سورة العصر
مكية في قول ابن عباس والضحاك، وهي ثلاث آيات بلا خلاف في جملتها وإن اختلفوا في تفصيلها.
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: ﴿وَالْعَصْرِ، إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾
هذا قسم من الله تعالى بالعصر. قال ابن عباس: المراد بالعصر - ههنا - الدهر. وهو قول الكلبي. وقال الحسن وقتادة: هو العشئ وكلاهما فيه العبرة من جهة مرور الليل والنهار. وأصل العصر عصر الثواب ونحوه، وهو فتله لاخراج مائه، فمنه عصر الدهر، لأنه الوقت الذي يمكن فتل الأمور كفتل الثوب. قال العجاج: عصرا وحضنا عيشة المعذلجا. أي الناعم، وقال في العشي:
يروح بنا عمر وقد قصر العصر * وفي الروحة الأولى الغنيمة والاجر (1)
وبه سميت العصر، لأنها تعصر بالتأخير، والعصارة ما يعتصر من العنب. وغيره، و (المعصرات) السحائب التي تنعصر بالمطر. والاعصار غبار كالعمود يصعد إلى السماء. والعصر الالتجاء إلى الملجأ. والعصر الجارية التي قد دنا بلوغها لأنه عصر شبابها، وانعصار ماء الشباب منها. والاعتصار استخراج المال من الانسان، لأنه ينحلب كما ينحلب ما يعصر. والعصران الغداة والعشي، والعصران الليل والنهار. قال الشاعر:
ولن يلبث العصران يوم وليلة * إذا طلبا ان يدركا ما تيمما (2)
وقوله (إن الانسان لفي خسر) جواب القسم. وفيه اخبار من الله أن الانسان يعنى الكافر (لفي خسر) أي لفي نقصان بارتكاب المعاصي وكفره بالله والخسر هلاك رأس المال للانسان وبارتكاب المعاصي في هلاك نفسه خسران، وهو أكبر من رأس ماله. وقوله (الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات) استثناء من جملة الناس المؤمنين المصدقين بتوحيد الله باخلاص عبادته العاملين بالطاعات (وتواصوا بالحق) أي تواصي بعضهم بعضا بأتباع الحق واجتناب الباطل (وتواصوا بالصبر) تواصي بعضهم بعضا بالصبر على تحمل المشاق في طاعة الله. وقال الحسن وقتادة: الصبر على طاعة الله. والصبر حبس النفس عما تنازع إليه من الامر حتى يكون الداعي إلى الفعل. وقد أمر الله تعالى بالصبر والتواضع. والحق ما دعا إليه العقل.
1- القرطبي 20 / 179 والشوكاني 5 / 488.
2- القرطبي 20 / 179.