الآيتان 224 - 225

﴿وَلاَ تَجْعَلُواْ اللهَ عُرْضَةً لاّيْمَـانِكُمْ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ النَّاسِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ / لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَـانِكُمْ وَلَـكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾

سبب النّزول

حدث خلاف بين صهر أحد الصحابة وابنته، وهذا الصحابي هو "عبدالله بن رواحة" حيث أقسم أن لا يتدخّل في الإصلاح بين الزّوجين، فنزلت الآية تنهى عن هذا اللّون من القسم وتلغي آثاره.

التّفسير

لاينبغي القسم حتّى الإمكان:

كما قرأنا في سبب النّزول أنّ الآيتين أعلاه ناظرتان إلى سوء الإستفادة من القسم، فكانت هذه مقدّمة إلى الأبحاث التالية في الآيات الكريمة عن الإيلاء والقسم وترك المقاربة الجنسيّة.

في الآية الاُولى يقول تعالى (ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبرّوا وتتقوا وتُصلحوا بين النّاس والله هو السميع)(1).

(الأيمان) جمع (يمين) و (عُرضة) بضم العين، تقال للبضاعة وأمثالها التي تعرض أمام الناس في السوق.

وقد تطلق العُرضة على موانع الطريق لأنّها تعترض طريق الإنسان.

وذهب البعض إلى أنّ المراد بها ما يشمل جميع الأعمال، فالآية تنهى عن القسم بالله في الاُمور الصغيرة والكبيرة وعن الإستخفاف باسمه سبحانه، وبهذا حذّرت الآية من القسم إلاّ في كبائر الاُمور، وهذا ما أكّدت عليه الأحاديث الكثيرة، وقد روي عن الصادق (عليه السلام) (لا تحلفوا بالله صادقين ولا كاذبين فإنّ الله سبحانه يقول: (ولا تجعلوا الله عُرضة لأيمانكم))(2).

وهناك أحاديث متعدّدة وردت في هذا المجال(3).

ولو أخذنا سبب نزول الآية بنظر الإعتبار يكون مؤدّاها أنّ القسم ليس بعمل مطلوب في الأعمال الصالحة، فكيف بالقسم بترك الأعمال الصالحة؟!

وفي الآية التالية نلاحظ تكملة لهذا الموضوع وأنّ القسم لا ينبغي أن يكون مانعاً من أعمال الخير فتقول: (لا يُؤاخذكم الله باللّغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم) أي عن إرادة وإختيار.

في هذه الآية يشير الله تعالى إلى نوعين من القَسَم:

الأوّل: القَسَم اللغو الذي لا أثر له، ولا يبعأ به، هذا النوع من القَسَم يتردّد على ألسن بعض الناس دون التفات، ويكرّرونه فيكلامهم عن عادة لهم، فيقولون: لا والله...

بلى والله...

على كلّ شيء، وإنّما سمّي لغواً لأنّه لا هدف له ولم يطلقه المتكلّم عن عزم ووعي، وكلّ عمل وكلام مثل هذا لغو.

من هنا فالقَسَم الصادر عن الإنسان حين الغضب لغو (إذا أخرجه الغضب تماماً عن حالته الطبيعية).

وحسب الآية أعلاه لا يؤاخذ الإنسان على مثل هذا القَسَم، وعليه أن لا يرتّب أثراً عليه، ويجب الإلتفات إلى أنّ الإنسان يجب أن يتربّى على ترك مثل هذا القَسَم وعلى كلّ حال فإن العمل بهذا القسم غير واجب ولا كفّارة عليه، لأنه لم يكن عن عزم وإرادة.

النوع الثاني: القَسَم الصادر عن إرادة وعزم، أو بالتعبير القرآني هو القَسَم الداخل في إطار كسب القلب، ومثل هذا القَسَم معتبر، ويجب الإلتزام به، ومخالفته ذنب موجب للكفّارة إلاّ في مواضع سنذكرها.

وقد أشارت الآية (89) من سورة المائدة إلى هذا النوع من القسم بقولها "ما عقدتم الايمان".

الأيمان غير المعتبرة:

الإسلام لا يحبّذ القَسَم كما أشرنا آنفاً، لكنّه ليس بالعمل المحرّم، بل قد يكون مستحبّاً أو واجباً تبعاً لما تترتّب عليه من آثار.

وهناك أيمان لا قيمة لها ولا اعتبار في نظر الإسلام، منها:

1- القَسَم بغير اسم الله وحتّى القسم باسم النبي وأئمّة الهدى (عليهم السلام) مثل هذا القَسَم غير المتضمّن اسم الله تعالى لا أثر له ولا يلزم العمل به ولا كفّارة على مخالفته.

2- القَسَم على ارتكاب فعل محرّم أو مكروه أو ترك واجب أو مستحب، حيث لا يترتّب عليه شيء.

كأن يقسم شخص على عدم أداء دين، أو على قطع رحم، أو على فرار من جهاد، وأمثالها أو يترك إصلاح ذات البين مثلاً كما نلاحظ ذلك لدى بعض الأشخاص الذين واجهوا بعض السلبيات من إصلاح ذات البين فأقسموا على ترك هذا العمل.

فإن أقسم على شيء من ذلك فعليه أن لا يعتني بقَسَمه ولا كفّارة عليه، وقيل إنّ هذا هو معنى قوله تعالى: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم).

أمّا الأيمان- التي تحمل اسم الله- على أداء عمل صالح أو مباح على الأقل، فيجب الإلتزام به، وإلاَّ وجبت على صاحبه الكفّارة، وكفّارته كما ذكرته الآية (89) من سورة المائدة، إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة.


1- طبقاً لهذا التفسير "لا" مقدرة وفي الأصل "لئلا تبرو" وهذا المعنى مطابق تماماً لشأن النزول ويحتمل أيضاً أن "عرضة" بمعنى المانع يعني لا تجعلوا القسم بالله مانعاً لأداء الأعمال الصالحة والإصلاح بين الناس "بتقدير: لا تجعلوا الله بسبب ايمانكم حاجزاً أن تبروا وتتقوا" ولكنّ التوجيه الأوّل أنسب.

2- الكافي حسب نقل تفسير نور الثقلين: ج 1 ص 218 ح 833، وسائل الشيعة: ج 16 ص 116 ح 5.

3- راجع نفس المصدر: ح 832 و 834، وسائل الشيعة: ج 16 ص 115 وما بعد.