سُورَة محمّد

مدنيّة وَعَدَدُ آياتِها ثَمان وَثَلاثُونَ آية

"سورة محمّد"

محتوى السورة:

سمّيت هذه السورة بسورة محمّد (ص) لأنّ اسمه الشريف قد ذكر في الآية الثانية، واسمها الآخر هو سورة القتال، والواقع أنّ مسألة الجهاد وقتال أعداء الإسلام هو أهم موضوع ألقى ظلاله على هذه السورة، في حين أنّ جزءاً مهماً آخر من آيات هذه السورة يتناول المقارنة بين حال المؤمنين والكافرين وخصائصهم وصفاتهم، وكذلك المصير الذي ينتهي إليه كلّ منهما في الحياة الآخرة.

ويمكن تلخيص محتوى السورة بصورة عامة في عدة فصول:

1 - مسألة الإيمان والكفر، والمقارنة بين أحوال المؤمنين والكفار في هذه الدنيا وفي الحياة الآخرة.

2 - بحوث معبرة بليغة وصريحة حول مسألة الجهاد وقتال المشركين، والتعليمات الخاصة فيما يتعلق بأسرى الحرب.

3 - شرح أحوال المنافقين الذين كان لهم نشاطات هدّامة كثيرة حين نزول هذه الآيات في المدينة.

4 - فصل آخر يتناول مسألة السير في الأرض، وتدبر مصير الأقوام الماضين وعاقبتهم، كدرس للإعتبار والإتعاظ.

5 - وفي جانب من آيات هذه السورة ذكرت مسألة الإختبار الإلهي لمناسبتها موضوع القتال والجهاد.

6 - ورد الحديث في فصل آخر عن مسألة الإنفاق الذي يعتبر بحدِّ ذاته نوعاً

من الجهاد، وجاء الحديث عن مسألة البخل الذي يقع في الطرف المقابل.

7 - وتناولت بعض آيات هذه السورة - لمناسبة موضوعها - مسألة الصلح مع الكفار - الصلح الذي يكون أساساً لهزيمة المسلمين وذلّتهم - ونهت عنه.

وبالجملة، فبملاحظة أنّ هذه السورة قد نزلت في المدينة حينما كان الإشتباك شديداً بين المسلمين وأعداء الإسلام، وعلى قول بعض المفسّرين أنّها نزلت أثناء معركة أُحد أو بعدها بقليل، فإنّ أهم مسألة فيها هي قضية الجهاد والحرب، وتدور بقية المسائل حول ذلك المحور... الحرب المصيرية التي تميّز المؤمنين عن الكافرين والمنافقين... الحرب التي كانت تثبت دعائم الإسلام، وردّت كيد الأعداء الذين هبّوا للقضاء على الإسلام والمسلمين في نحورهم - وأوقفتهم عند حدّهم.

فضل تلاوة السورة:

جاء في حديث عن نبي الإسلام الأكرم (ص): "من قرأ سورة محمّد كان حقّاً على الله أن يسقيه من أنهار الجنّة" (1).

وروي في كتاب ثواب الأعمال عن الصادق (ع)، أنّه قال: "من قرأ سورة الذين كفروا - سورة محمّد لم يرتب أبداً، ولم يدخله شكّ في دينه، ولم يبتله الله بفقر أبداً، ولا خوف سلطان أبداً، ولم يزل محفوظاً من الشرك والكفر أبداً حتى يموت، فإذا مات وكّل الله به في قبره ألف ملك يصلون في قبره، ويكون ثواب صلاتهم له ويشيعونه حتى يوقفوه موقف الأمن عند الله عزَّ وجلّ، ويكون في أمان الله، وأمان محمّد" (2).

من الواضح أنّ الذين جرى محتوى هذه السورة في دمائهم، وتشبّعت به أرواحهم، وهم أشداء في جهاد الأعداء اللدودين القساة، والذين لم يدعوا للشك والتزلزل إلى أنفسهم سبيلاً، تكون أسس دينهم قوية، وإيمانهم صلباً، ولا يملكهم خوف ولا تنالهم ذلة ولا يعتريهم فقر، وهم في الآخرة منعمون في جوار رحمة الله.

وجاء في حديث آخر أنّ الإمام (ع) قال: "من أراد أن يعرف حالنا وحال أعدائنا فليقرأ سورة محمّد فإنّه يراها آية فينا وآية فيهم" (3).

وقد نقل هذا الحديث مفسرو السنّة أيضاً، كالآلوسي في روح المعاني (4) والسيوطي في الدر المنثور (5).

وهذه السورة تبيان لحقيقة أنّ أهل بيت النّبي (ع) كانوا نموذجاً لأكمل الإيمان وأتمه، وأنّ بنيّ أمية كانوا المثال البارز للكفر والنفاق.

صحيح أنّه لم يرد تصريح باسم أهل البيت ولا باسم بني أمية في هذه السورة، لكن لمّا كان البحث فيها عن فئة المؤمنين والمنافقين وخصائص كلّ منهما، فإنّها تشير قبل كلّ شيء إلى مصداقين واضحين، ولا مانع في نفس الوقت من أن تشمل السورة سائر المؤمنين والمنافقين.


1- مجمع البيان، المجلد 9، بداية سورة محمّد.

2- ثواب الأعمال، طبقاً لنقل نور الثقلين، المجلد 5، صفحة 25.

3- مجمع البيان، المجلد 9، أوّل السورة.

4- روح المعاني، المجلد 26، صفحة 33.

5- الدر المنثور، المجلد 6، ص 46.