سُورَة الزُّمَر

مكيّة وَ عَدَدُ آيَاتِهَا خَمسٌ وَ سبعُون آية

"سورة الزّمر"

محتوى سورة الزّمر

هذه السورة نزلت في مكّة المكرمة، ولهذا السبب فإنّها تتطرق للقضايا المتعلقة بالتوحيد والمعاد، وأهميّة القرآن، ومقام نبوّة نبيّ الإسلام(ص) كما هو الحال في بقية السور المكّية.

فالمرحلة التي قضاها المسلمون في مكّة كانت مرحلة للبناء الإيماني والعقائدي، ولذلك فإن السور المكية حوت أقوى البحوث وأكثرها تأثيراً في هذا المجال. وكانت الأساس القوي المحكم الذي ظهرت آثاره العجيبة في المدينة، و في الغزوات وعند مواجهة العدو، وأمام عراقيل المنافقين، وفي قبول النظام الإسلامي، وإذا أردنا معرفة سر الأنتصار السريع للمسلمين في المدينة فإنّ علينا أن نطالع دروس مكّة المؤثرة.

وعلى أية حال فإنّ هذه السورة تضم عدّة أقسام مهمّة:

1 - تتطرق السورة إلى مسألة الدعوة إلى توحيد الله، توحيده في الخلق، توحيده في الربوبية، توحيده في العبودية، كما تسلط الضوء على مسألة الإخلاص في العبادة لله، وآيات هذه السورة في هذال المجال مؤثرة جدّاً بحيث تجذب قلب الإنسان وتدفعه نحو الإخلاص.

2 - الأمر المهم الآخر الذي تكرر في عدّة آيات في هذه السورة من بدايتها و حتى نهايتها، هو مسألة (المعاد) والمحكمة الإلهية الكبرى، ومسألة الثواب والعقاب، وغرف الجنّة، وكور النّار في جهنمّ، ومسألة الخوف والرهبة من يوم القيامة، وظهور نتائج الأعمال في ذلك اليوم، وتجسّدها في ذلك المشهد الكبير، إضافة إلى أنّها تستعرض قضية اسوداد أوجه الكاذبين والذين افتروا على الله الكذب، وسوق الكافرين صوب جهنم، وتعرض الكافرين لتوبيخ وملامة ملائكة العذاب ودعوة أهل الجنّة إلى دخول الجنّة وتقديم ملائكة الرحمة التهاني والتبريكات لهم، وهذه الأُمور التي تدور حول محور المعاد ممزوجة مع قضايا التوحيد بشكل كبير وكأنّها تشكل معها نسيجاً واحداً.

3ـ قسم آخر من السورة يتناول أهمية القرآن المجيد، ورغم قلّة عدد آيات هذا القسم، فهو يجسّد بصورة لطيفة القرآن وتأثيره القوي على القلوب والأرواح.

4 - قسم آخر أيضاً يبيّن مصير الأقوام السابقين والعذاب الإلهي الأليم الذي نزل بهم من جراء تكذيبهم لآيات الله الحقّ.

5 - وأخيراً قسم آخر من هذه السورة يتحدث عن مسألة التوبة، وكون أبواب التوبة مفتوحة لمن يرغب في العودة إلى الله، وقد تضمّن هذا القسم أقوى آيات القرآن تأثيراً في مجال التوبة، ويمكن القول بأن آيات هذا القسم تزف البشرى و تحمل أخباراً سارّة قد لا يوجد مثيل لها في بقية آيات القرآن.

هذه السورة معروفة باسم سورة (الزمر) وهذا الاسم مأخوذ من الآيتين (71) و(73) من هذه السورة، وتعرف أيضاً باسم سورة (الغرف) وهذا الاسم مأخوذ من الآية (20) إلاّ أن هذه التسمية غير مشهورة.

فضيلة سورة الزمر

لقد أولت الأحاديث الإسلامية أهمية كبيرة لتلاوة هذه السورة، وقد ورد حديث عن رسول الله(ص) يقول فيه: "من قرأ سورة الزّمر لم يقطع الله رجاه، وأعطاه ثواب الخائفين الذين خافو الله تعالى"(1).

وورد في حديث آخر عن الإمام الصادق(ع) "من قرأ سورة الزمر أعطاه الله شرف الدنيا والآخرة، وأعزه بلا مال ولا عشيرة، حتى يهابه من يراه وحرّم جسده على النّار"(2).

مقارنة فضائل تلاوة سورة الزمر مع محتوياتها في مجال الخوف من الله، ورجاء رحمته، والإخلاص في العبودية، والتسليم المطلق لذات الله، يوضح أنّ هذه المكافآت إنّما تعطى لمن كانت تلاوته مقدمة للتفكر والتفكر وسيلة للإيمان والعمل.

وبعبارة اُخرى: أن يتوغل محتوى السورة في اعماق روحه. ويتجلّى في كافة مظاهر الحياة الاجتماعية والفردية. أجل فمثل هؤلاء الافراد لائقون لهذا الثواب العظيم والرحمة الواسعة.


1- الآلوسي في روح المعاني، المجلد 25، ص55، وقد ذكر احتمالات اُخرى إلاّ أنّنا لم نذكرها لعدم أهميتها.

2- (تزيل الكتاب) خبر لمبتدأ محذوف و التقدير "هذا تنزيل الكتاب" ، و احتمل بعض المفسّرين أن "تنزيل الكتاب" مبتدأ و "من الله" خير. لكن الرأي الأوّل أصحّ، و"تنزيل" مصدر بمعنى المفعول. فتكون إضافته إلى الكتاب من باب إضافة الصفة إلى موصوفها، و المعنى (هذا الكتاب منزل من الله) .