الآيتان 11 - 12

﴿وَاللهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَاب ثُمَّ مِن نُّطْفَة ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَجاً وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّر وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِى كِتَب إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ (11)وَمَا يَسْتَوِى الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12)﴾

التّفسير

وما يستوي البحران!!

مع الإلتفات إلى ما كان من حديث في الآيات السابقة حول التوحيد والمعاد وصفات الله، تتعرّض هذه الآيات أيضاً إلى قسم آخر من آيات "الأنفس والآفاق" التي تدلّل على قدرة الله من جانب، وعلى علمه من جانب آخر، وقضيّة إمكانية المعاد من جانب ثالث.

في البداية تشير إلى خلق الإنسان في مراحله المختلفة فتقول: (والله خلقكم من تراب ثمّ من نطفة ثمّ جعلكم أزواجاً).

وهذه ثلاث مراحل من مراحل خلق الإنسان: الطين- والنطفة- ومرحلة الزوجية.

بديهي أنّ الإنسان من التراب، إذ أنّ آدم (ع) خلق من تراب، كما أنّ جميع المواد سواء التي يتشكّل منها جسم الإنسان، أو التي يتغذّى عليها، أو التي تنعقد منها نطفته، جميعها تنتهي إلى مواد هي ذاتها التي يحتويها التراب.

إحتمل البعض أنّ الخلق من التراب، إشارة إلى الخلق الأوّل فقط، أمّا الخلق من النطفة فهو إشارة إلى المراحل التالية التي أوّلها مرحلة الخلقة الإجمالية للبشر (بلحاظ أنّ وجود الجميع يتلخّص بوجود آدم (ع)) وثانيها المرحلة التفضيلية بإنفصال الإنسان من الآخر.

وعلى كلّ حال فإنّ مرحلة "الزوجية" هي مرحلة إدامة نسل الإنسان وحفظ نوعه، وأمّا ما احتمله البعض من أنّ معنى "أزواجاً" هنا "الأصناف" أو "الروح والجسم" وأمثالها، فيبدو بعيداً.

ثمّ ينتقل إلى المرحلة الرابعة والخامسة، "حمل النساء" و "الولادة" فيقول تعالى: (وما تحمل من اُنثى ولا تضع إلاّ بعلمه).

نعم، الحمل والتحوّلات والتغيّرات المذهلة والمعقّدة في الجنين، ثمّ بلوغ مرحلة وضع الحمل والإضطرابات والتغيّرات المحيّرة للاُمّ من جهة، وللجنين من جهة ثانية، بشكل وبمقدار منظّم ودقيق لا يمكن تعقّله بدون إسناده إلى العلم الإلهي اللامتناهي، فلو اُصيب النظام الذي يحكم هذه العملية باختلال ولو بمقدار رأس الإبرة لأدّى إلى عسر أو إختلال الحمل أو عملية الولادة، ثمّ إلى ضياع الجنين وهلاكه.

هذه المراحل الخمس من حياة الإنسان، إحداها أعجب من الاُخرى وأكثر إثارة للدهشة. فأين الثرى من الثريّا .. أين ذلك التراب الميّت الجامد من الإنسان الحي العاقل الفطن المبتكر؟! وأين تلك النطفة الحقيرة التي تتكوّن من بضع قطرات من الماء المتعفّن من ذلك الإنسان الراشد الجميل والمجهّز بالحواس والأجهزة العضوية المختلفة(1).

بعد هذه المرحلة، تأتي مرحلة تقسيم النوع البشري إلى جنسين "المذكّر" و "المؤنّث" بالفروقات الكثيرة في الجسم والروح، والاُمور الفسلجية التي تبدأ بالتحدّد منذ اللحظات الاُولى لإنعقاد النطفة، وإتّخاذ مسيرها الخاص والتكامل في كلّ جنس باتّجاه الرسالة التي اُنيطت به.

ثمّ تظهر مسألة رسالة الاُمّ في قبول وتحمّل ذلك الحمل وحفظه وتغذيته وتربيته والتي حيّرت العلماء لقرون طويلة، حتّى اعترفوا بأنّها من أعجب مسائل الوجود.

وآخر مرحلة في هذا المسير هي مرحلة الولادة، وهي مرحلة تحوّل كامل تقترن بعجائب كثيرة.

فما هي العوامل التي تدفع الجنين إلى الخروج من بطن اُمّه؟

كيف يتمّ التنسيق بين هذا الأمر وبين إعداد جسم الاُمّ لتحقّق ذلك الأمر؟

كيف يتمكّن الجنين بعد تعوّده على وضع ما لمدّة تسعة أشهر، أن يلبس وضعاً جديداً ويطبّق كلّ مفرداته الجديدة بلحظة واحدة، ففي لحظة واحدة يقطع صلته باُمّه، ويتنفّس الهواء الطلق! يتناول طعامه من فمه بدلا من الحبل السرّي! يخرج إلى محيط غارق في النور والإشراق بدلا من محيط بطن اُمّه المظلم؟!

أليست هذه أعظم الدلائل على قدرة الله وعلمه اللا محدودين؟

وهل أنّ هذه المادّة الجامدة الميتة وهذه الطبيعة غير الهادفة يمكنها أن تنظّم حلقة واحدة صغيرة من آلاف الحلقات في سلسلة الخلق بالإستفادة من المصادفات العمياء؟

فيا للأسف كيف يتعقّل الإنسان مثل هذا الإحتمال الموهوم فيما يخصّ خلقته؟!

ثمّ .. تشير الآية إلى المرحلتين السادسة والسابعة من هذا البرنامج المذهل بانتقالها إلى حلقة اُخرى، فتذكر مراحل العمر المختلفة والعوامل المؤثّرة في زيادته ونقصانه فتقول الآية الكريمة: (وما يعمّر من معمّر ولا ينقص من عمره إلاّ في كتاب)(2) ويخضع لقوانين ومناهج مدروسة يتحكّم فيها علم الله وقدرته المطلقة.

فما هي العوامل المؤثّرة في إدامة حياة الإنسان؟ وما هي العوامل التي تهدّد إدامتها؟

وبإختصار ما هي العوامل التي يجب أن تتظافر مع بعضها حتّى يستطيع الإنسان أن يعمّر مائة سنة أو أكثر أو أقل؟ وأخيراً ما هي العوامل الموجبة لتفاوت أعمار الناس؟ كلّ ذلك له حسابات دقيقة ومعقّدة لا يعلمها إلاّ الله. وما نعلمه نحن اليوم حول هذه الموضوعات بالقياس إلى ما لا نعلمه يعتبر شيئاً تافهاً.

"معمّر" من مادّة "عُمْر" في الأصل من "العمارة" نقيض الخراب، والعمر اسم لمدّة عمارة البدن بالحياة خلال مدّة معيّنة.

"معمر" أي الشخص الطويل العمر.

وأخيراً تختم الآية بهذه الجملة (إنّ ذلك على الله يسير).

فخلق هذا الموجود العجيب من التراب، وبدء خلق إنسان كامل من "ماء النطفة" وكذلك المسائل المرتبطة بتحديد الجنس، ثمّ الزوجية، والحمل، والولادة، وزيادة أو نقص العمر سواء بلحاظ القدرة أو بلحاظ العلم والحسابات كلّها بالنسبة إليه تعالى سهلة وبسيطة. وذلك بمجموعه يمثّل جانباً من "آيات الأنفس" التي تربطنا ببداية عالم الوجود والتعرّف عليه من جهة، كما تعتبر أدلّة حيّة على مسألة إمكانية المعاد من جهة اُخرى.

فهل أنّ القادر على الخلق الأوّل من التراب والنطفة غير قادر على إعادة الحياة للناس مرّة اُخرى!؟

وهل أنّ العالم بكلّ دقائق وتفاصيل الاُمور المرتبطة بتلك القوانين، يواجه مشكلة في حفظ أعمال العباد ليوم المعاد.

تشير الآية التالية- التي تعتبر قسماً آخر من آيات الآفاق الدالّة على عظمته وقدرته سبحانه وتعالى- إلى خلق البحار وبركاتها وفوائدها، فتقول الآية الكريمة: (وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح اُجاج)(3).

فمع أنّ كلا البحرين في الأصل كانا بصورة قطرات من الماء الصافي والسائغ نزلت من السماء إلى الأرض، وأنّ كليهما من أصل واحد، إلاّ أنّهما يظهران على هيئتين متفاوتتين تماماً بشكل كامل وبفوائد متفاوتة أيضاً.

والعجيب أنّ الإنسان يحصل على السمك الطازج من كلّ منهما: (ومن كلّ تأكلون لحماً طريّاً وتستخرجون حلية تلبسونها) علاوة على إمكانية الإفادة من كليهما للنقل والإنتقال (وترى الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله ولعلّكم تشكرون).

تأمّل الاُمور التالية:

1- "فرات": على ما ذكر في لسان العرب هو الماء العذب جدّاً.

"سائغ": الماء الذي يُستمرأ بسهولة لعذوبته، على عكس الماء المالح- أو الاُجاج- وهو الماء المرّ الذي يمجّه الإنسان.

2- بعض المفسّرين قالوا بأنّ هذه الآية مثال للفرق بين المؤمن والكافر، ولكن الآيات السابقة واللاحقة لها، والتي تتحدّث عن الخلقة، وحتّى نفس هذه الآية، شاهدة على حقيقة أنّ هذه الجملة أيضاً تبحث في أسرار التوحيد، وتشير إلى تنوّع المياه وآثارها المتفاوتة وفوائدها المشتركة.

3- ذكرت الآية ثلاث فوائد من فوائد البحار الكثيرة وهي: المواد الغذائية، ووسائل الزينة، ومسألة الحمل والنقل.

ونعلم بأنّ البحر يشكّل منبعاً مهمّاً من المنابع الغذائية للبشر، وكلّ عام يُستخرج منه ملايين الأطنان من اللحوم الطازجة، بدون أن يتحمّل الإنسان في سبيل ذلك تعباً أو مشقّة، فإنّ نظام التوازن في الطبيعة يشتمل على برنامج دقيق محسوب بحيث يستطيع الناس الإفادة من تلك المائدة الإلهيّة بدون إعتراض وبأقل زحمة ومشقّة.

كذلك يستخرج من البحار أيضاً وسائل الزينة المختلفة من أمثال (اللؤلؤ- والمرجان- والصدف- والدرّ)، وتركيز القرآن على ذكر هذه المسألة لأنّ روح الإنسان تختلف عن الحيوان باحتوائها على أبعاد مختلفة منها "الحسّ الجمالي" الذي هو منبع ظهور جميع المسائل الذوقية والفنيّة والأدبية التي يؤدّي إشباعها بصورة صحيحة بعيداً عن الإفراط والتفريط والإسراف والتبذير إلى إشاعة السرور في النفس، وإعطاء الإنسان النشاط والهدوء، وتساعد الإنسان على إنجاز أعمال الحياة الشاقّة.

وأمّا مسألة الحمل والنقل والتي تعدّ واحدة من أهم اُسس التمدّن الإنساني والحياة الإجتماعية، فمع ملاحظة أنّ البحار تشكّل القسم الأعظم من الكرة الأرضية وأنّها مرتبطة مع بعضها، فإنّها تستطيع أن تقدّم للإنسان أهمّ الخدمات بهذا الخصوص. إذ أنّ البضائع التي يتمّ حملها ونقلها عبر البحار، وكذا أعداد المسافرين الذين يتمّ نقلهم من مكان إلى آخر، على درجة من الكثرة بحيث لا يمكن مقايستها مع أيّة من وسائل النقل الاُخرى، وعلى سبيل المثال فإنّ سفينة واحدة تستطيع حمل عشرات الآلاف من السيارات على ظهرها(4).

4- بديهي أنّ فوائد البحار لا يمكن حصرها بالاُمور التي ذكرت أعلاه، والقرآن الكريم لا يريد بذلك أن يحدّدها ضمن تلك الأقسام الثلاثة المذكورة، فهناك مسألة تكون الغيوم، الأدوية النفط، الألبسة، الأسمدة للأراضي البور، التأثير في إيجاد الرياح .. إلى غير ذلك من بركات البحار الاُخرى.

5- تأكيد القرآن الكريم على مفهوم "لحماً طريّاً" إشارة عميقة المحتوى لفوائد التغذية بهذه اللحوم في مقابل أضرار اللحوم القديمة والمعلّبة وأمثال ذلك.

6- هنا يثار سؤال وهو أنّ البحار المالحة تملأ الكرة الأرضية في إنتشارها، فأين تقع بحور الماء العذب؟

وللإجابة يجب القول أنّ بحر وبحيرات الماء العذب أيضاً ليست قليلة في الكرة الأرضية مثل بحيرات الماء العذب في الولايات المتحدة وغيرها، إضافةً إلى أنّ الأنهر الكبيرة تسمّى بحاراً أيضاً في بعض الأحيان، فقد ورد إستعمال كلمة "البحر" لـ (نهر النيل) في قصّة موسى، كما في سورة البقرة- الآية 50 والشعراء- 63 والأعراف- 138).

كذلك فإنّه يمكن إعتبار مصبّات الأنهار في البحار والمحيطات عبارة عن بحيرات عذبة، لأنّ مياه الأنهار عند إنصبابها في المحيط تدفع مياه البحار وتبقى غير قابلة للإختلاط لمدّة قصيرة.

7- جملة (لتبتغوا من فضله) لها معنى واسع وشامل لكلّ فعّالية إقتصادية تعتمد على البحر.

بحث

العوامل المعنوية المؤثّرة في طول العمر

قام المفسّرون ببحوث مختلفة بما يتناسب مع البحث الوارد في هذه الآيات حول إطالة وإقصار العمر بأمر الله، وذلك بما يتوافق مع الروايات الواردة في هذا الخصوص.

طبيعي أنّ هناك سلسلة من العوامل الطبيعية التي تؤثّر على طول أو قصر العمر، والتي أصبح أكثرها معروفاً عند الناس، كالتغذية الصحيحة بعيداً عن الإفراط والتفريط، العمل وإدامة الحركة، تحاشي المواد المخدّرة، والإدمانات الخطرة والمشروبات الكحولية، الإبتعاد عن المهيّجات المستمرة، التمسّك بإيمان قوي يساعد الإنسان على العيش بإطمئنان وهدوء في الملمّات، ويعطيه القدرة على مواجهة ذلك.

وإضافة إلى ذلك، فإنّ هناك عوامل اُخرى غير واضحة الإرتباط ظاهراً بقضيّة طول العمر، ولكن الروايات أكّدت عليها، وكنموذج نورد الروايات التالية:

أ- عن الرّسول (ص) أنّه قال: "إنّ الصدقة وصلة الرحم تعمران الديار وتزيدان في الأعمار"(5).

ب- وعنه (ص) أنّه قال: "من سرّه أن يبسط في رزقه وينسىء له في أجله فليصل رحمه"(6).

ج- وفيما يخصّ بعض المعاصي مثل الزنا وأثرها في تقصير عمر الإنسان نقرأ في الرواية المشهورة عن الرّسول (ص): "يامعشر المسلمين إيّاكم والزنا فإنّ فيه ستّ خصال، ثلاث في الدنيا وثلاث في الآخرة، أمّا التي في الدنيا فإنّه يذهب بالبهاء، ويورث الفقر، وينقص العمر"(7).

د- عن الإمام الباقر (ع) أنّه قال: "البر وصدقة السرّ ينفيان الفقر ويزيدان في العمر، ويدفعان عن سبعين ميتة سوء"(8).

كذلك فقد وردت الإشارة إلى المعاصي والذنوب الاُخرى كالظلم، بل مطلق المعاصي.

بعض المفسّرين الذين لم يتمكّنوا من التفريق بين "الأجل المحتوم" و "الأجل المعلّق" اعترضوا على مثل هذه الأحاديث واعتقدوا بأنّها مخالفة لنصّ القرآن وأنّ عمر الإنسان له حدّ ثابت لا يتغيّر.

توضيح المسألة:- لا شكّ أن للإنسان أجلا محتوماً وأجلا معلّقاً.

الأجل المحتوم الذي هو نهاية إستعداد الجسم للبقاء، وبحلوله ينتهي كلّ شيء بأمر الله.

الأجل المعلّق أو المخروم الذي ينتفي بانتفاء شرائطه، مثلا إنسان ينتحر فلو أنّه لم يقم بتلك الكبيرة فإنّه سيبقى لسنوات اُخرى يواصل حياته. أو أنّه نتيجة تعاطي المشروبات الكحولية والمواد المخدّرة وممارسة الشهوات بدون قيد أو شرط، يفقد الجسم قدراته في مدّة قصيرة. في حال أنّه بالإبتعاد عن هذه الاُمور يستطيع أن يعيش لسنوات طويلة اُخرى.

هذه اُمور قابلة للإدراك والتجربة بالنسبة إلى الجميع، ولا يستطيع أحد أن ينكر ذلك.

كذلك فإنّه فيما يخصّ الأقدار فإنّ هناك اُموراً ترتبط بالأجل المخروم، وهي أيضاً غير قابلة للإنكار.

وعليه فإذا ورد في الروايات أنّ الإنفاق في سبيل الله أو صلة الرحم تطيل العمر وتدفع أنواعاً من البلاء، فهي في الحقيقة تقصد هذه العوامل.

وإذا لم نفصل بين الأجل المخروم والأجل المحتوم لا يمكننا إدراك كثير من الامور المتعلّقة بالقضاء والقدر، وتأثير الجهاد والسعي والعمل الدائب في الحياة، وسوف تبقى هذه الاُمور غير قابلة للحلّ.

هذا البحث يمكن توضيحه بمثال واحد بسيط وهو الآتي:

لو اشترى أحدهم سيارة جديدة بحيث يتوقّع من صناعتها أن تدوم عشرين عاماً، بشرط المحافظة عليها وصيانتها، وفي هذه الحالة فإنّ الأجل الحتمي لهذه السيارة هو عشرون عاماً، ولكن لو لم تتحقّق لها الصيانة المطلوبة وقام صاحبها بتسليمها إلى أشخاص لا مبالين وغير عارفين بقيادة السيارات، أو أن يحملها فوق طاقتها، أو أن يقودها بعنف في طرق وعرة يومياً، فإنّ أجلها المحتوم ذلك يمكن أن يهبط إلى النصف أو العشر، وذلك هو الأجل المخروم، ونحن نعجب كيف أنّ بعض المفسّرين لم يلتفتوا إلى هذه القضية الواضحة.


1- "نطفة" كما ذكرنا سابقاً، في الأصل بمعنى "الماء" أو بالأخصّ "الماء القليل الصافي" ثمّ اُطلقت لهذا السبب على الماء القليل الذي هو مبدأ إنعقاد الجنين.

2- المقصود من "الكتاب" هو العلم الإلهي اللامحدود، وما ذكره البعض من أنّه "اللوح المحفوظ" أو "صفحة حياة الإنسان" يعود بالنتيجة إلى ذلك العلم الإلهي.

3- "عذب" كما يذكر الراغب في مفرداته بمعنى "الماء النقي البارد" وفي لسان العرب بمعنى: "الماء الطيّب"، ويمكن أن يكون النقي والبارد داخلان في مفهوم "الطيّب".

4- لقد صنعت حالياً سفن حمولتها خمسمائة الف طنّ لنقل النفط، ولا يمكن لأيّة وسيلة اُخرى غير السفينة أن تنقل هذا المقدار الضخم من النفط، كما أنّه لا يمكن لأي طريق أن يحمل مثل هذه الناقلة، كما أنّ قدرة السفن في السابق كانت أكثر من قدرة الحيوانات.

5- تفسير نور الثقلين، مجلّد 4، صفحة 354 و355.

6- المصدر السابق.

7- المصدر السابق.

8- سفينة البحار، المجلّد 2، صفحة33 ـ مادّة صدقة.