سورة الانشراح

مكية في قول ابن عباس والضحاك، وهي ثمان آيات بلا خلاف

بسم الله الرحمن الرحيم

قوله تعالى: ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ، وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ، الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ، وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ، فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا، فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ، وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ﴾

روى أصحابنا ان ألم نشرح من الضحى سورة واحدة لتعلق بعضها ببعض ولم يفصلوا بينهما ب? (بسم الله الرحمن الرحيم) وأوجبوا قراءتهما في الفرائض في ركعة وألا يفصل بينهما. ومثله قالوا في سورة (ألم ترك كيف) و (الإيلاف) وفى المصحف هما سورتان فصل بينهما ببسم الله. والمعني بهذه الآيات تعداد نعم الله تعالى على النبي صلى الله عليه وآله في الامتنان بها عليه فقال (ألم نشرح لك صدرك) فالشرح فتح الشئ باذهاب ما يصد عن إدراكه فالله تعالى قد فتح صدر نبيه باذهاب الشواغل التي تصد عن إدراك الحق وتعظيمه بما يجب له. ومنه قول القائل: أشرح صدري لهذا الامر. وشرح فلان كتاب كذا، ومنه تشريح اللحم إذا فتحه ورققه، ومنه قوله (أفمن شرح الله صدره للاسلام) (1) وقال البلخي: كان النبي صلى الله عليه وآله ضاق صدره بمغاضبة الجن والإنس له فآتاه الله من آياته ووعده ما اتسع قلبه لكل ما حمله الله وأمره به. وقال الجبائي: شرح الله صدره بأن فعل له لطفا بسنن منه إلى ما كلفه الله وسهل عليه، وكان ذلك ثوابا على طاعاته لا يجوز فعله بالكفار. وعكسه ضيق الصدر كما قيل في قوله (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للاسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون) (2) والصدر الموضع الا رفع الذي فيه القلب، ومنه أخذ صدر المجلس تشبيها بصدر الانسان. وصدرته بكذا إذا جعلته في أول كلامك. والصدر لان الأوامر تصدر عنه. وصادره إذا اخذ ما يصدر عنه والأصل الانصراف عن الشئ. وقوله (ووضعنا عنك وزرك) قال الحسن: يعني بالوزر الذي كان عليه في الجاهلية قبل النبوة. وقال مجاهد وقتادة والضحاك وابن زيد: يعني ذنبك. قالوا: وإنما وصفت ذنوب الأنبياء بهذا الثقل مع أنها صغائر مكفرة لشدة اغتمامهم بها وتحسرهم على وقوعها مع ندمهم عليها. وهذان التأويلان لا يصحان على مذهبنا، لان الأنبياء عليهم السلام لا يفعلون شيئا من القبائح لا قبل النبوة ولا بعدها ولا صغيرة ولا كبيرة، فإذا ثبت هذا، فمعنى الآية هو أن الله تعالى لما بعث نبيه وأوحى إليه وانتشر أمره وظهر حكمه كان ما كان من كفار قومه وتتبعهم لأصحابه باذاهم له وتعرضهم إياهم ما كان يغمه ويسؤه ويضيق صدره ويثقل عليه، فأزال الله ذلك بأن أعلى كلمته وأظهر دعوته وقهر عدوه. وأنجز وعده ونصره على قومه، فكان ذلك من أعظم المنن وأجزل النعم. فإذا قيل: السورة مكية، وكان ما ذكرتموه بعد الهجرة ؟! قيل: ليس يمنع أن يكون الله أخبره بأن ذلك سيكون فيما بعد ليبشره به ويسليه عما هو عليه فجاء بلفظ الماضي وأراد الاستقبال، كما قال (ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار) (3) وكما قال (ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك) (4) والوزر الثفل في اللغة، ومنه اشتق اسم الوزير لتحمله أثقال الملك. وإنما سميت الذنوب أوزارا لما فيها من العقاب العظيم. وقوله (الذي انقض ظهرك) نعت الوزر، ووصفه بأنه انقض ظهره بمعنى أثقله، والانقاض الأثقال الذي ينتقض به ما حمل عليه. أنقض ينقض إنقاضا والنقض والهدم واحد، ونقض المذهب إبطاله بما يفسده. وقال الحسن ومجاهد وقتادة وابن زيد: معنى انقض أثقل، وبعير نقض سفر إذا أثقله السفر. وقوله (ورفعنا لك ذكرك) قال الحسن ومجاهد وقتادة: معناه إني لا اذكر إلا ذكرت معي يعني ب? (لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وآله). وقوله (فان مع العسر يسرا ان مع العسر يسرا) يدل على أن التأويل في قوله (ووضعنا عنك وزرك) ما قلناه، لان الله بشره أنه يكون مع العسر يسرا وروي عن ابن عباس أنه قال: لن يغلب عسر واحد يسرين، لأنه حمل العسر في الآيتين على أنه واحد لكونها بالألف واللام، واليسر منكر في تثنية الفائدة، والثاني غير الأول، والعسر صعوبة الامر وشدته، واليسر سهولته. ثم قال له (فإذا فرغت فانصب) قال ابن عباس: معناه فإذا فرغت من فرضك فانصب إلى ما رغبك الله فيه من العمل. وقال قتادة: معناه فإذا فرغت من صلاتك فانصب إلى ربك في الدعاء. وقال مجاهد: معناه فإذا فرغت من أمر دنياك فانصب إلى عبادة ربك. ومعنى (فانصب) ناصب يقال: ناله هم ناصب أي ذو نصب. ويقال: أنصبني الهم فهو منصب قال الشاعر: تعناك هم من أميمة منصب (5) وقال النابغة: كليني لهم يا أميمة ناصب (6) أي فيه نصب كقوله (عيشة راضية) (7) أي ذات رضى. والخطاب وإن كان متوجها إلى النبي صلى الله عليه وآله فالمراد به جميع المكلفين من أمته، والفراغ انتفاء كون الشئ المضاد لكون غيره في المحل. ونقيضه الشغل، وهو كون الشئ المضاد في المحل ومنه أخذ شغل الافعال، ولهذا لا يوصف تعالى بأنه يشغله شئ عن شئ، لأنه تعالى يخترع ما شاء من الافعال. وقوله (وإلى ربك فارغب) حث له على الرغبة في الطلب من الله تعالى دون غيره.


1- سورة 39 الزمر آية 22.

2- سورة 6 الانعام آية 125.

3- سورة 7 الأعراف آية 43.

4- سورة 43 الزخرف آية 77.

5- مر في 8 / 567.

6- مر في 5 / 368 و 6 / 95 329 و 8 / 122، 567.

7- سورة 69 الحاقة آية 21 وسورة 101 القارعة آية 7.