سورة القدر
مدنية في قول الضحاك. وقال عطاء الخراساني هي مكية، وهي خمس آيات بلا خلاف.
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ، لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ، تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ، سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾
القراءة:
قرأ الكسائي وخلف (مطلع الفجر) بكسر اللام على معنى وقت طلوعه. الباقون بالفتح على المصدر، وروي عن ابن عباس انه قرأ (من كل امرئ) بمعنى من الملائكة. الباقون (من كل أمر) بمعنى الواحد من الأمور. يقول الله تعالى مخبرا انه أنزل القرآن في ليلة القدر، فالهاء كناية عن القرآن، وإنما كنى عما لم يجر له ذكر، لأنه معلوم لا يشتبه الحال فيه. وقال ابن عباس: أنزل الله القرآن جملة واحدة إلى سماء الدنيا في ليلة القدر. وقال الشعبي: إنا ابتدأنا إنزاله في ليلة القدر، وليلة القدر هي الليلة التي يحكم الله فيها و. يقضي بما يكون في السنة بأجمعها من كل أمر - في قول الحسن ومجاهد - يقال: قدر الله هذا الامر يقدره قدرا إذا جعله على مقدار ما تدعو إليه الحكمة. وقيل: فسر الله تعالى ليلة القدر بقوله (فيها يغرق كل أمر حكيم) (1) وقيل: سميت ليلة القدر لعظم شأنها وجلالة موقعها من قولهم: فلان له قدر والأول أظهر، وليلة القدر في العشر الأواخر من شهر رمضان بلا خلاف، وهي ليلة الافراد بلا خلاف. وقال أصحابنا هي احدى الليلتين إما ليلة احدى وعشرين أو ثلاث وعشرين، وجوز قوم: أن يكون سائر ليالي الافراد إحدى وعشرين وثلاث وعشرين، وخمس وعشرين، وسبع وعشرين وتسع وعشرين، وجوزوا أيضا تقديمها في سنة وتأخيرها في أخرى، وإنما لم تعين هذه الليلة ليتوفر العباد على العمل في سائر الليالي. والقدر كون الشئ على مساواة غيره من غير زيادة ولا نقصان، ففي ليلة القدر تجدد الأمور على مقاديرها جعلها الله في الآجال والأرزاق والمواهب التي يجعلها الله للعباد، ويقع فيها غفران السيئات ويعظم منزلة الحسنات على ما لا يقع في ليلة من الليالي، فينبغي للعاقل أن يرغب فيما رغبة الله بالمبادرة إلى ما أمر به على ما شرط فيه. والأوقات إنما يفضل بعضها على بعض بما يكون من الخير الجزيل والنفع الكثير فيها دون غيرها فلما جعل الله تعالى الخير الكثير يقسم في ليلة القدر بما جعله الله فيها من هذا المعنى، ولذلك قال (وما أدراك ما ليلة القدر) تعظيما لشأنها وتفخيما، وانك يا محمد لا تعلم حقيقة ذلك. ثم بين تعالى ذلك فقال (ليلة القدر خير من الف شهر) والمعنى إن الثواب على الطاعة فيها خير يفضل على ثواب كل طاعة تفعل في الف شهر ليس فيها ليلة القدر. وقيل إن الله يتفضل على خلقه في هذه الليلة وينعم عليهم بما لا يفعل في الف شهر ليس فيها ليلة القدر وبما لا يكون مثله في الف شهر وكانت أفضل من الف شهر ليس فيها ليلة القدر. والشهر في الشرع عبارة عن ما بين هلالين من الأيام، وسمي شهرا لاشتهاره بالهلال. وقد يكون الشهر ثلاثين ويكون تسعة وعشرين إذا كانت هلالية، فإن لم تكن هلالية فهي ثلاثون. وقوله (تنزل الملائكة والروح فيها) معناه تنزل الملائكة والروح الذي هو جبرائيل بكل أمر في ليلة القدر إلى سماه الدنيا حتى يعلمه أهل سماء الدنيا، فيكون لطفا لهم وحتى يتصوره العباد ينزل بأمر الله إليها، فتنصرف آمالهم إلى ما يكون منها فيقوى رجاؤهم بما يتجدد من تفضل الله فيها. وقيل: إن نزولها بالسلامة والخير والبركة إلى تلك الساعة (باذن ربهم من كل أمر) أي ما ينزلون به كله بأمر الله، ويكون الوقف - ههنا - تاما على ما قرأ به القراء المشهورون، وعلى ما حكيناه عن ابن عباس وهو قول عكرمة والضحاك: لا يكون تاما. وقوله (سلام هي حتى مطلع الفجر) قل هو سلام الملائكة عليهم السلام بعضهم على بعض إلى طلوع الفجر. وقيل: معناه سلام هي من الشر حتى مطلع الفجر - ذكره قتادة - وقيل إن فضل الصلاة فيها والعبادات على الف شهر يراد بها إلى وقت طلوع الفجر، وليست كسائر الليالي التي فضلت بالعبادة في بعضها على بعض والمطلع الطلوع، والمطلع موضع الطلوع، وجر (مطلع) ب? (حتى) لأنها إذا كانت بمعنى الغاية خفضت الاسم باضمار (إلى) ونصبت الفعل باضمار (إلى أن) كقولك: دخلت الكوفة حتى مسجدها، أي حتى انتهيت إلى مسجدها، والفعل كقولك: أسير حتى ادخلها، بمعنى إلى أن أدخلها.
1- سورة 44 الدخان آية 4.