سورة الفيل

مكية في قول ابن عباس والضحاك وهي خمس آيات بلا خلاف

بسم الله الرحمن الرحيم

قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ، أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ، وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ، تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ، فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ﴾

هذا خطاب من الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وآله ويتوجه إلى جميع المكلفين من قومه، يقول لهم على وجه التنبيه على عظم الآية التي أظهرها والمعجزة التي فعلها، منبها بذلك على توحيده ووجوب إخلاص العبادة له، فقال (ألم تر) ومعناه ألم تعلم، فالرؤية - ههنا - بمعنى العلم، لان رؤية البصر لا تتعلق بما قد تقضى وعدم، كأنه قال: ألم تعلم (كيف فعل ربك بأصحاب الفيل) الذين قصدوا هدم البيت وهلاك أهله، فأهلكهم الله تعالى، وكان الذي قصد لهدم البيت أبرهة ابن الصباح. وهو المعروف بأبرهة الأشرم، ويكنى أبا يكسوم. وقيل: إنه لم يسلم من قومه غيره، فولى إلى أهله فكل ما نزل منزلا تساقط منه عضو فلما وصل إليهم أخبرهم الخبر ثم هلك، وكان أبرهة رجلا من اليمن ملكته الحبشة عليهم، وكان سبب قصده إياها لتخريبها أنه بنى كنيسة عظيمة أراد ان يحج إليها بدل الكعبة. وقال الحسن: كان السبب في ذلك أن العرب هدمت كنيسة للحبشة، وهم نصارى، فأراد تخريب الكعبة في مقابلة ذلك، فاقبل في جمع كثيف معه أفيلة، فجعل الله كيدهم في تضليل عما قصدوا له من تخريب الكعبة (وأرسل عليهم طيرا أبابيل) فمعنى أبابيل جماعات في تفرقة زمرة وزمرة لا واحد لها - في قول أبي عبيدة والفراء - كما لا واحد للعباديد والشماطيط. وزعم أبو جعفر الرواسي أنه يسمع في واحدها أبالة. وقال الكسائي: سمعت النحويين يقولون واحده (أبول) مثل (عجول) وقال بعضهم: (ابيل) وقال ابن عباس معنى أبابيل يتبع بعضها بعضا. وقال قتادة: معنى أبابيل كثيرة متتابعة. وقيل: إنها كانت سود الجرية تحمل في مناقيرها واكفها الحجارة - في قول عبيد بن عمير - وقيل: كان مع كل طائر ثلاثة أحجار اثنان في رجليه وواحد في منقاره، وقال موسى بن أبي عائشة: كانت الحجارة أكبر من العدسة وأصغر من الحمصة وقيل كان الحجر يقع على رأس الرجل فيخرج من دبره. وقيل: إن المعروف بأبرهة الأشرم الذي ملكته الحبشة كان يكنى أبا يكسوم وقيل: إنه لم يسلم من قومه غيره فولى إلى أهله وكلما نزل منزلا تساقط منه عضو فلما وصل إليهم اخبرهم الخبر ثم هلك. وقيل كان الفيل إذا وجهوه نحو مكة وقف ولم يسر، وإذا وجهوه إلى جهة غيرها سار إنذارا من الله لهم وموعظة، وكان هذا من أعظم المعجزات في ذلك الوقت أظهره الله تعالى ليدل به على وجوب معرفته وإخلاص عبادته. وقال قوم: إنه كان معجزة لنبي كان في ذلك الزمان، ويجوز أن يكون ذلك خالد بن سنان. وقيل إنه كان ذلك توطيئا لنبوة نبينا صلى الله عليه وآله، لأنه كان ولد في عام الفيل. وقوله (ترميهم بحجارة) أي تقذفهم بحجارة (من سجيل) قال أبو عبيدة كل شديد سجيل. قال ابن مقبل: ضربا تواصى به الابطال سجيلا (1) وقيل هي حجارة من الجحيم وهي (سجين) ثم أبدلت النون لاما، كما قالوا في أصيلان اصيلال. وقيل: معنى من (سجيل) أي من طين مطبوخ كالاجر. وقيل: هو (سنل وكل) بلغة الفرس. فأعرب، وكذلك روي عن ابن عباس وقوله (فجعلهم كعصف مأكول) العصف ورق الزرع - في قول أبي عبيدة - وهو عصيفة، لان الريح تعصفه أي تذهب به يمينا وشمالا، وقيل: معنى (كعصف مأكول) أي مأكول الثمرة كما يقال: فلان حسن أي حسن الوجه، فاجري مأكول على العصف من أجل اكل ثمرته، لان المعنى معلوم للايجاز. وقال قتادة: العصف التبن، ومعنى مأكول قد أكلت بعضه المواشي وكسرت بعضه. وقال الزجاج: معنى مأكول وقع فيه الاكال. وقيل العصف التبن بلغة بني حنيفة، وبلسان قريش النحالة. وقصة أصحاب الفيل من الأدلة الواضحة والحجج اللائحة على الملحدين، ومن أنكر الصانع، لأنه لا يمكن نسب ذلك إلى طبيعة ولا موجب كما تأولوا الزلازل والرياح والخسوف وغير ذلك مما أهلك الله به الأمم، لأنه ليس في الطبيعة إقبال طير بأحجار وتقصد أقواما دون غيرهم حتى تهلكهم بما ترميهم به، ولا تعدى إلى غيرهم، بل ذلك من أوضح الأدلة على أنه من فعل الله تعالى، وليس لاحد أن يضعف ذلك وينكر الخبر به، لان النبي صلى الله عليه وآله لما قرأ على أهل مكة هذه السورة، كانوا قريبي عهد بالفيل، فلو لم يكن كذلك ولم يكن له أصل لأنكروه، فكيف وهم أرخوا به كما أرخوا بنيان الكعبة وموت قصي وغيره، وقد نظم الشعراء في قصة الفيل الشعر ونقلته الرواة، فلا يمكن جحد ذلك، لأنه مكابرة.


1- مر في 6 / 45.