الآيات 45 - 47

﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَآءِ اللهِ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ 45 وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِى نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ46 وَلِكُلِّ أُمَّة رَّسُولٌ فَإِذَا جَآءَ رَسُولُهُمْ قُضِىَ بَيْنَهُم باِلْقِسْطِ وَهُمْ لاَيُظْلَمُونَ 47﴾

التّفسير

بعد بيان بعض صفات المشركين في الآيات السابقة، أشير هنا إِلى وضعهم المؤلم في القيامة.

تقول الآية: (ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلاّ ساعة من النهار يتعارفون بينهم).

الإِحساس بقلة مقدار الإِقامة في دار الدنيا وقصره، إِمّا لأنّه بالنسبة للحياة الاُخروي لايبلغ سوى ساعة واحدة.

أو لأنّ هذه الدنيا الفانية انقضت بسرعة بحيث كأنّها لم تكن أكثر من ساعة، أو لأنّهم لما لم يستفيدوا من عمرهم الإِستفادة الصحيحة، فيتصورون أنّها لا تساوي أكثر من قيمة ساعة!.

بناء على ماقلناه في التّفسير أعلاه، فإِنّ جملة (يتعارفون بينهم) إِشارة إِلى مقدار بقائهم في الدنيا، أي إِنّهم يحسون أنّ أعمارهم كانت قصيرة إِلى الحد الذي يكفي لالتقاء شخصين وتعارفهما ثمّ تفرقهما!.

وقد احتمل أيضاً - في تفسير هذه الآية - أنّ المقصود هو الإِحساس بقصر الزمان بالنسبة لحياة البرزخ، أي إِنّ هؤلاء يعيشون في فترة البرزخ حالة شبيهة بالنوم بحيث لايشعرون بمرور السنين والقرون والأعصار، ويظنون في القيامة أن مرحلة برزخهم التي استغرفت آلاف أو عشرات الآلاف من السنين، لم تكن إلاّ ساعة.

والشاهد على هذا التّفسير الآيتان (55) - (56) من سورة الروم، اللتان تقولان: (ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة كذلك كانوا يؤفكون.

وقال الذين أوتوا العلم والإِيمان لقد لبثتم في كتاب الله إِلى يوم البعث فهذا يوم البعث ولكنّكم كنتم لاتعلمون).

يستفاد من هاتين الآيتين أنّ مجموعة من المجرمين يُقسمون في القيامة أن فترة برزخهم لم تكن أكثر من ساعة، إلاّ أنّ المؤمنين يقولون لهم: إِنّ المدّة كانت طويلة، والآن قد قامت القيامة وأنتم لاتعلمون.

ونحن نعلم أن البرزخ ليس متساوياً بالنسبة للجميع، وسنذكر تفصيل ذلك في ذيل الآيات المناسبة.

وبناءً على هذا التّفسير، فإِنّ معنى جملة (يتعارفون بينهم) سيكون: إِنّ هؤلاء يحسون بأنّ زمان البرزخ كان قصيراً بحيث أنّهم لم ينسوا أي أمر من أُمور الدنيا، ويعرف بعضهم البعض الآخر جيداً.

أو أنّ كلاً منهم يرى أعمال الآخرين القبيحة هناك، ويطّلع كل منهم على باطن الآخر، وهذا بحد ذاته فضيحة كبرى بالنسبة لهؤلاء.

ثمّ تضيف الآية أنّه سيثبت لكل هؤلاء في ذلك اليوم: (قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله) وانفقوا كل ملكاتهم وطاقاتهم الحيوية دون جدوى (وماكانوا مهتدين) بسبب هذا التكذيب والإِنكار والإِصرار على الذنب، ولأنّ قلوبهم وأرواحهم كانت مظلمة.

وتقول الآية التالية تهديداً للكفار، وتسلية لخاطر النّبي (ص): (وإِمّا نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإِلينا مرجعهم ثمّ الله شهيد على مايفعلون).

وتبيّن الآية الأخيرة من الآيات مورد البحث قانوناً كلياً في شأن كل الأنبياء، ومن جملتهم نبي الإِسلام (ص) ، وكل الأمم ومن جملتها الأُمّة التي كانت تحيا في عصر النّبي (ص) ، فتقول: (ولكل أُمّة رسول) فإِذا جاء رسولها وبلغ رسالته، وآمن قسم منهم وكفر آخرون، فإِنّ الله سبحانه يقضي بينهم بعدله، ولا يظلم ربّك أحداً، فيبقى المؤمنون والصالحون يتمعون بالحياة، أمّا الكافرون فإِنّهم فمصيرهم الفناء او الهزيمة: (فإِذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط وهم لايظلمون).

وهذا ما حصل لنبي الإِسلام (ص) وأُمته المعاصرة له، فإِنّ أعداءه هلكوا في الحروب، أو انهزموا في النهاية وطردوا من ساحة المجتمع وأخذ المؤمنون زمام الأُمور بأيديهم.

وبناء على هذا فإِنّ القضاء والحكم الذي ورد في هذه الآية هو القضاء التكويني في هذه الدنيا، وأمّا ما احتمله بعض المفسّرين من أنّه إِشارة إِلى حكم الله يوم القيامة.

فهو خلاف الظاهر.