سورة الماعون

وتسمى سورة (أرأيت) مكية في قول ابن عباس وقال الضحاك مدنية وهي سبع آيات في الكوفي والبصري وست في المدنيين. عد أهل الكوفة والبصري (يراؤن) رأس آية، يجوز أن يقال (أريت) بحذف الهمزة. ولا يجوز ان يقال (ريت) لان ألف الاستفهام يصير غيرها

بسم الله الرحمن الرحيم

قوله تعالى: ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ، فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ، وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ، فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ، الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ، الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ، وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ﴾

قوله (أرأيت) خطاب للنبي صلى الله عليه وآله على وجه التعجيب له من الكافر (الذي يكذب بالدين) وذهابه عن الايمان به مع وضوح الامر فيه وقيام الدلالة على صحته والمراد بالدين الجزاء من الثواب والعقاب، فالتكذيب بالجزاء من أضر شئ على صاحبه، لأنه يعدم به أكثر الدواعي إلى الخير، والصوارف عن الشر، فهو يتهالك في الاسراع إلى الشر الذي يدعوه إليه طبعه لا يخاف عاقبة الضرر فيه. وقوله (فذلك الذي يدع اليتيم) وصف الذي يكذب بالدين، فبين أن من صفته أنه يدع اليتيم، ومعناه يدفعه عنفا، وذلك لأنه لا يؤمن بالجزاء عليه، فليس له رادع عنه، كما لمن يقر بأنه يكافئ عليه، دعه يدعه دعا إذا دفعه دفعا شديدا، وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة (يدع اليتيم) معناه يدفعه عن حقه. وقوله (ولا يحض على طعام المسكين) معناه ولا يجث على طعام المسكين بخلا به، لأنه لو كان لا يحض عليه عجزا عنه لم يذم به، وكذلك لو لم يحض عليه من غير قبيح كان منه لم يذم عليه، لان الذم لا يستحق إلا بما له صفة الوجوب إذ أخل به أو القبيح إذا فعله على وجه مخصوص. وقوله (فويل للمصلين) تهديد لمن يصلي على وجه الرياء والسمعة. إنما أطلق مع أنه رأس آية يقتضي تمام الجملة، لأنه معرف بما يدل على أنه أراد من يصلي على جهة الرياء والنفاق. ثم بين ذلك بقوله (الذين هم عن صلاتهم ساهون) قال ابن عباس ومسروق: معناه يؤخرونها عن وقتها، وقال قتادة: معناه غافلون وقال مجاهد: لاهون كأنهم يسهون للهوهم عنها واللهو يوجب تأخيرها عن وقتها لأنه قال عن صلاتهم. وقيل: ساهون فيها (الذين هم يراؤن) معناه إنه يراؤن بصلاتهم الناس دون أن يتقربوا بها إلى الله. وإنما ذم السهو في الصلاة مع أنه ليس من فعل العبد بل هو من فعل الله، لان الذم توجه في الحقيقة على التعرض للسهو بدخوله فيها وجه الرياء وقلبه مشغول بغيرها، لا يرى لها منزلة تقتضي صرف الهم إليها. وقوله (ويمنعون الماعون) قال أبو عبيدة: كل ما فيه منفعة، فهو الماعون. وقال الأعشى:

بأجود منه بما عونه * إذا ما سماؤهم لم تغم (1)

وقال الراعي:

قوم على الاسلام لما يمنعوا * ماعونهم ويضيعوا التنزيلا (2)

وقال اعرابي في ناقة: إنها تعطيك الماعون أي تنقاد لك، والماعون أصله القلة من قولهم: المعن القليل قال الشاعر: فان هلاك مالك غير معن أي غير قليل، فالماعون القليل القيمة مما فيه منفعة من آلة البيت نحو الفاس والمقدحة والإبرة والدلو - وهو قول ابن مسعود وابن عباس وإبراهيم وأبي مالك وسعيد ابن جبير - وسئل عكرمة فقيل له: من منع ذلك فالويل له؟قال: لا، ولكن من جمع ذلك بأن صلى ساهيا مرائيا ومنع هذا وقوله (فويل للمصلين) وهو يعني المنافقين، فدل على أن السورة مدنية لأنه لم يكن بمكة نفاق، ويقال: معن الوادي إذا جرت مياهه قليلا قليلا. والماء المعين الجاري قليلا قليلا. وأمعن في الامر إذا أبعد فيه قليلا قليلا. وروي عن علي عليه السلام أنه قال: الماعون الزكاة، وهو قول ابن عمر والحسن وقتادة والضحاك وقال الشاعر: بمج صبيره الماعون صبا (3) فالصبير السحاب. وقال أنس بن مالك: الحمد لله الذي لم يجعلها في صلاتهم وإنما جعلها عن صلاتهم، فتأولها من تركها متعمدا. والمراد بالصلاة هنا الفرض.


1- ديوانه (199 واللسان (معن) ومجاز القرآن 2 / 313.

2- اللسان (معن) ومجاز القرآن 2 / 315 وقد مر في 7 / 373.

3- القرطبي 20 / 219 والشوكاني 5 / 487.