سورة الضحى

مكية في قول ابن عباس الضحاك، وهي إحدى عشرة آية بلا خلاف

بسم الله الرحمن الرحيم

قوله تعالى: ﴿وَالضُّحَى، وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى، مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى، وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَى، وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى، أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى، وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى، وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى، فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ، وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ، وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾

القراءة:

روي أن عروة ابن الزبير قرأ (ما ودعك ربك بالتخفيف من قولهم: ودع يدع أي ترك يترك، وهو قليل، لان سيبويه قال: استغنوا ب? (ترك) عن (ودع) فلم يستعملوه. والباقون بالتشديد. هذا قسم من الله تعالى بالضحى، وهو صدر النهار، وهو الضحى المعروف - في قول قتادة - وقال الفراء: هو النهار كله من قولهم: ضحى فلان للشمس إذا ظهر لها. وفي التنزيل (وإنك لا تظمأ فيها ولا تضحى) (1). وقوله (والليل إذا سجى) قسم آخر، وقال الحسن: معنى (سجى) غشي بظلامه وقال قتادة: معنى (سجى) سكن وهذا من قولهم: بحر ساج أي ساكن، وبه قال الضحاك، يقال: سجا يسجو سجوا إذا هدئ وسكن، وطرف ساج قال الأعشى:

فما ذنبنا ان جاش بحر ابن عمكم * وبحرك ساج لا يواري الدعا مصا (2)

وقال الراجز:

يا حبذا القمراء والليل الساج * وطرق مثل ملاء النساج (3)

وقوله (ما ودعك ربك وما قلى) جواب القسم. وقيل: إنه لما تأخر عنه الوحي خمس عشرة ليلة، قال قوم من المشركين: ودع الله محمدا وقلاه، فأنزل الله تعالى هذه السورة تكذيبا لهم وتسلية للنبي صلى الله عليه وآله، لأنه كان اغتم بانقطاع الوحي عنه - ذكره ابن عباس وقتادة والضحاك - ومعنى (ما ودعك) ما قطع الوحي عنك، ومعنى (قلى) أبغض - في قول ابن عباس والحسن وابن زيد - والقالي المبغض يقال: قلاه يقلاه قلا إذا أبغضه. والعقل دال على أنه لا يجوز ان يقلا الله أحدا من أنبيائه، والتقدير ما قلاك، فحذف الكاف لدلالة الكلام عليه، ولان روس الآي بالياء، فلم يخالف بينها، ومثله (فآوى، وفهدى، وفأغنى) لان الكاف في جميع ذلك محذوفة، ولما قلناه. وقوله (وللآخرة خير لك من الأولى) خطاب للنبي صلى الله عليه وآله يقول الله تعالى له إن ثواب الآخرة والنعيم الدائم فيها خير لك من الأولى يعني من الدنيا، والكون فيها لكونها فانية. قال ابن عباس: له في الجنة الف قصر من اللؤلؤ ترابه المسك، وفيه من كل ما يشتهي على أعم الوصف. وقوله (ولسوف يعطيك ربك فترضى) وعد من الله له أن يعطيه من النعيم والثواب وفنون النعم ما يرضى النبي صلى الله عليه وآله به ويؤثره. ثم عدد عليه النعمة في دار الدنيا فقال (ألم يجدك يتيما فآوى) ومعناه تقريره على نعم الله عليه حين مات أبوه وبقي يتيما فآواه بأن سخر له عبد المطلب أولا، ولما مات عبد المطلب آواه إلى أبي طالب، وسخره للاشفاق عليه والحنين على حفظه ومراعاته. وقوله (ووجدك ضالا فهدى) قيل في معناه أقوال:

أحدها: وجدك لا تعرف الحق فهداك إليه بأن نصب لك الأدلة وأرشدك إليها حتى عرفت الحق، وذلك من نعم الله.

وثانيها: وجدك ضالا عما أنت عليه الان من النبوة والشريعة، فهداك إليها

وثالثها: وجدك في قوم ضلال أي فكأنك واحد منهم.

ورابعها: وجدك مضلولا عنك فهدى الخلق إلى الاقرار بنبوتك والاعتراف بصدقك فوجدك ضالا بمعنى مضلول كما قيل ماء دافق بمعنى مدفوق، وسر كاتم بمعنى مكتوم.

وخامسها: أنه لما هاجر إلى المدينة ضل في الطريق، وضل دليله فأرشدهم الله إلى الطريق الواضح حتى وصلوا فإذا قيل: السورة مكية أمكن أن يقال: المراد بذلك الاستقبال والاعلام له أنه يكون هذا على وجه البشارة له به، ولم يكن فعلا له معصية، لأنه ليس ذهابا عما كلف. وقوله (ووجدك عائلا فأغنى) فالعائل الفقير، وهو ذو العيلة من غير جدة عال يعيل عيلة إذا كثر عياله وافتقر قال الشاعر:

وما يدرى الفقير متى غناه * وما يدري الغني متى يعيل (4)

أي متى يفتقر. وقيل إن ذكر النعم من المنعم يحسن على وجهين:

أحدهما: التذكير للشكر وطلب الزيادة منها فهذا جود وكرم.

الآخر: عند كفر المنعم عليه، فهذا التذكير على الوجه الأول. وقوله (فاما اليتيم فلا تقهر) أي لا تقهره لظلمه بأخذ ماله فكذلك من لا ناصر له لا تغلظ في أمره، والخطاب متوجه إلى النبي صلى الله عليه وآله وهو نهي لجميع المكلفين وقيل: معناه لا تقهره على ماله. وقوله (وأما السائل فلا تنهر) فالانتهار هو الصياح في وجه السائل الطالب للرفد، يقال: نهره وانتهره بمعنى واحد، وهو متوجه إلى جميع المكلفين. وقوله (وأما بنعمة ربك فحدث) معناه اذكر نعم الله وأظهرها وتحدث بها. وقد قيل: من شكر النعمة الحديث بها. فان قيل: في هذا ونظائره مما عدده الله على خلقه من النعم وامتنائه عليهم كيف يمنن الله تعالى على خلقه بالنعم وذلك من فعل النجل، لان الواحد منا لو من على غيره بما يسدي إليه كان مقبحا ؟! قبل: إنما يقبح الامتنان إذا كان الغرض الازراء بالنعم عليه والتفضيل به، فاما إذا كان الغرض تعريف النعمة وتعديدها وإعلامه وجوهها ليقابلها بالشكر فيستحق به الثواب والمدح، فإنه نعمة أخرى وتفضل آخر يستحق به الشكر فبطل ما قالوه.


1- سورة 20 طه آية 119.

2- تفسير القرطبي 20 / 91 وديوانه 100.

3- مجاز القرآن 2 / 302 واللسان (سحى) والكامل 204.

4- مجاز القرآن 2 / 302 وقد مر في 3 / 109 و 5 / 235.