سُورَةُ الفُرقانْ

مَكيَّة وَ عَدَدُ آياتِها سَبْع وَسَبْعُونَ آية"سورة الفرقان"

محتوى سورة الفرقان

هذه السورة بحكم كونها من السور المكية(1) ، فإن أكثر ارتكازها على المسائل المتعلقة بالمبدأ والمعاد، وبيان نبوة النّبي(ص) والمواجهة مع الشرك والمشركين، والانذار من العواقب الوخيمة للكفر وعبادة الأصنام والذنوب.

و تتألف هذه السورة في مجملها من ثلاثة أقسام: -

القسم الأوّل: الذي يشكل مطلع هذه السورة، يدحض منطق المشركين بشدّة، و يستعرض ذرائعهم، ويردُّ عليها، ويخوفهم من عذاب الله، وحساب يوم القيامة، و عقوبات جهنم الأليمة، ويذكرّهم بمقاطع من قصص الأقوام الماضية الذين افترستهم على أثر مخالفتهم لدعوة الأنبياء - الشدائد والبلايا والعقوبات، وذلك على سبيل الدرس والعبرة لهؤلاء المشركين المعاندين.

في القسم الثانى: لأجل إكمال هذا البحث، تبحث الأيات بعض دلائل التوحيد ومظاهر عظمة الله في الأكوان، بدءاً من ضياء الشمس إلى ظلمة وعتمة الليل، وهبوب الرياح، ونزول الأمطار، وإحياء الأراضي الموات، وخلق السماوات والأرضين في ستة أيّام، وخلق الشمس والقمر، وسيرهما المنظم في الأفلاك السماوية، وما شابه ذلك.

فالقسم الأوّل في الحقيقة - يحدد مفهوم (لا إله) ، والقسم الثّاني يحدد مفهوم (إلاّ الله).

القسم الثالث: مختصر جذاب جدّاً، وجامع لصفات المؤمنين الحقيقيين (عباد الرحمن) وعباد الله المخلصين، في مقايسة مع الكفار المتعصبين الذين ذكروا في القسم الأوّل، فتتحدد منزلة كل من الفريقين تماماً. كما أنّنا سنرى أنّ هذه الصفات مجموعة من الاعتقاديات والأعمال الصالحة ومكافحة الشهوات، وامتلاك الوعي الكافي، والإحساس والإلتزام بالمسؤولية الإجتماعية.

و اسم هذه السورة قد اُخذ من آيتها الأُولى، التي تعبر عن القرآن بـ "الفرقان" (الفاصل بين الحق والباطل).

فضيلة سورة الفرقان:

ورد في حديث عن النّبي(ص) أن "من قرأ سورة الفرقان (و تدبّر في محتواها وعمل بما ورد فيها) بعث يوم القيامة وهو مؤمن أن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور".(2) (أي مؤمن بأن الساعة...)

و نقل في حديث آخر عن إسحاق بن عمار عن الإمام أبي الحسن موسى بن جعفر ع أنّه قال له: "يابن عمار، لا تدع قراءة سورة (تبارك الذي نزل الفرقان على عبده) فإن من قرأها في كل ليلة لم يعذبه الله أبداً، ولم يحاسبه، وكان منزله في الفردوس الأعلى".(3)

كما أننا سنرى - في تفسير هذه السورة - أن كلَّ من تلا بحق صفات عباد الله المخلصين المبيّنة في السورة كما هي، وامتزجت بقلبه وروحه، وبنى صفاته أعماله طبقاً لها فإنّ منزِله الفردوس الأعلى.


1- التّفسير الكبير للفخر الرازي ـ في تفسيره للآية موضع البحث صفحة 39 من طبعة دار الكتب العلمية بطهران ـ الطبعة الثّانية.

2- لقد جاء بعد كلمة الدعاء "لام" فإنّها تعني الإبتهال والدعاء، أمّا إذا جاء الحرف "على" فإنّها تعني الدعاء على شخص لغير صالحه، وإذا افتقدت الجملة أي من هذين الحرفين فيحتمل أن تتضمّن العبارة المعنيين.

3- يُصر بعض المفسّرين على أن ثلاث آيات من هذه السورة (68، 69، 70) نزلت في المدينة، ولعل ذلك لأنّ أحكاماً مثل قتل النفس والزنا، شُرِّعت في هذه الآيات، في حين أن التدقيق في الآيات التي قبلها والتي بعدها، يكشف جيداً عن أنّ السياق واحد متصل ومنسجم تماماً حول (عباد الرحمن) وبيان أوصافهم، لذا فالظاهر أن السورة نزلت كلها في مكّة.