قال عز من قائل: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ﴾
70 - في كتاب اعتقادات الامامية للصدوق رحمه الله وقال عليه السلام: من أصغى إلى ناطق فقد عبده، فإن كان الناطق عن الله فقد عبد الله، وإن كان الناطق عن إبليس فقد عبد إبليس.
71 - في أصول الكافي علي بن إبراهيم عن أبيه عن بكر بن صالح عن القاسم ابن بريد قال: حدثنا أبو عمرو الزبيري عن أبي عبد الله عليه السلام وذكر حديثا طويلا يقول فيه عليه السلام بعد ان قال إن الله تبارك وتعالى فرض الايمان على جوارح ابن آدم و قسمه عليها وفرقه فيها، وقال فيها شهدت الأيدي والأرجل على أنفسهما وعلى أربابهما من تضييعهما لما أمر الله عز وجل وفرضه عليهما اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون فهذا أيضا مما فرض الله على اليدين وعلى الرجلين وهو عملهما وهو من الايمان.
72 - علي بن محمد عن بعض أصحابه عن آدم بن إسحاق عن عبد الرزاق بن مهران عن الحسين بن ميمون عن محمد بن سالم عن أبي جعفر عليه السلام وذكر حديثا طويلا يقول فيه عليه السلام: وليست تشهد الجوارح على مؤمن انما تشهد على من حقت عليه كلمة العذاب فأما المؤمن فيعطى كتابه بيمينه قال الله عز وجل: (فأما من أوتى كتابه بيمينه فأولئك يقرؤن كتابهم ولا يظلمون فتيلا).
73 - في من لا يحضره الفقيه قال أمير المؤمنين عليه السلام في وصيته لابنه محمد ابن الحنفية رضي الله عنه: وقال الله عز وجل: (اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون) فأخبر عنها انها تشهد على صاحبها يوم القيامة.
74 - في تفسير العياشي عن مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمد عليهما السلام عن جده قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة يصف هول يوم القيامة: ختم على الأفواه فلا نكلم وتكلمت الأيدي وشهدت الأرجل ونطقت الجلود بما عملوا فلا يكتمون الله حديثا.
75 - في تفسير علي بن إبراهيم وقوله عز وجل: (اليوم نختم على أفواههم) إلى قوله تعالى: (بما كانوا يكسبون) قال: إذا جمع الله عز وجل الخلق يوم القيامة دفع إلى كل انسان كتابه فينظرون فيه فينكرون أنهم عملوا من ذلك شيئا فتشهد عليهم الملائكة فيقولون: يا رب ملائكتك يشهدون لك ثم يحلفون أنهم لم يعملوا من ذلك شيئا وهو قول الله عز وجل (ويوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم) فإذا فعلوا ذلك ختم الله على ألسنتهم وتنطق جوارحهم بما كانوا يكسبون.
76 - في كتاب الاحتجاج للطبرسي رحمه الله عن أمير المؤمنين عليه السلام حديث طويل يقول فيه عليه السلام: وقوله: (اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون) قال: ذلك في مواطن غير واحد من مواطن ذلك اليوم الذي كان مقداره خمسين ألف سنة.
يكفر أهل المعاصي بعضهم ببعض، ويلعن بعضهم بعضا والكفر في هذه الآية البراءة يقول يتبرأ بعضهم من بعض ونظيرها في سورة إبراهيم قول الشيطان: (انى كفرت بما أشركتمون من قبل) وقول إبراهيم خليل الرحمان: (كفرنا بكم يعنى تبرأنا منكم ثم يجتمعون في مواطن اخر فيستنطقون فيه فيقولون: (والله ربنا ما كنا مشركين) وهؤلاء خاصة هم المقرون في دار الدنيا بالتوحيد فلم ينفعهم ايمانهم مع مخالفتهم رسله، وشكهم فيما أتوا به من ربهم، ونقضهم عهوده في أوصيائه، واستبدالهم الذي هو أدنى بالذي هو خير، فكذبهم الله فيما انتحلوه من الايمان بقوله: (انظر كيف كذبوا على أنفسهم) فيختم الله على أفواههم ويستنطق الأيدي والأرجل والجلود، فتشهد بكل معصية كانت منه، ثم يرفع عن ألسنتهم الختم فيقولون لجلودهم: (لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شئ).
77 - في تفسير علي بن إبراهيم وقوله عز وجل ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون فإنه رد على الزنادقة الذين يبطلون التوحيد ويقولون ان الرجل إذا نكح المرأة وصارت النطفة في رحمها تلقيه الاشكال من الغذاء ودار عليه الفلك، ومر عليه الليل والنهار فيولد الانسان بالطبايع من الغذاء ومرور الليل والنهار فنقض الله عز وجل عليهم قولهم في حرف واحد فقال جل ذكره: (ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون) قال: لو كان هذا كما يقولون لكان ينبغي ان يزيد الانسان ابدا ما دامت الاشكال قائمة والليل والنهار قائمان والفلك يدور، فكيف صار يرجع إلى النقصان كلما ازداد في الكبر إلى حد الطفولية ونقصان السمع والبصر والقوة والعلم والمنطق حتى ينتقص وينتكس في الخلق ولكن ذلك من خلق العزيز العليم وتقديره، وقوله عز وجل: وما علمناه الشعر و ما ينبغي له قال: كانت قريش تقول ان هذا الذي يقوله محمد شعر، فرد الله عز وجل عليهم فقال: (وما علمناه الشعر وما ينبغي له ان هو الا ذكر وقرآن مبين) ولم يقل رسول الله صلى الله عليه وآله شعرا قط.
78 - في مجمع البيان روى عن الحسن ان رسول الله صلى الله عليه وآله كان يتمثل بهذا البيت (كفى الاسلام والشيب للمرء ناهيا) فقال له أبو بكر: يا رسول الله انما قال: (كفى الشيب والاسلام للمرء ناهيا) وأشهد انك رسول الله وما علمك الله الشعر وما ينبغي لك.
79 - وعن عائشة انها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وآله يتمثل ببيت اخى بنى قيس: ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا * ويأتيك بالاخبار من لم تزود فجعل يقول: (ويأتيك من لم تزود بالاخبار) فيقول أبو بكر: ليس هكذا يا رسول الله فيقول: انى لست بشاعر وما ينبغي لي، فأما قوله عليه السلام: انا النبي لا كذب * انا ابن عبد المطلب فقد قال قوم: ان هذا ليس بشعر، وقال آخرون: انما هو اتفاق منه وليس يقصد إلى قول الشعر، وقد صح انه عليه السلام كان يسمعه ويحث عليه، وقال للحسان بن ثابت: لا تزال يا حسان مؤيدا بروح القدس ما نصرتنا بلسانك.
80 - في أصول الكافي - علي بن محمد عن صالح بن أبي حماد عن الحسين بن زيد عن الحسن بن علي بن أبي حمزة عن إبراهيم عن أبي عبد الله عليه السلام حديث طويل يقول فيه عليه السلام: وقال الله عز وجل: (يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي) فالحي المؤمن الذي تخرج طينته من طينة كافر، والميت الذي يخرج من الحي هو الكافر الذي يخرج من طينة المؤمن، فالحي المؤمن، والميت الكافر، وذلك قوله عز وجل: (أو من كان ميتا فأحييناه) فكان موته اختلاط طينته مع طينة الكافر، وكان حياته حين فرق الله عز وجل بينهما بكلمته، كذلك يخرج الله جل وعز المؤمن في الميلاد من الظلمة بعد دخوله فيها إلى النور، ويخرج الكافر من النور إلى الظلمة بعد دخوله إلى النور، وذلك قوله عز وجل: لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين.
81 - في مجمع البيان ويجوز أن يكون المراد بمن كان حيا عاقلا وروى ذلك عن علي عليه السلام.
82 - في كتاب طب الأئمة عليهم السلام باسناده إلى جابر بن راشد عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: بينما هو في سفر إذ نظر إلى رجل عليه كآبة وحزن، فقال له: مالك؟قال: دابتي حرون (1) قال: ويحك اقرأ هذه الآية في أذنه ولم يروا انا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون.
83 - في تفسير علي بن إبراهيم في رواية أبى الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون ولا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون يقول: لا تستطيع الآلهة لهم نصرا وهم للآلهة جند محضرون.
84 - في تفسير العياشي عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: جاء أبي بن خلف فأخذ عظما باليا من حائط ففته ثم قال: يا محمد إذا كنا عظاما ورفاتا أإنا لمبعثون خلقا فأنزل الله من يحيى العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم.
85 - في من لا يحضره الفقيه حديث طويل وفيه قالوا وقد رممت يا رسول الله يعنون صرت رميما؟فقال: كلا ان الله عز وجل حرم لحومنا على الأرض أن تطعم منها شيئا.
86 - وقال الصادق عليه السلام: ان الله عز وجل حرم عظامنا على الأرض وحرم لحومنا على الدواب ان تطعم منها شيئا.
87 - في كتاب الاحتجاج للطبرسي رحمه الله في احتجاج أبي عبد الله الصادق عليه السلام: قال السائل: أفيتلاشى الروح بعد خروجه عن قالبه أم هو باق؟قال: بل هو باق إلى وقت ينفخ في الصور، فعند ذلك تبطل الأشياء وتفنى فلا حس ولا محسوس، ثم أعيدت الأشياء كما بدأها مدبرها، وذلك أربع مأة سنة يسبت فيها الخلق وذلك بين - النفختين، قال: وانى له بالبعث والبدن قد بلى والأعضاء قد تفرقت فعضو ببلدة يأكله سباعها، وعضو بأخرى تمزقه هوامها، وعضو قد صار ترابا يبنى به مع الطير في حائط؟قال: إن الذي أنشأه من غير شئ وصوره على غير مثال كان سبق إليه قادر أن يعيده كما بدأه قال: أوضح لي ذلك، قال: إن الروح مقيمة في مكانها روح المحسن في ضياء وفسحة، وروح المسئ في ضيق وظلمة، والبدن يصير ترابا كما منه خلق، وما تقذف به السباع والهوام من أجوافها، فما أكلته ومزقته كل ذلك في التراب محفوظ عند من لا يعزب عنه مثقال ذرة في ظلمات الأرض ويعلم عدد الأشياء ووزنها، وان تراب الروحانيين بمنزلة الذهب في التراب، فإذا كان حين البعث مطرت الأرض مطر النشور، فتربو الأرض ثم يمخض مخض السقا فيصير تراب البشر كمصير الذهب من التراب إذا غسل بالماء، والزبد من اللبن إذا مخض، فيجتمع تراب كل قالب إلى قالبه. فينتقل بإذن الله تعالى القادر إلى حيث الروح، فتعود الصور بإذن المصور كهيئتها وتلج الروح فيها فإذا قد استوى لا ينكر من نفسه شيئا.
88 - وروى عن موسى بن جعفر عن أبيه عن آبائه عن الحسين بن علي عليهم السلام ان يهوديا من يهود الشام وأحبارهم قال لأمير المؤمنين: فان إبراهيم عليه السلام قد بهت الذي كفر ببرهان على نبوته؟قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك ومحمد صلى الله عليه وآله اتاه مكذب بالبعث بعد الموت وهو أبي بن خلف الجمحي معه عظم نخر ففركه (2) ثم (قال): يا محمد (من يحيى العظام وهي رميم) فأنطق الله محمدا بمحكم آياته وبهته ببرهان نبوته، فقال: (يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم) فانصرف مبهوتا.
89 - وفيه أيضا قال أبو محمد العسكري عليه السلام: قال الصادق عليه السلام: وأما الجدال بالتي هي أحسن فهو ما أمر الله تعالى به نبيه ان يجادل به من جحد البعث بعد الموت وأحياه له فقال حاكيا عنه: (وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيى العظام وهي رميم) فقال الله في الرد عليه: (قل) يا محمد (يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون) فأراد من نبيه أن يجادل المبطل الذي قال كيف يجوز أن يبعث هذه العظام وهي رميم؟قال: (قل يحييها الذي أنشأها أول مرة) أفيعجز من ابتدئ به لا من شئ أن يعيده بعد أن يبلى، بل ابتداؤه أصعب عندكم من اعادته، ثم قال: (الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا) أي إذا كمن النار الحارة في الشجر الأخضر الرطب ثم يستخرجها فعرفكم انه على إعادة من بلى أقدر.
90 - في تفسير علي بن إبراهيم حدثني أبي عن سعد بن أبي سعيد عن إسحاق ابن جرير قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: أي شئ يقول أصحابك في قول إبليس (خلقتني من نار وخلقته من طين)؟قلت: جعلت فداك قد قال ذلك وذكره الله في كتابه، قال: كذب إبليس يا إسحاق ما خلقه الا من طين، ثم قال: قال الله (الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون) خلقه الله من ذلك النار ومن تلك الشجرة، والشجرة أصلها من طين.
91 - في كتاب الاحتجاج للطبرسي رحمه الله متصل بقوله سابقا انه على إعادة من بلى أقدر ثم قال: أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم أي إذا كان خلق السماوات والأرض أعظم وأبعد في أوهامكم وقدركم أن تقدروا عليه من إعادة البالي فكيف جوزتم من الله خلق هذا الأعجب عندكم والاصعب لديكم، ولم تجوزوا منه ما هو أسهل عندكم من إعادة البالي، قال الصادق عليه السلام: فهذا الجدال بالتي هي أحسن، لان فيها قطع عذر الكافرين وإزالة شبههم، واما الجدال بغير التي هي أحسن فان تجحد حقا لا يمكنك ان تفرق بينه وبين باطل من تجادله، وإنما تدفعه عن باطله بأن يجحد الحق، فهذا هو المحرم لأنك مثله جحد هو حقا وجحدت أنت حقا آخر، قال أبو محمد عليه السلام: فقام إليه رجل آخر فقال: يا ابن رسول الله أيجادل رسول الله صلى الله عليه وآله؟قال الصادق عليه السلام: مهما ظننت برسول الله من شئ فلا تظنن به مخالفة الله تعالى، أليس الله قال: (وجادلهم بالتي هي أحسن) و (قل يحييها الذي أنشأها أول مرة) لمن ضرب الله مثلا، فتظن ان رسول الله صلى الله عليه وآله خالف ما أمره الله به فلم يجادل ما أمره الله به، ولم يخبر عن أمر الله بما أمره ان يخبر به، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.
92 - وعن يعقوب بن جعفر عن أبي إبراهيم عليه السلام أنه قال: ولا احده يلفظ بشق فم ولكن كما قال الله عز وجل: انما امره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون بمشيته من غير تردد في نفس!.
93 - في نهج البلاغة يقول لما أراد كونه: كن فيكون لا بصوت يفرع ولا نداء يسمع، وانما كلامه سبحانه فعل منه أنشأه ومثله لم يكن من قبل ذلك كائنا، ولو كان قديما لكان الها ثانيا.
94 - وفيه أيضا يقول ولا يلفظ ويريد ولا يضمر.
95 - وفيه أيضا يريد بلا همة.
96 - في كتاب الإهليلجة المنقول عن الصادق عليه السلام ان الإرادة من العباد الضمير وما يبدو بعد ذلك من الفعل، واما من الله عز وجل فالإرادة للفعل احداثه انما يقول له كن فيكون بلا تعب ولا كيف.
97 - في أصول الكافي محمد بن يحيى العطار عن أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري عن الحسين بن سعيد الأهوازي عن النضر بن سويد عن عاصم بن حميد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت: لم يزل الله مريدا؟قال: إن المريد لا يكون الا المراد معه لم يزل عالما قادرا، ثم أراد.
98 - أحمد بن إدريس عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان بن يحيى قال: قلت لأبي الحسن عليه السلام: أخبرني عن الإرادة من الله ومن الخلق؟قال: فقال: الإرادة من الخلق الضمير وما يبدو لهم بعد ذلك من الفعل واما من الله فإرادته احداثه لا غير ذلك لأنه لا يروى ولا يهم ولا يتفكر وهذه الصفات منفية عنه وهي صفات الخلق، فإرادة الله الفعل لا غير ذلك (يقول له كن فيكون) بلا لفظ ولا نطق بلسان، ولا همة ولا تفكر، ولا كيف لذلك كما أنه لا كيف له.
99 - في عيون الأخبار في باب مجلس الرضا عليه السلام مع أهل الأديان والمقالات في التوحيد كلام للرضا عليه السلام مع عمران يقول فيه: واعلم أن الابداع والمشية والإرادة واحدة، وأسماءها ثلاثة، وكان أول ابداعه وارادته ومشيته الحروف التي جعلها أصلا لكل شئ، ودليلا على كل مدرك، وفاصلا لكل مشكل، وتلك الحروف تعرف كل شئ من اسم حق وباطل، أو فعل أو مفعول، أو معنى أو غير معنى، وعليها اجتمعت الأمور كلها، ولم يجعل للحروف في ابداعه لها معنى غير أنفسها يتناهى ولا وجود لها لأنها مبدعة بالابداع، والنور في هذا الموضع أول فعل الله الذي هو نور السماوات والأرض، والحروف هي المفعول بذلك الفعل، وهي الحروف التي عليها الكلام والعبارات كلها من الله عز وجل علمها خلقه وهي ثلاثة وثلاثون حرفا، فمنها ثمانية وعشرون حرفا تدل على لغات العربية، ومن الثمانية والعشرين اثنان وعشرون حرفا تدل على لغات السريانية والعبرانية، ومنها خمسة أحرف متحرفة في ساير اللغات من العجم الأقاليم اللغات كلها (3) وهي خمسة أحرف تحرفت من الثمانية والعشرين حرفا من اللغات، فصارت الحروف ثلاثة وثلاثين حرفا، وأما الخمسة المختلفة (فتجحخ) (4) لا يجوز ذكرها أكثر مما ذكرناه، ثم جعل الحروف بعد احصائها وأحكام عدتها فعلا منه كقوله عز وجل (كن فيكون) وكن منه صنع و ما يكون به المصنوع، فالخلق الأول من الله عز وجل: الابداع، لا وزن له ولا حركة ولا سمع ولا لون ولا حس، والخلق الثاني حروف لا وزن لها ولا لون، وهي مسموعة موصوفة غير منظور إليها، والخلق الثالث ما كان من الأنواع كلها محسوسا ملموسا ذا ذوق منظورا إليه، والله تبارك وتعالى سابق بالابداع لأنه ليس قبله عز وجل ولا كان معه شئ، والابداع سابق للحروف والحروف لا تدل على غير نفسها، قال المأمون: كيف لا تدل على غير نفسها؟قال الرضا عليه السلام لان الله تبارك وتعالى لا يجمع منها شيئا بغير معنى أبدا فإذا ألف منها أحرفا أربعة أو خمسة أو ستة أو أكثر من ذلك أو أقل لم يؤلفها لغير معنى. ولم يك الا لمعنى محدث لم يكن قبل ذلك شيئا، قال عمران: فكيف لنا بمعرفة ذلك؟قال الرضا عليه السلام: اما المعرفة فوجه ذلك وبيانه انك تذكر الحروف إذا لم ترد بها غير نفسها، ذكرتها فردا فقلت ا ب ت ث ج ح خ حتى تأتى على آخرها، فلم تجد لها غير أنفسها وإذا ألفت وجمعت منها وجعلتها اسما وصفة لمعنى ما طلبت ووجه ما عنيت كانت دليلة على معانيها، داعية إلى الموصوف بها، أفهمته؟قال: نعم.
100 - في تفسير علي بن إبراهيم ثم قال عز وجل: (أوليس الذي خلق السماوات والأرض) إلى قوله تعالى: (كن فيكون) قال: خزائنه في كاف والنون.
1. الحرون: الذي لا ينقاد. .
2. نخر العظم: بلى وتفتت. وفرك الشئ: دلكه وفرك - بالتشديد: بالغ في فركه .
3. كذا في النسخ لكن في المصدر (من العجم والأقاليم واللغات كلها). .
4. والمراد بها الفاء، والتاء، والجيم، والحاء المهملة، والخاء المعجمة، وقد اختلفت النسخ في ضبط هذه الكلمة وقال المجلسي (ره): الظاهر أن العبارة قد صحفت ولم تكن بهذه الصورة. .