تفسير سورة النصر

1 - في كتاب ثواب الأعمال باسناده عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من قرأ " إذا جاء نصر الله والفتح " في نافلة أو فريضة نصره الله على جميع أعدائه وجاء يوم القيامة ومعه كتاب ينطق، قد أخرجه الله من جوف قبره، فيه أمان من جسر جهنم ومن النار ومن زفير جهنم، فلا يمر على شئ يوم القيامة الا بشره وأخبره بكل خير حتى يدخل الجنة، ويفتح له في الدنيا من أسباب الخير ما لم يتمن ولم يخطر على قلبه.

2 - في مجمع البيان في حديث أبي من قرأها فكأنما شهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله فتح مكة.

3 - وعن عبد الله بن مسعود قال: لما نزلت السورة كان النبي صلى الله عليه وآله يقول كثيرا: سبحانك اللهم اغفر لي انك أنت التواب الرحيم.

4 - وعن أم سلمة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وآله بالآخرة لا يقوم ولا يقعد ولا يجيئ ولا يذهب الا قال: سبحان الله وبحمده استغفر الله وأتوب إليه، فسألناه عن ذلك؟فقال: انى أمرت بها، ثم قرأ إذا جاء نصر الله.

5 - وفى رواية عايشة انه كان يقول: سبحانك اللهم وبحمدك استغفر الله وأتوب إليك قال مقاتل: لما نزلت هذه السورة قرأها صلى الله عليه وآله على أصحابه ففرحوا واستبشروا، وسمعها العباس فبكى فقال صلى الله عليه وآله: ما يبكيك يا عم؟فقال: أظن أنه قد نعت إليك نفسك يا رسول الله، فقال: انه لكما تقول، فعاش بعدها سنتين ما رؤى فيهما ضاحكا مستبشرا قال: وهذه السورة تسمى سورة التوديع.

6 - وقال ابن عباس: لما نزلت " إذا جاء نصر الله والفتح " قال صلى الله عليه وآله: نعيت إلى نفسي بأنها مقبوضة في هذه السنة.

7 - في عيون الأخبار باسناده إلى الحسين بن خالد قال: قال الرضا عليه السلام: سمعت أبي يحدث عن أبيه عليهما السلام: ان أول سورة نزلت " بسم الله الرحمن الرحيم اقرأ باسم ربك " وآخر سورة نزلت " إذا جاء نصر الله ".

8 - في أصول الكافي عدة من أصحابنا عن أحمد بن سهل بن زياد عن منصور بن العباس عن محمد بن العباس بن السرى عن عمه علي بن السرى عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أول ما نزل على رسول الله صلى الله عليه وآله بسم الله الرحمن الرحيم اقرأ بسم ربك وآخره " إذا جاء نصر الله ".

9 - في أمالي شيخ الطائفة قدس سره باسناده إلى محمد بن عمر بن علي عن أبيه عن جده قال: نزلت على النبي صلى الله عليه وآله " إذا جاء نصر الله والفتح " قال: يا علي لقد جاء نصر الله والفتح، فإذا رأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره انه كان توابا، قال: يا علي أن الله قد كتب على المؤمنين الجهاد في الفتنة من بعدى، كما كتب عليهم جهاد المشركين معي، فقلت: يا رسول الله وما الفتنة التي كتب علينا فيها الجهاد؟قال: فتنة قوم يشهدون ان لا إله إلا الله وانى رسول الله وهم مخالفون لسنتي وطاعنون في ديني، فقلت: فعلام نقاتلهم يا رسول الله وهم يشهدون ان لا إله إلا الله وانك رسول الله؟فقال: على احداثهم في ديني وفراقهم لأمري واستحلالهم دماء عترتي.

والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

10 - في تفسير علي بن إبراهيم: إذا جاء نصر الله والفتح قال: نزلت بمنى في حجة الوداع " إذا جاء نصر الله والفتح " فلما نزلت قال رسول الله صلى الله عليه وآله: نعيت إلى نفسي، فجاء إلى مسجد الخيف فجمع الناس ثم قال: نصرا لله امرءا سمع مقالتي فوعاها وبلغها من لم يسمعها، فرب حامل فقه فليس بفقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاث لا يغل عليهن قلب امرء مسلم، اخلاص العمل لله، والنصيحة لائمة المسلمين واللزوم لجماعتهم، فان دعوتهم محيطة من ورائهم، أيها الناس انى تارك فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا ولن تزلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فإنه قد نبأني اللطيف الخبير انهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض كإصبعي هاتين وجمع بين سبابتيه ولا أقول كهاتين وجمع بين سبابته والوسطى فتفضل هذه على هذه.

11 - في جوامع الجامع وعن جابر بن عبد الله انه بكى ذات يوم فقيل له في ذلك فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: دخل الناس في دين الله أفواجا وسيخرجون منه أفواجا أراد بالناس أهل اليمن، ولما نزلت قال صلى الله عليه وآله: الله أكبر جاء نصر الله والفتح، وجاء أهل اليمن قوم رقيقة قلوبهم الايمان يمان والفقه يمان والحكمة يمانية وقال: أجد نفس ربكم من قبل اليمن.

12 - في مجمع البيان " قصة فتح مكة " لما صالح رسول الله صلى الله عليه وآله قريشا عام الحديبية كان في أشراطهم انه من أحب أن يدخل في عقد رسول الله صلى الله عليه وآله دخل فيه، فدخلت خزاعة في عقد رسول الله صلى الله عليه وآله ودخلت بنو بكر في عقد قريش وكان بين القبيلتين شر قديم، ثم وقعت فيما بعد بين بنى بكر وخزاعة مقاتلة فرفدت قريش بنى بكر بالسلاح وقاتل معهم من قريش من قاتل بالليل مسخفيا وكان من أعان بنى بكر على خزاعة بنفسه عكرمة بن أبي جهل وسهيل بن عمرو، فركب عمرو بن سالم الخزاعي حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله المدينة وكان ذلك مما هاج فتح مكة، فوقف عليه وهو في المسجد بين ظهراني القوم فقال: لأهم انى ناشد محمدا * حلف أبينا وأبيه الا تلدا (1) - ان قريشا أخلفوك الموعدا * ونقضوا ميثاقك الموكدا - وقتلونا ركعا وسجدا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: حسبك يا عمرو ثم قام فدخل دار ميمونة وقال: اسكبي لي ماء، فجعل يغتسل وهو يقول: لا نصرت ان لم أنصر بنى كعب وهم رهط عمرو بن سالم، ثم خرج بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من خزاعة حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وآله فأخبروه بما أصيب منهم ومظاهرة قريش بنى بكر عليهم ثم انصرفوا راجعين إلى مكة، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله قال للناس: كأنكم بأبي سفيان قد جاء ليشدد العقد ويزيد في المدة وسيلقى بديل بن ورقاء فلقوا أبا سفيان بعسفان (2) وقد بعثته قريش إلى النبي صلى الله عليه وآله ليشدد العقد فلما ألقى أبو سفيان بديلا قال: من أين أقبلت يا بديل قال: سرت في هذا الساحل وفى بطن هذا الوادي قال: ما أتيت محمدا؟قال: لا فلما راح بديل إلى مكة قال أبو سفيان: لئن كان جاء من المدينة لقد علف بها النوى فعمد إلى مبرك ناقته وأخذ من بعرها ففت فرأى فيه النوى فقال: أحلف بالله لقد جاء بديل محمدا ثم خرج أبو سفيان حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: يا محمد احقن دم قومك واجر بين قريش وزدنا في المدة، فقال: أغدرتم يا أبا سفيان؟قال: لا قال: فنحن على ما كنا عليه، فخرج فلقى أبا بكر فقال: اجر بين قريش قال: ويحك واحد يجير على رسول الله صلى الله عليه وآله؟ثم لقى عمر بن الخطاب فقال له مثل ذلك، ثم خرج فدخل على أم حبيبة فذهب ليجلس على الفراش فأهوت إلى الفراش فطوته فقال: يا بنية أرغبة بهذا الفراش عنى؟فقالت نعم هذا فراش رسول الله صلى الله عليه وآله ما كنت لتجلس عليه وأنت رجس مشرك، ثم خرج فدخل على فاطمة فقال: يا بنت سيد العرب تجيرين بين قريش وتزيدين في المدة فتكونين أكرم سيدة في الناس؟فقالت: جواري جوار رسول الله فقال أتأمرين ابنيك ان يجيرا بين الناس؟قالت: والله ما بلغ ابناي ان يجيرا بين الناس وما يجير على رسول الله أحد، فقال: يا أبا الحسن انى أرى الأمور قد اشتدت على فانصحني، فقال: أنت شيخ قريش فقم على باب المسجد واجر بين قريش ثم ألحق بأرضك، قال: وترى ذلك مغنيا عنى شيئا؟قال: لا والله ما أظن ذلك ولكن لا أجد لك غير ذلك، فقام أبو سفيان في المسجد فقال: أيها الناس انى قد أجرت بين قريش ثم ركب بعيره فانطلق، فلما أن قدم على قريش قالوا: ما وراك فأخبرهم بالقصة فقالوا: والله ان زاد ابن أبي طالب على أن لعب بك فما يغنى عنا ما قلت، قال: لا والله ما وجدت غير ذلك، قال: فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله بالجهاد لحرب مكة وامر الناس بالتهيؤ وقال: اللهم خذ العيون والاخبار عن قريش حتى نبغتها (3) في بلادها، وكتب حاطب بن أبي بلتعة إلى قريش فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله الخبر من السماء، فبعث عليا عليه السلام والزبير حتى اخذا كتابه من امرأة وقد مضت هذه القصة في سورة الممتحنة.

ثم استخلف رسول الله صلى الله عليه وآله ابارهم الغفاري وخرج عامدا إلى مكة لعشر مضين من شهر رمضان سنة ثمان في عشرة آلاف من المسلمين ونحو من أربعمأة فارس ولم يتخلف من المهاجرين والأنصار عنه أحد وكان أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وعبد الله بن أمية بن المغيرة قد لقيا رسول الله صلى الله عليه وآله بنيق العقاب فيما بين مكة والمدينة، فالتمسا الدخول عليه فلم يأذن لهما فكلمته أم سلمة فيهما فقالت: يا رسول الله ابن عمك و ابن عمتك وصهرك؟قال: لا حاجة لي فيهما اما ابن عمى فهتك عرضى، واما ابن عمى وصهري فهو الذي قال لي بمكة ما قال، فلما خرج الخبر إليهما بذلك ومع أبي سفيان بنى له فقال: والله ليؤذنن لي أو لاخذن بيد ابني هذا ثم لنذهبن في الأرض حتى نموت عطشا وجوعا، فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله رق لهما فأذن لهما، فدخلا عليه فأسلما فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وآله مر الظهران وقد غمت الاخبار (4) عن قريش فلا يأتيهم عن رسول الله صلى الله عليه وآله خبر خرج في تلك الليلة أبو سفيان بن حرب وحكيم بن حزام و بديل بن ورقاء يتجسسون الاخبار، وقد قال العباس للبيد: يا سوء صباح قريش، والله لئن بغتها رسول الله صلى الله عليه وآله في بلادها فدخل مكة عنوة انه لهلاك قريش إلى آخر الدهر، فخرج على بغلة رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: اخرج إلى الأراك لعلى أرى حطابا أو صاحب لبن أو داخلا يدخل مكة فيخبرهم بمكان رسول الله صلى الله عليه وآله فيأتونه فيستأمنونه، قال العباس: فوالله انى لأطوف في الأراك التمس ما خرجت له إذا سمعت صوت أبى - سفيان وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء، وسمعت أبا سفيان يقول: والله ما رأيت كاليوم قط نيرانا؟فقال بديل: هذه نيران خزاعة، فقال أبو سفيان: خزاعة ألام من ذلك، قال: فعرفت صوته فقلت: يا أبا حنظلة يعنى أبا سفيان فقال: يا أبو الفضل؟فقلت: نعم قال: لبيك فداك أبي وأمي ما وراك؟فقلت: هذا رسول الله وراك قد جاء بما لا قبل لكم به بعشرة آلاف من المسلمين، قال: فما تأمرني؟فقلت: تركب عجز هذه البغلة فأستأمن لك رسول الله صلى الله عليه وآله، فوالله لئن ظفر بك ليضربن عنقك فردفني فخرجت أركض به بغلة رسول الله صلى الله عليه وآله، فكلما مررت بنار من نيران المسلمين قالوا: هذا عم رسول الله صلى الله عليه وآله على بغلة رسول الله صلى الله عليه وآله حتى مررت بنار عمر بن الخطاب.

فقال: يعنى عمر يا أبا سفيان الحمد لله الذي أمكن منك بغير عهد ولا عقد، ثم اشتد نحو رسول الله صلى الله عليه وآله وركضت البغلة حتى اقتحمت باب القبة و سبقت عمر بما يسبق به الدابة البطيئة الرجل البطئ فدخل عمر فقال: يا رسول الله هذا أبو سفيان عدو الله قد أمكن الله منه بغير عهد ولا عقد فدعني أضرب عنقه، فقلت: يا رسول الله انى قد أجرته ثم جلست إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وأخذت برأسه، وقلت: لا يناجيه اليوم أحد دوني فلما أكثر فيه عمر قلت: مهلا يا عمر ما تصنع هذا بالرجل الا انه رجل من بنى عبد مناف، ولو كان من عدى بن كعب ما قلت هذا؟قال: مهلا يا عباس فوالله لاسلامك يوم أسلمت كان أحب إلى من اسلام الخطاب لو أسلم، فقال صلى الله عليه وآله: اذهب فقد آمناه حتى تغدو به على بالغداة، قال: فلما أصبح غدوت به على رسول الله صلى الله عليه وآله فلما رآه قال: ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله؟فقال: بأبي أنت وأمي ما أوصلك وأكرمك وأرحمك وأحلمك، والله لقد ظننت ان لو كان معه اله لاغنى يوم بدر ويوم أحد، فقال: ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك ان تعلم انى رسول الله؟فقال: بأبي أنت وأمي اما هذه فان في النفس منها شيئا؟قال العباس: فقلت له؟ويلك اشهد بشهادة الحق قبل ان تضرب عنقك فتشهد، فقال صلى الله عليه وآله للعباس: اذهب يا عباس فاحبسه عند مضيق الوادي حتى تمر عليه جنودا لله، فحبسه عند خطم الجبل (5) بمضيق الوادي ومر عليه القبايل قبيلة قبيلة وهو يقول: من هؤلاء من هؤلاء؟ وأقول: أسلم وجهينة وفلان حتى مر رسول الله صلى الله عليه وآله في الكتيبة الخضراء (6) من المهاجرين والأنصار في الحديد لا يرى الا الحدق فقال: من هؤلاء يا أبا الفضل؟قلت: هذا رسول الله صلى الله عليه وآله في المهاجرين و الأنصار، فقال يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيما؟فقلت: ويحك انها النبوة فقال: نعم إذا، وجاء حكيم بن حزام وبديل بن ورقاء رسول الله صلى الله عليه وآله فأسلما وبايعاه فلما بايعاه بعثهما رسول الله صلى الله عليه وآله بين يديه إلى قريش يدعوانهم إلى الاسلام وقال: من دخل دار أبي سفيان وهي بأعلى مكة فهو آمن، ومن دخل دار حكيم وهي بأسفل مكة فهو آمن، ومن أغلق بابه وكف يده فهو آمن.

ولما خرج أبو سفيان وحكيم من عند رسول الله صلى الله عليه وآله عامدين إلى مكة بعث في أثرهما الزبير وأمره على خيل المهاجرين وأمره أن يغرز رايته بأعلى مكة بالجحون، وقال: لا تبرح حتى آتيك ثم دخل صلى الله عليه وآله بمكة وضرب خيمته هناك، وبعث سعد بن عبادة في كتيبة من الأنصار في مقدمته وبعث خالد بن الوليد فيمن كان أسلم من قضاعة وبنى سليم وأمره أن يدخل من أسفل مكة ويغرز رايته دون البيوت، وأمرهم رسول الله صلى الله عليه وآله جميعا أن يكفوا أيديهم ولا يقاتلوا الا من قاتلهم، وأمرهم بقتل أربعة نفر: سعد بن أبي سرح، والحويرث بن نفيل وابن خطل (7) و مقيس بن صبابة، وأمرهم بقتل قينتين كانتا تغنيان بهجاء رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: اقتلوهم ولو وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة; فقتل علي عليه السلام الحويرث بن نفيل واحدى القينتين وأفلتت الأخرى، وقتل مقيس بن صبابة في السوق وأدرك ابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة، فاستبق إليه سعيد بن حريث وعمار بن ياسر فسبق سعيد عمارا فقتله، وسعى أبو سفيان إلى رسول الله صلى الله عليه وآله واخذ غرزه (8) فقبله ثم قال: بأبي أنت وأمي اما تسمع ما يقول سعد؟أنه يقول: واليوم يوم الملحمة * اليوم تسبى الحرمة (9) فقال صلى الله عليه وآله لعلى عليه السلام: أدركه فخذ الراية منه وكن أنت الذي يدخل بها وادخلها ادخالا رفيقا، فأخذها علي عليه السلام وادخلها كما أمر، ولما دخل رسول الله صلى الله عليه وآله مكة دخل صناديد قريش الكعبة وهم يظنون أن السيف لا يرفع عنهم، واتى رسول الله صلى الله عليه وآله ووقف قائما على باب الكعبة فقال: لا إله إلا الله وحده، انجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، الا ان كل مال ومأثرة (10) ودم يدعى فهو تحت قدمي هاتين الا سدانة الكعبة وسقاية الحاج، فإنهما مردودتان إلى أهليهما، الا ان مكة محرمة بتحريم الله لم تحل لاحد كان قبلي ولم تحل لي الا ساعة من نهار وهي محرمة إلى أن تقوم الساعة، لا يختلى خلاها (11) ولا يقطع شجرها، ولا ينفر صيدها، ولا تحل لقطتها الا لمنشد، ثم قال: الا لبئس جيران النبي كنتم لقد كذبتم و طردتم وأخرجتم وآذيتم ثم ما رضيتم حتى جئتموني في بلادي تقاتلوني فاذهبوا فأنتم الطلقاء فخرج القوم كأنما انشروا من القبور ودخلوا في الاسلام، وكان الله سبحانه أمكنه من رقابهم عنوة، كانوا له فيئا فلذلك سمى أهل مكة الطلقاء وجاء ابن الزبعرى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: يا رسول الاله ان لساني * راتق ما فتقت إذ أنا بور (12) - إذ أباري الشيطان في سنن * الغى ومن مال مثله مثبور (13) - من اللحم والعظام لربى * ثم نفسي الشهيد أنت النذير.

13 - وعن ابن مسعود قال: دخل النبي صلى الله عليه وآله يوم الفتح وحول البيت ثلاثمائة وستون صنما، فجعل يطعنها بعود في يده ويقول: " جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد " " جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا ".

14 - وعن ابن عباس قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وآله مكة أبى ان يدخل البيت وفيه الألهة، فأمر بها فأخرجت صورة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام وفى أيديهما الأزلام، فقال صلى الله عليه وآله: قاتلهم الله اما والله لقد علموا انهما لم يستقسما بها قط.


1- عسفان - كعثمان -: موضع بين مكة والمدينة، بينة وبين مكة مرحلتان.

2- من البغتة.

3- مر الظهران: موضع على مرحلة من مكة. وغم عليه الامر: خفى.

4- الخطم والخطمة: رعن الجبل وهو الانف النادر منه، أمر (ص) بحبسه في الموضع المتضايق الذي يزحم الخيل بعضها بعضا فيراها جميعا وتكثر في عينه بمرورها في ذلك الموضع الضيق، فان الانف النادر من الجبل يضيق الموضع الذي يخرج فيه.

5- كتبية خضراء: إذا غلب عليها لبس الحديد، شبه سواده بالخضرة والعرب تطلق الخضرة على السواد.

6- واسمه عبد الله.

7- أي ركابه.

8- الملحمة: الوقعة العظيمة والقتل.

9- المأثرة: المفاخرة.

10- الخلا - مقصورا -: النبات الرقيق ما دام رطبا، واختلاؤه: قطعه.

11- رجل بور: أي هالك.

12- قوله أباري أي أعارض وأجارى. والسنن: وسط الطريق والثبور: الهلاك.

13- قال ابن منظور: والعرب تقول: إذا نذرت بغارة من الخيل تفجؤهم صباحا: يا صباحاه، ينذرون الحي أجمع بالنداء العالي ثم ذكر الحديث وقال: هذه كلمة تقولها العرب إذا صاحوا للغارة لأنهم أكثر ما يغيرون عند الصباح ويسمون يوم الغارة يوم الصباح ; فكأن القائل: يا صباحاه يقول قد غشينا العدو.