الآيتان 26 - 27
﴿لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَذِلَّةٌ أُوْلئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَلِدُونَ26 وَالّذِينَ كَسَبُواْ السِّيِّئاَتِ جَزَآءُ سِيِّئة بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُتُمْ ذِلَّةٌ مَّا لَهُم مِّنَ اللهِ مِنْ عَاصِم كَأَنَّمَآ أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِّنَ الَّيْلِ مُظْلِماً أُوْلئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَلِدُونَ27﴾
التّفسير
بيض الوجوه وسود الوجوه:
مرّت الإِشارة في الآيات السابقة إِلى عالم الآخرة ويوم القيامة، ولهذه المناسبة فإِنّ هذه الآيات تبيّن مصير الصالحين وعاقبة المذنبين فتقول في البداية: (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة) (1).
ومع أن هناك بحث بين المفسّرين في المقصود من الزيادة في هذه الجملة، إلاّ أنّنا إِذا علمنا أنّ القرآن يفسّر بعضه بعضاً، رأينا أنّ المراد هو الإِشارة إِلى الثواب المضاعف الكثير، الذي يتضاعف أحياناً عشر مرات، وأُخرى آلاف المرات حسب نسبة الإِخلاص والطهارة والتقوى وقيمة العمل، فنقرأ في الآية (160) من سورة الأنعام.
(من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها).
وفي الآية (127) من سورة النساء: (فأمّا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله).
وفي الآيات المرتبطة بالإِنفاق في سورة البقرة آية (261) يدور الحديث أيضاً عن مكافأة الصالحين ومضاعفة عملهم إِلى سبعمائة ضعف، أو مضاعفته أضعافاً كثيرة من قبل الله سبحانه.
والنقطة الأُخرى التي ينبغي الإِلتفات إِليها هنا، هي أن من الممكن أن تستمر هذه الزيادة والإِضافة حتى في عالم الآخرة، أي أنّه في كل يوم سيمنحهم الله سبحانه موهبة ولطفاً جديداً، وهذا يبيّن أن حياة العالم الآخر ليست على وتيرة واحدة، بل تستمر في حركتها نحو التكامل الى ما لانهاية.
والرّوايات التي وردت عن النّبي (ص) في تفسير هذه الآية، والتي تبيّن أن المراد من "الزيادة" هو التوجه إِلى نور الذات الإِلهية المقدسة والإِستفادة من هذه الموهبة المعنوية الكبيرة قد تكون إِشارة إِلى هذه النكتة.
وفي بعض الرّوايات المنقولة عن أهل البيت (ع) ، فسّرت "الزيادة" بزيادة النعم الدّنيوية التي يتفضل بها الله على الصالحين علاوة على ثواب الآخرة، ولكن لامانع من أن تكون الزيادة في الآية أعلاه إِشارة إِلى كل هذه المواهب.
ثمّ تضيف الآية: (ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة).
"يرهق" مأخوذة من مادة "رهق"، وهي بمعني التغطية القهرية والجبرية، "والقتر" بمعنى "الغبار" والدخان.
وفي النهاية تقول: (أُولئك أصحاب الجنّة هم فيها خالدون) التعبير بالأصحاب إِشارة إِلى التناسب الموجود بين روحية هذه المجموعة ومحيط الجنّة.
ثمّ يأتي الحديث في الآية التالية عن أصحاب النّار الذين يشكلون الطرف المقابل للمجموعة الأُولى، فتقول: (والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها) وهنا لايوجد كلام عن الزيادة، لأنّ الزيادة في الثواب فضل ورحمة، أمّا في العقاب فإِنّ العدالة توجب أن يكون بقدر الذنب ولا يزيد ذرة واحدة.
إلاّ أن هؤلاء عكس الفريق الأوّل مسودة وجوههم (وترهقهم ذلة) (2).
ويمكن أن يقول قائل: إِنّ هؤلاء يجب أن لا يروا من العقاب إلاّ بقدر ذنوبهم، وأنّ اسوداد الوجه هذا، وغبار الذل الذي يغطيهم شيء إضافي.
لكن ينبغي الإِنتباه إلى أن هذه هي خاصية وأثر العمل الذي ينعكس من داخل روح الإِنسان إِلى الخارج، تماماً كما نقول: إِنّ الأفراد المعتادين على شرب الخمر يجب أن يجلدوا.
وفي الوقت نفسه فإِنّ الخمر تولد مختلف أمراض المعدة والقلب والكبد والأعصاب.
وعلى كل حال، فقد يظن المسيئون أنّهم سوف يكون لهم طريق للهرب أو النجاة، أو أنّ الأصنام وأمثالها تستطيع أن تشفع لهم، إلاّ أن الجملة التالية تقول بصراحة: (مالهم من الله من عاصم).
إِنّ وجوه هؤلاء مظلمة ومسودة إِلى الحد الذي (كأنّما أغشيت وجوههم قطعاً من الليل مظلماً أُولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون).
1- ينبغي التنبه إِلى أن (الحسنى) في هذه الجملة مبتدأ مؤخر، ومعنى الآية هكذا. الحسنى للذين أحسنوا، ولذلك فإنّ (زيادة) المعطوفة عليها مرفوعة، والحسنى صفة للمثوبة المقدّرة، وقد حلّت محلّ الموصوف.
2- من الممكن، بقرينة الآية السابقة، أن تكون جملة (ترهقهم ذلة) بتقدير: (يرهقهم قتر وذلة)، وبقرينة المقابلة حذفتُ (قتر) لأجل الإِختصار.