سورة الزلزال
مدنية في قول ابن عباس وقال الضحاك مكية، وهي ثمان آيات في الكوفي والمدني الأول، وتسع آيات في البصري والمدني الأخير
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: ﴿إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا، وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا، وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا، يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا، بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا، يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ، فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾
القراءة:
قرأ عاصم في رواية أبان عنه (خيرا يره وشرا يرده) بضم الياء فيهما بمعنى انه يريه غيره. الباقون بفتح الياء بمعنى أنه يراه ويبصره. وقرأ ابن عامر - في رواية هشام - وابن عامر والكسائي عن أبي بكر - بسكون الهاء - في قوله (خيرا يره، وشرا يره) الباقون بالاشباع فيهما. قال أبو علي: الاشباع هو الأصل، وهو الوجه، كما تقول: اكرمهو، وضربهو. وإنما يجوز إسكانها في الشعر. وقد حكى أبو الحسن أنها لغة رديئة فمن سكن فعلى هذه اللغة. وقرأ أبو جعفر من طريق ابن العلاف وروح - بضم الياء - من غير صلة بواو فيهما وقد بينا الوجه فيه. يقول الله تعالى مخوفا لعباده أهوال يوم القيامة ومنذرا لهم بالآيات الباهرة بأن قال (إذا زلزلت الأرض زلزالها) فالزلزلة شدة الاضطراب بما يهدم البنيان زلزل يزلزل زلزالا، فكأنه مكرر (زل، يزل) للتكثير والتعظيم، والزلزال - بكسر الزاي - المصدر، وبالفتح الاسم. وقال الحسن: زلزلت ورجت ورجفت بمعنى واحد وقوله (وأخرجت الأرض أثقالها) قال ابن عباس ومجاهد: معناه أخرجت موتاها، وأثقال الأرض ما فيها مدفون من الموتى وغيرها، فان الأرض تلفظ بكل ما فيها عند انقضاء أمر الدنيا، وتجديد أمر الآخرة. وقوله (وقال الانسان مالها) معناه يقول الانسان: أي شئ اصارها إلى هذه الحالة التي ترى بها، يقول الانسان ذلك متعجبا من عظم شأنها وأنه لامر عظيم لفظت بما فيها، وتخلت من جميع الأمور التي استودعها. وقوله (يومئذ تحدث أخبارها) قيل معناه يظهر بالدليل الذي يجعله الله فيها ما يقوم مقام اخبارها بأن أمر الدنيا قد انقضى وأمر الآخرة قد أتى، وانه لابد من الجزاء وأن الفوز لمن اتقى وأن النار لمن عصى. وقيل: معناه تحدث أخبارها بمن عصا عليها إما بأن يقلبها حيوانا قادرا على الكلام فتتكلم بذلك أو يحدث الله تعالى الكلام فيها، ونسبه إليها مجازا أو يظهر فيها ما يقوم مقام الكلام فعبر عنه بالكلام، كما قال الشاعر:
امتلأ الحوض وقال قطني * مهلا رويدا قد ملأت بطني (1)
وقال آخر: وقالت له العينان سمعا وطاعة (2) ويقولون عيناك تشهد لسهرك، وغير ذلك مما قد مضى نظائره. وقال ابن مسعود: الأرض تتكلم يومئذ، فتقول أمرني الله بهذا. وقوله (بأن ربك أوحى لها) معناه إن الأرض تحدث بهذا، فتقول: إن ربك يا محمد أوحى إليها. قال العجاج: وحى لها القرار فاستقرت (3) أي أوحى إليها بمعنى القى إليها من جهة تخفى يقال: أوحى ووحى بمعنى واحد، ثم قال تعالى (يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم) اخبار من الله تعالى بأن ذلك اليوم يصدر الناس اشتاتا أي مختلفين (ليروا أعمالهم) أي ليجازوا على أعمالهم أو ليريهم الله جزاء أعمالهم. وقيل: معنى رؤية الاعمال المعرفة بها عند تلك الحال، وهي رؤية القلب، ويجوز أن يكون التأويل على رؤية العين بمعنى ليروا صحائف أعمالهم يقرؤن ما فيها لقوله (وقالوا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها) وقيل ليروا جزاء اعمالهم حسب ما قدمناه. وقيل يرى الكافر حسناته فيتحسر عليها، لأنها محبطة، ويرى المحسن سيئاته مكفرة وحسناته مثبتة ثم قال تعالى على وجه الوعيد (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) قال أبو عبيدة: مثقال ذرة شرا يره أي يرى ما يستحق عليه من العقاب، ويمكن أن يستدل بذلك على بطلان الاحباط، لان عموم الآية يدل أنه لا يفعل شيئا من طاعة أو معصية إلا ويجازي عليها وعلى مذهب القائلين بالاحباط بخلاف ذلك، فان ما يقع محبطا لا يجازى عليه ولا يدل على أنه لا يجوز أن يعفي عن مرتكب كبيرة، لان الآية مخصوصة بلا خلاف، لأنه ان تاب عفى عنه وقد شرطوا أن لا يكون معصية صغيرة، فإذا شرطوا الامرين جاز أن نخص من يعفو الله عنه.
1- مر في 1 / 231 و 8 / 85، 369، 47 و 9 / 111، 369.
2- مر في 1 / 431 و 6 / 45 و 8 / 471، 479.
3- مر في 2 / 459 و 3 / 84 و 4 / 61 و 6 / 403.