تفسير سورة العاديات
1 - في كتاب ثواب الأعمال باسناده عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من قرأ سورة العاديات وأدمن قراءته بعثه الله عز وجل مع أمير المؤمنين عليه السلام يوم القيامة خاصة و كان في حجره ورفقائه.
2 - في مجمع البيان أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وآله قال من قرأها اعطى من الاجر عشر حسنات، بعدد من بات بالمزدلفة وشهد جمعا.
3 - في أمالي شيخ الطائفة قدس سره إبراهيم بن إسحاق الأحمري قال: حدثنا محمد بن ثابت وأبو المغراء العجلي قال: حدثني الحلبي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل والعاديات ضبحا قال: وجه رسول الله صلى الله عليه وآله عمر بن الخطاب في سرية فرجع منهزما يجبن أصحابه ويجبنونه أصحابه، فلما انتهى إلى النبي صلى الله عليه وآله قال لعلي: أنت صاحب القوم فتهيأ أنت ومن تريد من فرسان المهاجرين والأنصار، فوجهه رسول الله صلى الله عليه وآله وقال له: أكمن النهار وسر الليل ولا تفارقك العين، قال: فانتهى علي عليه السلام إلى ما أمره رسول الله صلى الله عليه وآله فسار إليهم، فلما كان عند وجه الصبح أغار عليهم فأنزل الله عليه نبيه صلى الله عليه وآله " والعاديات ضبحا " إلى آخرها.
4 - في تفسير علي بن إبراهيم حدثنا جعفر بن أحمد عن عبيد بن موسى قال: حدثنا الحسن بن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي عبد الله صلى الله عليه وآله في قوله: " و العاديات ضبحا " قال: هذه السورة نزلت في أهل وادى اليابس، قال: قلت: وما كان حالهم وقصتهم؟قال: إن أهل وادى اليابس اجتمعوا اثنى عشر ألف فارس و تعاقدوا وتعاهدوا وتواثقوا أن لا يتخلف رجل عن رجل، ولا يخذل أحد أحدا ولا يفر رجل عن صاحبه حتى يموتوا كلهم على حلف واحد، ويقتلوا محمدا صلى الله عليه وآله وعلي بن أبي طالب عليه السلام (1) فنزل جبرئيل عليه السلام على محمد صلى الله عليه وآله فأخبره بقصتهم وما تعاقدوا عليه وتوافقوا وأمره أن يبعث أبا بكر إليهم في أربعة آلاف فارس من المهاجرين والأنصار، فصعد رسول الله صلى الله عليه وآله المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا معشر المهاجرين والأنصار ان جبرئيل قد اخبرني ان أهل وادى اليابس اثنى عشر ألفا قد استعدوا وتعاهدوا وتعاقدوا على أن لا يغدر رجل منهم بصاحبه ولا يفر عنه ولا يخذله حتى يقتلوني واخى علي بن أبي طالب، وأمرني ان أسير إليهم أبا بكر في أربعة آلاف فارس فخذوا في امركم واستعدوا لعدوكم وانهضوا إليهم على اسم الله وبركته يوم الاثنين إن شاء الله فأخذ المسلمون في عدتهم وتهيئوا وامر رسول الله صلى الله عليه وآله أبا بكر بأمره، وكان فيما امره به انه إذا رآهم ان يعرض عليهم الاسلام فان بايعوا والا واقفهم فاقتل مقاتليهم واسب ذراريهم واستبح أموالهم وخرب ضياعهم وديارهم فمضى أبو بكر ومن معه من المهاجرين والأنصار في أحسن عدة وأحسن هيئة يسير بهم سيرا رفيقا حتى انتهوا إلى أهل وادى اليابس، فلما بلغ القوم نزول القوم عليهم ونزل أبو بكر وأصحابه قريبا منهم خرج إليهم من أهل وادى اليابس مأتا رجل مدحجين بالسلاح (2) فلما صادفوهم قالوا لهم: من أنتم ومن أين أقبلتم وأين تريدون ليخرج إلينا صاحبكم حتى نكلمه، فخرج إليهم أبو بكر في نفر من أصحابه المسلمين، فقال لهم: أنا أبو بكر صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله، قالوا: ما أقدمك علينا؟قال: امرني صلى الله عليه وآله ان اعرض عليكم الاسلام وان تدخلوا فيما دخل فيه المسلمون ولكم مالهم وعليكم ما عليهم والا فالحرب بيننا وبينكم، قالوا له: واللات والعزى لولا رحم ماسة وقرابة قريبة لقتلناك وجميع أصحابك قتلة تكون حديثا لمن يكون بعدكم، فارجع أنت ومن معك واربحوا العافية، فانا انما نريد صاحبكم بعينه وأخاه علي بن أبي طالب، فقال أبو بكر لأصحابه: يا قوم القوم أكثر منكم اضعافا واعد منكم وقد نأت داركم عن اخوانكم من المسلمين فارجعوا نعلم رسول الله بحال القوم، فقالوا له جميعا: خالفت يا أبا بكر رسول الله صلى الله عليه وآله وما امرك به فاتق الله وواقع القوم ولا تخالف قول رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال: انى اعلم ما لا تعلمون والشاهد يرى ما لا يرى الغائب، فانصرف وانصرف الناس أجمعون.
فأخبر النبي صلى الله عليه وآله بمقالة القوم له وما رد عليهم أبو بكر فقال صلى الله عليه وآله: يا أبا بكر خالفت امرى ولم تفعل ما أمرتك وكنت لي والله عاصيا فيما أمرتك، فقام النبي صلى الله عليه وآله وصعد المنبر وحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا معشر المسلمين انى أمرت أبا بكر ان يسير إلى أهل وادى اليابس وان يعرض عليهم السلام ويدعوهم إلى الله فان أجابوا والا واقعهم وانه سار إليهم وخرج منهم مأتا رجل، فلما سمع كلامهم وما استقبلوه به انتفخ صدره ودخله الرعب منهم وترك قولي ولم يطع امرى، وان جبرئيل امرني عن الله ان أبعث إليهم عمر مكانه في أصحابه في أربعة آلاف فارس، فسر يا عمر على اسم الله ولا تعمل كما عمل أبو بكر أخوك فإنه قد عصا الله وعصاني وأمره بما أمر به أبا بكر، فخرج عمر والمهاجرين والأنصار الذين كانوا مع أبي بكر يقصدونهم في مسيرهم حتى شارف القوم وكان قريبا بحيث يراهم ويرونهم، وخرج إليهم مأتا رجل فقالوا له ولأصحابه مثل مقالتهم لأبي بكر فانصرف وانصرف الناس معه وكاد ان يطير قلبه مما رأى من عدة القوم وجمعهم، ورجع يهرب منهم، فنزل جبرئيل وأخبر رسول الله صلى الله عليه وآله بما صنع عمر وانه قد انصرف وانصرف المسلمون معه، فصعد النبي صلى الله عليه وآله المنبر فحمد الله وأثنى عليه وأخبر بما صنع عمر وما كان منه وانه قد انصرف وانصرف المسلمون معه مخالفا لأمري عاصيا لقولي، فقدم عليه فأخبره مثل ما اخبره به صاحبه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: يا عمر عصيت الله في عرشه وعصيتني وخالفت قولي وعملت برأيك ألا قبح الله رأيك، وان جبرئيل عليه السلام قد امرني ان ابعث علي بن أبي طالب في هؤلاء المسلمون وأخبرني ان الله يفتح عليه وعلى أصحابه فدعا عليا عليه السلام وأوصاه بما أوصى أبا بكر وعمر وأصحابه الأربعة آلاف، وأخبره ان الله سيفتح عليه وعلى أصحابه.
فخرج على ومعه المهاجرون والأنصار وسار بهم غير سير أبى بكر وعمر وذلك أنه أعنف (3) في السير حتى خافوا ان ينقطعوا من التعب وتحفى دوابهم (4) فقال لهم: لا تخافوا فان رسول الله صلى الله عليه وآله قد امرني بأمر وأخبرني ان الله سيفتح على وعليكم فأبشروا فإنكم على خير والى خير، فطابت نفوسهم وقلوبهم وساروا على ذلك السير المتعب حتى إذا كانوا قريبا منهم حيث يرونه ويراهم أمر أصحابه ان ينزلوا، وسمع أهل وادى اليابس بمقدم علي بن أبي طالب وأصحابه فخرج إليه منهم مأتا رجل شاكين في السلاح، فلما رآهم علي عليه السلام خرج إليهم في نفر من أصحابه فقالوا لهم: من أنتم ومن أين أقبلتم وأين تريدون؟قال: انا علي بن أبي طالب ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله واخوه ورسوله إليكم أدعوكم إلى شهادة ان لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، ولكم ان آمنتم ما للمسلمين وعليكم ما على المسلمين من خير وشر، فقالوا له: إياك أردنا وأنت طلبتنا قد سمعنا مقالتك فخذ حذرك واستعد للحرب العوان (5) واعلم انا قاتلوك وقاتلوا أصحابك والموعود فيما بيننا وبينك غدا ضحوة وقد اعذرنا فيما بيننا وبينك، فقال لهم علي عليه السلام: ويلكم تهددوني بكثرتكم وجمعكم فأنا أستعين بالله وملائكته والمسلمين عليكم ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.
فانصرفوا إلى مراكزهم وانصرف علي عليه السلام إلى مركزه، فلما جنه الليل أمر أصحابه ان يحسنوا إلى دوابهم ويقضموا (6) ويسرجوا، فلما انشق عمود الصبح صلى بالناس بغلس (7) ثم غار عليهم وبأصحابهم فلم يعلموا حتى وطئتهم الخيل فما أدرك آخر أصحابه حتى قتل مقاتليهم وسبى ذراريهم واستباح أموالهم وخرب ديارهم واقبل بالأسارى والأموال معه، فنزل جبرئيل عليه السلام فأخبر رسول الله صلى الله عليه وآله بما فتح الله على على وجماعة المسلمين، وصعد رسول الله صلى الله عليه وآله المنبر فحمد الله وأثنى عليه وأخبر الناس بما فتح الله على المسلمين واعلمهم انه لم يصب منهم (8) منهم الا رجلان ونزل فخرج يستقبل عليا في جميع أهل المدينة من المسلمين حتى لقيه على ثلاثة أميال من المدينة، فلما رآه على مقبلا نزل عن دابته ونزل النبي صلى الله عليه وآله حتى التزمه وقبل ما بين عينيه فنزل جماعة من المسلمين إلى علي عليه السلام حيث نزل رسول الله صلى الله عليه وآله واقبل بالغنيمة والأسارى وما رزقهم الله من أهل وادى اليابس ثم قال جعفر بن محمد صلى الله عليه وآله: : ما غنم المسلمون مثلها قط الا أن يكون من خيبر فإنها مثل خيبر وانزل الله تبارك وتعالى في ذلك اليوم هذه السورة " والعاديات ضبحا " يعنى بالعاديات الخيل تعدو بالرجال، والضبح صيحتها في أعنتها ولجمها.
5 - في مجمع البيان " والعاديات ضبحا " قيل هي الخيل في الغزو تعدو في سبيل الله إلى قوله: وقيل هي الإبل حين ذهب إلى غزوة بدر، تمد أعناقها في السير فهي تضبح أي تضبع روى ذلك عن علي عليه السلام.
6 - وروى أيضا انها إبل الحاج تغدو من عرفة إلى المزدلفة، ومن المزدلفة إلى منى واختلف الروايات فيه فروى عن أبي صالح أنه قال: قاولت فيه عكرمة فقال عكرمة: قال ابن عباس: هي الخيل في القتال فقلت انا: قال علي عليه السلام: هي الإبل في الحج وقلت: مولاي اعلم من مولاك.
7 - وفى رواية أخرى ان ابن عباس قال: هي الخيل ألا تراه قال: فاثرن به نقعا فهل تثيره الا بحوافرها، وهل تضبح الإبل انما تضبح الخيل، فقال علي عليه السلام: ليس كما قلت لقد رأيتنا يوم بدر وما معنا الا فرس أبلق للمقداد بن الأسود.
8 - وفى رواية أخرى لمرثد بن أبي مرثد الغنوي وروى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال: بينما انا في الحجر جالس إذ اتاني رجل فسأل عن " العاديات ضبحا " فقلت له: الخيل حين تغزو في سبيل الله ثم تأوى إلى الليل فيصنعون طعامهم ويورون نارهم، فانفتل عنى وذهب إلى علي بن أبي طالب عليه السلام وهو تحت سقاية زمزم فسأله عن " العاديات ضبحا " فقال: سألت عنها أحدا قبلي؟قال: نعم سألت عنها ابن عباس، فقال: الخيل حين تغزو في سبيل الله قال: فاذهب فادعه لي، فلما وقف على رأسه قال: تفتى الناس بما لا علم لك به؟والله إن كانت لأول غزوة في الاسلام بدر و ما كان معنا الا فرسان: فرس للزبير وفرس للمقداد بن الأسود، فكيف يكون العاديات الخيل؟العاديات ضبحا الإبل من عرفة إلى المزدلفة ومن مزدلفة إلى منى، قال ابن عباس: فرغبت عن قولي ورجعت إلى الذي قاله علي عليه السلام.
9 - في تفسير علي بن إبراهيم ثم قال علي بن إبراهيم في قوله: " والعاديات ضبحا " أي عدوا عليهم في الضبح، ضباح الكلاب صوتها فالموريات قدحا كانت بلادهم فيها حجارة فإذا وطيتها سنابك الخيل (9) كاد تنقدح منها النار فالمغيرات صبحا أي صبحهم بالغارة.
10 - وفيه متصل بآخر ما نقلناه من الحديث السابق أعنى قوله ولجمها " فالموريات قدحا * فالمغيرات صبحا " فقد أخبرك انها غارت عليهم صبحا قلت: قوله إن الانسان لربه لكنود قال: الكفور وانه على ذلك لشهيد قال: يعنيهما قد شهدا جميعا وادى اليابس وكانا لحب الحياة حريصان قلت: قوله: فاثرن به نقعا قال: يعنى الخيل يأثرن بالوادي نقعا فوسطن به جمعا قد شهدا جميعا وادى اليابس.
11 - وفيه متصل بقوله قريبا أي صبحهم بالغارة " فأثرن به نقعا " قال: ثارت الغبرة من ركض الخيل " فوسطن به جمعا " قال: توسط المشركون بجمعهم.
12 - في مجمع البيان في الشواذ قراءة علي عليه السلام " فوسطن " بتشديد السين
13 - " ان الانسان لربه لكنود " روى أبو امامة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: أتدرون من الكنود؟قالوا: الله ورسوله اعلم، قال: الكنود الذي يأكل وحده ويمنع رفده ويضرب عبده.
14 - في تفسير علي بن إبراهيم متصل بقوله: بجمعهم " ان الانسان لربه لكنود " أي كفور وهما الذين أمرا وأشارا على أمير المؤمنين عليه السلام ان يدع الطريق مما حسداه وكان على صلوات الله عليه قد اخذ بهم على غير الطريق الذي اخذ فيه أبو بكر وعمر، فعلما انه يظفر بالقوم، فقال عمرو بن العاص لأبي بكر: ان عليا غلام حدث لا علم له بالطريق وهذا طريق مسبع (10) لا يأمن فيه من السباع، فمشيا إليه وقالا له: يا أبا الحسن هذا الطريق الذي أخذت فيه طريق مسبع فلو رجعت إلى الطريق؟فقال لهما أمير المؤمنين عليه السلام: الزما رحالكما وكفا عما لا يعنيكما واسمعا وأطيعا فانى اعلم بما اصنع فسكتا، قوله وانه على ذلك لشهيد أي على العداوة وانه لحب الخير لشديد يعنى حب الحياة حيث خافوا السباع على أنفسهما فقال الله عز وجل: أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور وحصل ما في الصدور أي يجمع ويظهر ان ربهم بهم يومئذ لخبير
15 - وفيه متصل بآخر ما نقلنا من الحديث أعني قوله: حريصان قلت: قوله: " أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور * وحصل ما في الصدور * ان ربهم بهم يومئذ لخبير " قال: نزلت الآيتان فيهما خاصة، كانا يضمران ضمير السوء ويعملان به، فأخبر الله خبرهما و فعالهما; فهذه قصة أهل وادى اليابس وتفسير العاديات.
1- المدحج: الشاك في السلاح.
2- أي أشد ولم يرفق بهم.
3- حفى الفرس: دقت حافره من كثرة السير.
4- الحرب العوان: التي قوتل فيها مرة، والحرب العوان أشد الحروب.
5- القضم: أكل الشئ اليابس. واللفظ كناية.
6- الغلس - بفتحتين -: ظلمة آخر الليل.
7- أي لم يقتل منهم. وفى البرهان " لم يقتل منهم " مكان " لم يصب منهم ".
8- السنابك جمع السنبك - كقنفذ -: طرف الحافر.
9- أي تكثر فيه السباع.
10- القيح: المدة البيضاء التي لا يخالطها دم.