا ترى إلاّ ذاماً لله".

قال سلمان: وإنّ هذا لكائن يا رسول الله؟

قال: "إي والذي نفسي بيده.

يا سلمان: فعندها يليهم أقوام إن تكلّموا قتلوهم، وإن سكتوا استباحوهم، ليستأثرون بفيئهم، وليطؤن حرمتهم، وليسفكن دماءهم، وليملؤن قلوبهم دغلاً ورعباً، فلا تراهم إلاّ وجلين خائفين مرعوبين مرهوبين".

فقال سلمان: وإنّ هذا لكائن يا رسول الله؟

قال: "إي والذي نفسي بيده.

يا سلمان: إنّ عندها يؤتى بشيء من المشرق، وشيء من المغرب (فقوانين من الشرق، وقوانين من الغرب) يلون أمّتي، فالويل لضعفاء أمّتي منهم، والويل لهم من الله، لا يرحمون صغيراً، ولا يوقّرون كبيراً، ولا يتجافون عن مسيء، جثّتهم جثة الآدميين، وقلوبهم قلوب الشياطين".

قال سلمان: وإنّ هذا لكائن يا رسول الله؟

قال: "إي والذي نفسي بيده.

يا سلمان: وعندها يكتفي الرجال بالرجال والنساء بالنساء، ويغار على الغلمان كما يغار على الجارية في بيت أهلها، وتشبه الرجال بالنساء، والنساء بالرجال، وتركب ذوات الفروج السروج (ويظهرن أنفسهن)فعليهن من أمّتي لعنة الله".

قال سلمان: وإنّ هذا لكائن يا رسول الله؟

قال: "إي والذي نفسي بيده.

يا سلمان: إنّ عندها تزخرف المساجد كما تزخرف الكنائس وتحلى المصاحف (دون أن يعمل بها) وتطول المنارات، وتكثر الصفوف، قلوب متباغضة، وألسن مختلفة".

قال سلمان: وإنّ هذا لكائن يا رسول الله؟

قال: "إي والذي نفسي بيده.

يا سلمان: وعندها تحلّى ذكور أمّتي بالذهب، ويلبسون الحرير والديباج، ويتّخذون جلود النمور صفافاً".

قال سلمان: وإنّ هذا لكائن يا رسول الله؟

قال: "إي والذي نفسي بيده.

يا سلمان: وعندها يظهر الزنا، ويتعاملون بالعينة والرشا، ويوضع الدين وترفع الدنيا".

قال سلمان: وإنّ هذا لكائن يا رسول الله؟

قال: "إي والذي نفسي بيده.

يا سلمان: وعندها يكثر الطلاق، فلا يقام لله حد، ولن يضرّوا الله شيئاً (وإنّما يضرّون أنفسهم)".

قال سلمان: وإنّ هذا لكائن يا رسول الله؟

قال: "إي والذي نفسي بيده.

يا سلمان: وعندها تظهر القينات والمعازف، وتليهم أشرار أُمّتي".

قال سلمان: وإنّ هذا لكائن يا رسول الله؟

قال: "إي والذي نفسي بيده.

يا سلمان: وعندها يحج أغنياء أمّتي للنزهة، ويحج أوساطها للتجارة، ويحج فقراؤهم للرياء والسمعة، فعندها يكون أقوام يتعلّمون القرآن لغير الله، ويتّخذونه مزامير، ويكون أقوام يتفقّهون لغير الله، ويكثر أولاد الزنا، ويتغنّون بالقرآن، ويتهافتون بالدنيا".

قال سلمان: وإنّ هذا لكائن يا رسول الله؟

قال: "إي والذي نفسي بيده.

يا سلمان: ذاك إذا انتهكت المحارم، واكتسبت المآثم، وسلّط الأشرار على الأخيار، ويفشو الكذب، وتظهر اللجاجة، وتفشو الفاقة، ويتباهون في اللباس، ويمطرون في غير أوان المطر، ويستحسنون الكوبة والمعازف، وينكرون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى يكون المؤمن في ذلك الزمان أذلّ من الأمة، ويظهر قرّاؤهم وعبادهم فيما بينهم التلاوم، فأولئك يدعون في ملكوت السماوات الأرجاس الأنجاس".

قال سلمان: وإنّ هذا لكائن يا رسول الله؟

قال: "إي والذي نفسي بيده.

يا سلمان: فعندها لا يخشى الغني على الفقير، حتى أنّ السائل يسأل في الناس فيما بين الجمعتين لا يصيب أحداً يضع في كفه شيئاً".

قال سلمان: وإنّ هذا لكائن يا رسول الله؟

قال: "إي والذي نفسي بيده.

يا سلمان: فعندها يتكلم الرويبضة".

قال سلمان: ما الرويبضة يا رسول الله فداك أبي وأمّي؟

قال: "يتكلّم في أمر العامة من لم يكن يتكلّم، فلم يلبثوا إلاّ قليلاً حتى تخور الأرض خورة، فلا يظن كلّ قوم إلاّ أنّها خارت في ناحيتهم، فيمكثون ما شاء الله، ثمّ يمكثون في مكثهم، فتلقي لهم الأرض أفلاذ أكبادها" قال: "ذهباً وفضة"، ثمّ أومأ بيده إلى الأساطين، فقال: مثل هذا، فيومئذ لا ينفع ذهب ولا فضة - ويحل أمر الله - فهذا يعني معنى قوله: (فقد جاء أشراطها) (7).


1- مجمع البيان، تفسير القرطبي، تفسير في ظلال القرآن، وتفاسير أخرى، في ذيل الآيات مورد البحث، بتفاوت يسير في التعبير.

2- نور الثقلين، المجلد 5، صفحة 37.

3- يتّضح ممّا قلناه أنّ ليس المراد من جملة: (فقد جاء أشراطها) تحقق كلّ علامات القيامة وظهورها في عصر النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)بل المراد أنّ بعضها قد ظهر، وهو يخبر عن اقتراب القيامة، وإنّ كانت بعض الأشراط ستتحقق وتتّضح فيما بعد.

4- روح المعاني، المجلد 26، صفحة 48.

5- مجمع البيان، المجلد 9، صفحة 102، ذيل الآيات مورد البحث.

6- بناءً على هذا، فإنّ (متقلّب) اسم مفعول جاء هنا بمعنى المكان، إلاّ أنّ جماعة يعتبرونه مصدراً ميمياً يعني الإنتقال من حال إلى حال. غير أنّ المعنى الأوّل هو الأنسب بملاحظة قرينة مقابلته بالمثوى الذي لا ريب في كونه اسم مكان.

7- تفسير علي بن إبراهيم طبقاً لنقل نور الثقلين، وتفسير الصافي، ذيل الآية مورد البحث.