الآيتان 25 - 26

﴿وَ يَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَآءُ بِالْغَمَـمِ وَنُزِّلَ الْمَلَـئِكَةُ تَنزِيلا (25) الْمُلْكُ يَوْمَئِذ الْحَقُّ لِلرَّحْمَـنِ وكَانَ يَوْماً عَلَى الْكَـفِرِينَ عَسِيراً(26)﴾

التّفسير

تشقق السماء بالغمام:

مرّة أخرى يواصل القرآن في هذه الآيات البحث حول القيامة، ومصير المجرمين في ذلك اليوم، فيقول أوّلا: إن يوم محنة وحزن المجرمين هو ذلك اليوم الذي تنشق فيه السماء بواسطة الغيوم:(ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا).(1)

"الغمام" من "الغم" بمعنى ستر الشيء، لذلك فالغيم الذي يغطي الشمس يقال له "الغمام"، وكذلك الحزن الذي يغطي القلب يسمّونه "الغم".

هذه الآية - في الحقيقة - ردّ على طلبات المشركين، وعلى إحدى ذرائعهم، لأنّهم كانوا يتوقعون أن يأتي الله والملائكة - طبقاً لأساطيرهم وخرافاتهم من خلال الغيم، فيدعونهم إلى الحق، وفي أساطير اليهود جاء - أيضاً - أنّ الله أحياناً يظهر ما بين الغيوم.(2)

يقول القرآن في الردّ عليهم: نعم الملائكة (وليس الله) يأتون إليهم يوماً ما، لكن أي يوم؟ اليوم الذي تتحقق فيه مجازاة وعقوبة هؤلاء المجرمين، وينهي ادعاءاتهم الباطلة.

ولكن ما هو المقصود من تشقق السماء بالغمام، مع أنّنا نعلم أن لا وجود حولنا لشيء يسمى السماء، يكون قابلا للتشقق؟

قال بعض المفسّرين مثل "العلامة الطباطبائي" في تفسير "الميزان": المقصود هو تشقق سماء عالم الشهود، وزوال حجاب الجهل والغباء وظهور عالم الغيب، فيكون للانسان إدراك ورؤية تختلف كثيراً عمّا هي عليه اليوم، فحينئذ تزول الحجب، فيرون الملائكة وهي تتنزل من العالم الأعلى.

ثمّة تفسير آخر، هو أنّ المقصود من السماء هو الأجرام السماوية التي تتلاشى على أثر انفجارات متوالية، فيملأ الغيم الحاصل من هذه الإنفجارات ومن تلاشي الجبال صفحة السماوات، وبناءً على هذا فالأفلاك السماوية تتشقق مع الغيوم الحاصلة من ذلك.(3)

آيات كثيرة من القرآن المجيد، خصوصاً التي وردت في السور القصار آخر القرآن، تبيّن هذه الحقيقة، حيث تملأ جميع عوالم الوجود تغيرات عظيمة، وانقلاب وتحول عجيب، تتلاشى الجبال وتتناثر في الفضاء كذرات الغبار، الشمس تفقد نورها وكذلك النجوم. ويلتقي الشمس والقمر، وتملأ نواحي الأرض زلزلة وهزّة عجيبة.

نعم، في مثل ذلك اليوم، زوال السماء، بمعنى الأجرام السماوية، وتلبُّسُ السماء بغيوم كثيفة، سيكون أمراً طبيعياً.

من الممكن توضيح نفس هذا التّفسير بنحو آخر:

شدّة التغيرات، وانفجارات الكواكب والسيارات يصير سبباً في تغطية السماء بغيم كثيف، ولكن توجد انشقاقات بين هذا الغيم، وعلى هذا فالسماء التي ترى بالعين في الأحوال العادية، تتشقق بواسطة هذه الغيوم الانفجارية العظيمة.(4)

تفسيرات أخرى قيلت لهذه الآية أيضاً لا تتوافق مع الأصول العلمية والمنطقية، وفي نفس الوقت فالتّفسيرات الثلاثة الآنفة لا تتنافى مع بعضها، فمن الممكن أن ترتفع حجب العالم المادي عن عين الإنسان من جهة، فيشاهد عالم ماوراء الطبيعة، ومن جهة أُخرى ستتلاشى الأجرام السماوية، وتظهر الغيوم الانفجارية، فتبرز التشققات ما بينها في ذلك اليوم، يوم نهاية هذا العالم وبداية النشور، يوم أليم جدّاً للمجرمين الظالمين المعاندين الذين لا إيمان لهم.

بعد ذلك يتناول القرآن الكريم أوضح علائم ذلك اليوم فيقول: (الملك يومئذ الحق للرحمن).

حتى أُولئك الذين كان لهم في هذا العالم نوع من الملك المجازي والمحدود والفاني والسريع الزوال، يخرجون أيضاً من دائرة الملك، فتكون الحاكمية من كلّ النواحي وجميع الجهات لذاته المقدسة خاصّة، وبهذا (وكان يوماً على الكافرين عسيراً).

نعم، في ذلك اليوم تزول القوى الكاذبة تماماً، وتكون الحاكمية لله خاصّة، فتتداعى قلاع الكافرين، وتزول قوى الجبابرة والطواغيت، وإن كانوا جميعاً في هذا العالم - أيضاً - لا شيء أمام إرادته تبارك وتعالى. واذا كان لهم في هذه الدنيا بهرجة، فبأي ملاذ يلوذون من الجزاء الإلهي في يوم القيامة، يوم انكشاف الحقائق وزوال المجازات والخيالات والأوهام، ولهذا سيكون ذلك اليوم يوماً بالغ الصعوبة عليهم، في الوقت الذي يكون على المؤمنين سهلا يسيراً وهيناً جدّاً.

في حديث عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله(ص) (في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة) فقلت: ما أطول هذا اليوم!؟ فقال النّبي(ص) "والذي نفسي بيده إنّه ليخفف عن المؤمن حتى يكون أخفَّ عليه من صلاة المكتوبة يصليها في الدنيا".(5)

والتأمل الدقيق في سائر آيات القرآن يكشف عن دلائل صعوبة ذلك اليوم على الكافرين، ذلك أنّنا نقرأ من جهة (و تقطعت بهم الأسباب).(6)

و من جهة أخرى (ما أغنى عنه ماله وما كسب).(7)

و من جهة ثالثة (يوم لا يُغني مولى عن مولى شيئاً).(8)

حتى الشفاعة التي هي وحدها طريق النجاة، تكون للمذنبين الذين كانت لهم صلة بالله وبأولياء الله (من ذا الذي يشفع عنده إلابإذنه).(9)

وايضاً (فلا يؤذن لهم فيعتذرون) ،(10) فلا يسمح لهم بالاعتذار، فما بالك بقبول الاعذار الواهية!!


1- سفينة البحار، ج 1، ص 427، مادة "خمر".

2- تفسير علي بن إبراهيم طبقاً لنقل نور الثقلين، ج 4، ص 9 .

3- جملة "يوم تشقق السماء" في الواقع عطف على جملة "يوم يرون الملائكة" التي مرّت سابقاً، وعلى هذا فأنّ "يوم" هنا متعلق بذلك الشيء الذي كان في الآية السابقة، يعني جملة "لا بشرى". ويعتقد جماعة أنّه متعلق بفعل مقدّر، مثل (أذكرْ) و "الباء" في "الغمام" يمكن أن تكون بمعنى الملابسة، أو بمعنى "عن"، أو للسببية كما تقدم في تفسير الآيات أعلاه.

4- في ظلال القرآن، ج 6، ص 154 (ذيل الآية مورد البحث).

5- "الباء" من الناحية الأدبية في هذه الحالة للملابسة.

6- في هذه الحالة "الباء" في "بالغمام" للسببية.

7- تفسير القرطبي "الجامع لأحكام القرآن"، ج 13، ص 23; ج 7، ص 4739.

8- سورة البقرة،الآية 166.

9- سورة تبّت، الآية 2.

10- سورة الدخان، الآية 41.