الآيات 68 - 70
﴿قَالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً سُبْحَنَهُ هُوَ الْغَنِىُّ لَهُ مَا فِى السَّمَوَاتِ وَمَا فِى الأَرْضِ إِنْ عِندَكُم مِّن سُلْطَان بِهَذَآ أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ68 قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لاَيُفْلِحُونَ69 مَتَاعً فِى الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثمّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ70﴾
التّفسير
تستمر هذه الآيات - أيضاً - في بحثها مع المشركين، وتذكر واحدة من أكاذيب واتهامات هؤلاء لساحة الله المقدسه، فتقول أوّلا: (قالوا اتّخذ الله ولداً).
إِنّ هذا الكلام قاله المسيحيون في حق المسيح (ع) ، ثمّ عبدة الأوثان في عصر الجاهلية في حق الملائكة، حيث كانوا يظنون أنّها بنات الله، وقاله اليهود في شأن عزير.
ويجيبهم القرآن بطريقين:
الأوّل: إِنّ الله سبحانه منزّه عن كل عيب ونقص، وهو مستغن عن كل شيء: (سبحانه هو الغني) وهذا إِشارة إِلى أنّ الحاجة إِلى الولد، إمّا للحاجة الجسمية إِلى قوته ومساعدته، أو للحاجة الروحية والعاطفية، ولما كان الله سبحانه منزّه عن كل عيب ونقص وحاجة، فلايمكن أن يتخذ لنفسه ولداً.
(له ما في السماوات وما في الأرض) ومع هذا الحال فأي معنى لأن يتخذ لنفسه ولداً ليطمئنه ويهدئه، أو يعينه ويساعده.
ممّا يلفت النظر أنّ الآية عبّرت هنا بـ (اتخذ) وهذا يوحي أنّ هؤلاء كانوا يعتقدون أنّ الله تعالى لم يلد ذلك الولد، بل يقولون: إِنّ الله قد اختار بعض الموجودات كولد له، تماماً مثل أُولئك الذين لا يولد لهم ولد، ويتبنون طفلا من دور الحضانة وأمثالها.
على كل حال، فإِنّ هؤلاء الجاهلين وقصيري النظر وقعوا في اشتباه المقارنة بين الخالق والمخلوق، وكانوا يقيسون ذات الله الصمدية على وجودهم المحدود المحتاج.
والجواب الثّاني الذي يذكره القرآن لهؤلاء هو: إِنّ من يدعي شيئاً يجب عليه أن يقيم دليلا على مدعاه: (إِن عندكم من سلطان بهذا أتقولون على الله ما لا تعلمون) أي إِنّكم على فرض عدم قبولكم للدليل الأوّل الواضح، فإِنّكم لا تستطيعون أن تنكروا هذه الحقيقة، وهي أن ادعاءَكم وقولكم تهمة وقول بغير علم.
وتعيد الآية التّالية عاقبة الإِفتراء على الله المشؤومة.
فتوجه الخطاب إِلى النّبي (ص) وتقول: (قل إِنّ الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون).
وعلى فرض أن هؤلاء يستطيعون بافتراءاتهم وأكاذيبهم أن ينالوا المال والمقام لعدّة أيّام، فإِنّ ذلك (متاع في الدنيا ثمّ إِلينا مرجعهم ثمّ نذيقهم العذاب بما كانوا يفترون).
الواقع أنّ هذه الآية والتي قبلها ذكرتا نوعين من العقاب لهؤلاء الكذابين الذين نسبوا إِلى الله تهمة اتّخاذ الولد:
الأوّل: إِنّ هذا الكذب والإِفتراء لايمكن أن يكون أساساً لفلاح ونجاح هؤلاء أبداً، ولا يوصلهم إِلى هدفهم مطلقاً، بل إِنّهم يصبحون حيارى تائهين تحيط التعاسة والشقاء والهزيمة بأطرافهم.
الثّاني: على فرض أنّهم استطاعوا أن يستغفلوا الناس ويخدعوهم بهذه الكلمات لعدة أيّام، ويصلوا عن طريق الديانة الوثنية إِلى رفاه وعيش رغيد، إلاّ أنّ هذا التمتع لا دوام ولا بقاء له، والعذاب الإِلهي الخالد في انتظارهم.
ملاحظات
1 - إِنّ كلمة "سلطان" تعني هنا الدليل، وهذه الكلمة أعمق وأبلغ من كلمة الدليل، لأنّ الدليل بمعنى الدلالة والإِرشاد أمّا السلطان فهو الشيء الذي يسلط الإِنسان على الطرف المقابل، ويناسب موارد البحث والجدال والنقاش، وهو إِشارة إِلى الدليل القاطع القوي.
2 - "المتاع" يعني الشيء الذي يستفيد منه الإِنسان ويتمتع به، ومفهومه واسع جداً يشمل كل لوازم ووسائل الحياة والمواهب المادية.
يقول الراغب في المفردات: كلما ينتفع به على وجه ما، فهو متاع ومتعة.
3 - إِنّ التعبير بـ (نذيقهم) الذي ورد في شأن العذاب الإِلهي يشير إِلى أنّ هذا العذاب الذي سينال هؤلاء بدرجة من الشدّة بحيث كأنّهم يذوقونه بألسنتهم وأفواههم، وهذا التعبير أبلغ جداً من المشاهدة، بل وحتى من لمس العذاب.