الآيات 101 - 103
﴿قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِى الأَيَتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْم لاَّيُؤْمِنُونَ101 فَهَلْ يَنتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِهِمْ قُلْ فَانتَظِرُواْ إِنِّى مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ102 ثُمَّ نُنَجِّى رُسُلَنَا وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ كَذَلِكَ حَقَّاً عَلَيْنَا نُنجِ الْمُؤْمِنِينَ103﴾
التّفسير
الموعظة والنصيحة:
كان الكلام في الآيات السابقة عن أنّ الإِيمان يجب أن يكون اختيارياً لا بالجبر والاكراه، ولهذا فإِن الآية الأُولى هنا ترشد الناس إِلى الإِيمان الإِختياري، وتخاطب النّبي فتقول: (قل انظروا ماذا في السماوات والأرض) ؟
إِن كل هذه النجوم اللامعة والكواكب السماوية المختلفة التي يدور كل منها في مداره، وهذه المنظومات الكبيرة والمجرات العملاقة، وهذا النظام الدقيق الحاكم على كل تلك الكواكب، وكذلك هذه الكرة الأرضية بكل عجائبها واسرارها، وكل هذه الكائنات الحية المتنوعة المختلفة.. تدل بالتمعن في دقائق صنعها والتدبّر في نظامها على المبدأ الأزلي للعالم.
وستتعرفون أكثر على خالق هذه الكائنات.
إِنّ هذه الجملة تنفي بوضوح مسألة الجبر وسلب حرية الإِرادة، فهي تقول: إِنّ الإِيمان هو نتيجة التدبر في عالم الخلقة، أي إِنّ هذا الأمر في اختياركم.
ثمّ تضيف أنّه رغم كل هذه الآيات والعلامات الدالّة على الحق، فلا داعي للعجب من عدم إِيمان البعض، لأنّ الآيات والدلالات والإِنذارات تنفع الذين لهم الإِستعداد لتقبل الحق، أمّا هؤلاء فإِنّه (وما تغني الآيات والنذر عن قوم لايؤمنون) (1).
إِنّ هذه الجملة إِشارة إِلى الحقيقة التي قرأناها مراراً في القرآن، وهي أن الدلائل وكلمات الحق والمواعظ لاتكفي لوحدها، بل إِنّ الأرضية المستعدة شرط أيضاً في حصول النتيجة.
ثمّ تقول - بنبرة التهديد المتلبسة بلباس السؤال والإِستفهام -: هل ينتظر هؤلاء المعاندون الكافرون إلاّ أن يروا مصيراً كمصير الأقوام الطغاة والمتمردين السابقين الذين عمهم العقاب الإِلهي.
مصير كمصير الفراعنة والنماردة وشدّاد وأعوانهم وأنصارهم؟!
(فهل ينتظرون إلاّ مثل أيّام الذين خلوا من قبلهم).
وتحذرهم الآية أخيراً فتقول: يا أيّها النّبي (قل فانتظروا إنّي معكم من المنتظرين) فأنتم بانتظار هزيمة دعوة الحق، ونحن بانتظار المصير المشؤوم الذي ستلاقونه، مصير المتكبرين الماضين.
وينبغي الإِلتفات إِلى أنّ الإِستفهام في جملة (فهل ينتظرون) استفهام إِنكاري، أي إِنّ هؤلاء بطبيعة سلوكهم هذا لايمكن أن ينتظروا إلاّ حلول مصير مشؤوم مظلم.
كلمة (أيّام) وإِن كانت في اللغة جمع يوم، إلاّ أنّها هنا تعني الحوادث المهلكة التي وقعت للأقوام والاُمم السالفة.
ومن أجل أن لايتوهم متوهم أنّ الله سبحانه يصيب بعذابه الصالح والطالح، تضيف الآية: إِننا إِذا ما تحققت مقدمات نزول العذاب على الأمم السابقة، نقوم بانقاذ عبادنا الصالحين: (ثمّ ننجي رسلنا والذين آمنوا).
ثمّ تقول في النهاية: إِنّ هذا ليس مختصاً بالأُمم السالفة والرسل والمؤمنين الماضين، بل (كذلك حقّاً علينا ننج المؤمنين) (2).
1- نذر جمع نذير، أي المنذر، وهو كنايه عن الأنبياء والقادة الإِلهيين، أو هي جمع إِنذار، بمعنى تحذير وتهديد الغافلين والمجرمين الذي هو من برامج هؤلاء القادة الإِلهيين. وقد اعتبر البعض (ما) جملة (ما تغني الآيات) نافية، والبعض جعلها بمعنى الإِستفهام الإِنكاري، وهي واحدة من حيث النتيجة، إلاّ أنّ الظاهر أن (ما) نافية.
2- إِنّ جملة (كذلك حقاً علينا ننج المؤمنين) كانت بهذا المعنى: كذلك ننج المؤمنين وكان ذلك حقّاً علينا، أي إِنّ جملة (حقاً علينا) جملة معترضة بين (كذلك) و(ننج المؤمنين). ويحتمل أيضاً أن تكون (كذلك) متعلقة بالجملة السابقة، أي جملة (ننجي رسلنا والذين آمنوا).