سورة القارعة

مكية في قول ابن عباس والضحاك، وهي إحدى عشرة آية في الكوفي. وعشر في المدنيين وثمان في البصري.

بسم الله الرحمن الرحيم

قوله تعالى: ﴿الْقَارِعَةُ، مَا الْقَارِعَةُ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ، يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ، وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ، فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ، فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ، وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ، فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ، نَارٌ حَامِيَةٌ﴾

القراءة:

قرأ حمزة ويعقوب (ما هي) بحذف الهاء في الوصل، الباقون باثباتها، ولم يختلفوا في الوقف أنه بالهاء. ومعنى (القارعة) البلية التي تقرع القلب بشدة المخافة تقول: قرع يقرع قرعا وهو الصوت بشدة اعتماد، ومنه انشقت القرعة، وتقارع القوم في القتال إذا تضاربوا بالسيوف، وقرع رأسه إذا ضرب في أعلى الشعر حتى يذهبه، والقرعة كالضرب بالفال. وقال وكيع: القارعة، والواقعة، والحاقة القيامة. وقوله (وما أدراك ما القارعة) تعظيم لشأنها، وتفخيم لأمرها وتهويل لشدتها. ومعناه وأي شئ القارعة ومعناه إنك يا محمد صلى الله عليه وآله لا تعلم كبر وصفها وحقيقة أمرها على التفصيل وإنما تعلمها على طريق الجملة، ثم وصفها الله تعالى فقال (يوم تكون الناس كالفراش المبثوث وتكون الجبال كالعهن المنفوش) والمعنى إن القارعة التي وصفها وذكرها تقرع القلوب يوم تكون الناس بهذه الصفة. والفراش الجرات الذي ينفرش ويركب بعضه بعضا، وهو غوغاء الجراد - في قول الفراء - وقال أبو عبيدة: هو طير يتفرش وليس بذباب، ولا بعوض. وقال قتادة: الفراش هو هذا الطير الذي يتساقط في النار والسراج. والمبثوث المتفرق في الجهات، كأنه محمول على الذهاب فيها، يقال: بثه يبثه إذا فرقه، وأبثثته الحديث إذا ألفيته إليه كأنك فرقته بأن جعلته عند اثنين. وقوله (وتكون الجبال كالعهن المنفوش) فالعهن الصوف الألوان - في قول أبي عبيدة - قال زهير:

كأن فتات العهن في كل منزل * نزلن به حب الفنا لم يحطم (1)

ويقال: عهن وعهنة. وقيل: إن الخلائق لعظم ما يرونه من الأهوال ويغشاهم من العذاب يهيم كل فريق على وجهه، ويذهب في غير جهة صاحبه. وقوله (فاما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية) قال الفراء الموازين والأوزان واحد، يقولون: هل لك في درهم بميزان درهمك، ووزن درهمك. وقال الحسن: في الآخرة ميزان له كفتان. وهو قول الجبائي وأكثر المفسرين. ثم اختلفوا فمنهم من قال: يجعل الله تعالى في احدى الكفتين نورا علامة للطاعات وفي الأخرى ظلمة علامة لمعاصي فأيهما رجح على الاخر حكم لصاحبه به. وقال آخرون: إنما يوزن صحف الاعمال فما فيها الطاعات نجعل في كفة وما فيها المعاصي في كفة أخرى فأيهما رجح حكم لصاحبه به. وقال قوم: الميزان عبارة عن العدل ومقابلة الطاعات بالمعاصي، فأيهما كان أكثر حكم له به وعبر عن ذلك بالثقل مجازا لان الاعمال أعراض لا يصح وزنها ولا وصفها بالثقل والخفة، قال الشاعر:

لقد كنت قبل لقائكم ذا مرة * عندي لكل مخاصم ميزانه (2)

يريدون كلامه في معارضته، فبين الله تعالى أن من كانت طاعته أكثر كان ثوابه أعظم، فيكون صاحبها (في عيشة راضية) أي مرضية، ففاعل - ههنا - بمعنى المفعول، لان معناه ذو رضا كقولهم (نابل) أي ذو نبل، قال النابغة:

كليني لهم يا أميمة ناصب * وليل أقاسيه بطئ الكواكب (3)

أي ذو نصب وقال آخر:

وغررتني وزعمت أنك * لابن بالصيف تأمر (4)

أي ذو لبن وذو تمر. وقال مجاهد (ثقلت موازينه) على جهة الميل، ثم بين من كانت معاصيه أكثر وقلت طاعاته (فأمه هاوية) أي مأواه هاوية يعني، جهنم، وإنما سماها (أمه) لأنه يأوى إليها كما يأوى الولد إلى أمه، وسميت هاوية - لما قال قتادة وأبو صالح - من أن المعاصي يهوي إلى أم رأسه في النار. ثم قال على وجه التفخيم والتعظيم لا مرها (وما أدراك) يا محمد صلى الله عليه وآله (ما هيه) أي انك تعلمها على الجملة ولا تعلم تفصيلها وأنواع ما فيها من العقاب. والهاء في قوله (ما هيه) للسكت إلا أنه أجري الوصل معها مجرى الوقف، ويجوز فيها الحذف، ثم فسر الله تعالى فقال (نار حامية) أي هي نار حامية شديدة الحرارة


1- ديوانه 77 (دار بيروت).

2- القرطبي 20 / 166 والشوكاني 5 / 472.

3- في مر 5 / 368 و 6 / 95، 329 و 8 / 122، 567.

4- مر في 8 / 468.