سورة الفلق

مكية في قول ابن عباس وقال الضحاك هي مدنية، وهي خمس آيات بلا خلاف

بسم الله الرحمن الرحيم

قوله تعالى: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ، مِن شَرِّ مَا خَلَقَ، وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ، وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ، وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ﴾

روى قتيبة إمالة (حاسد) هذا أمر من الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وآله ومتوجه إلى جميع الخلق المكلفين بان يستعيذوا من شر ما خلق، فالفلق الصبح - في قول ابن عباس والحسن وسعيد ابن جبير وجابر ومجاهد وقتادة وابن زيد - وفي رواية عن ابن عباس: إن الفلق الخلق. وقال قوم من أهل اللغة: الفلق الخلق، لأنه مفلوق. ومنه (فالق الاصباح) (1) و (فالق الحب والنوى) (2) وقيل للداهية فلقة، لأنها تفلق الظهر وأصل الفلق الفرق الواسع من قولهم: فلق رأسه بالسيف يفلقه فلقا إذا فرقه فرقا واسعا. ويقال: أبين من فلق الصبح، لان عموده ينفلق بالضياء عن وفرق الصبح الظلام. وقيل له فجر لانفجاره بذهاب ظلامه. وقوله (من شر ما خلق) عام في جميع ما خلقه الله فإنه ينبغي أن يستعاذ من شره ممن يجوز أن يحصل منه الشر، وقيل: المراد من شر الأشياء التي خلقها مثل السباع والهوام والشياطين وغير ذلك. وقوله (ومن شر غاسق إذا وقب) قال ابن عباس والحسن ومجاهد: من شر الليل إذا دخل بظلامه، وقيل: الغاسق كل هاجم بضرر كائنا ما كان، فالغاسق في اللغة هو الهاجم بضرره، وهو هنا الليل، لأنه يخرج السباع من آجامها والهوام من مكامنها، وأصله الجريان بالضرر من قولهم: غسقت القرحة إذا جرى صديدها. والغساق صديد أهل النار لسيلانه بالعذاب، وغسقت عينه غسقانا إذا جرى دمعها بالضرر في الخلق، والليل غاسق لجريانه بالضرر في اخراج السباع وقال كعب: الغسق بيت في جهنم إذا فتح صاح جميع أهل النار من شدة حره، ومعنى (وقب) دخل، وقب يقب وقوبا إذا دخل. ومنه الوقبة النقرة، لأنه يدخل فيها. وقوله (ومن شر النفاثات في العقد) قال الحسن وقتادة: يعني السحرة الذين كل ما عقدوا عقدا نفثوا فيه، وهو شبيه بالنفخ، فأما الثفل فنفخ بريق، فهذا الفرق بين النفث والتفل، قال الفرزدق:

هما نفثا في في من فمويهما * على النابح العاوي أشد رجام (3)

وقيل في شر النفاثات قولان:

أحدهما: إيهامهم أنهم يمرضون ويعافون، ويجوز ذلك مما يخيل رأي الانسان من غير حقيقة لما يدعون من الحيلة بالأطعمة الضارة والأمور المفسدة.

الثاني: أنه بضرب من خدمة الجن يمتحن الله تعالى بتخليتهم بعض الناس دون بعض. ولا يجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وآله سحر على ما رواه القصاص الجهال، لان من يوصف بأنه مسحور، فقد خبل عقله. وقد أنكر الله تعالى ذلك في قوله (وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا) (4) ولكن قد يجوز أن يكون بعض اليهود اجتهد في ذلك فلم يقدر عليه، فأطلع الله نبيه على ما فعله حتى استخرج ما فعلوه من التمويه، وكان دلالة على صدقه ومعجزة له. وقوله (ومن شر حاسد إذا حسد) فالحاسد هو الذي يتمنى زوال النعمة عن صاحبها، وإن لم يردها لنفسه. والغبطة أن يريد من النعمة لنفسه مثل ما لصاحبه وأن لم يرد زوالها عنه، فالغبطة محمودة والحسد مذموم. وفي السورة ما يستدفع به الشرور بإذن الله على تلاوة ذلك بالاخلاص فيه، والاتباع لامر اله. وكان النبي صلى الله عليه وآله كثيرا ما يعوذ به الحسن والحسين وبهاتين السورتين. وقيل إن اللواتي سحرن النبي صلى الله عليه وآله بنات لبيد بن أعضم اليهودي، سحرنه في إحدى عشرة عقدة، فأنزل الله تعالى السورتين، وهما إحدى عشرة آية فحل بكل آية عقدة.


1- سورة 6 الانعام آية 95 - 96.

2- سورة 6 الانعام آية 95 - 96.

3- ديوانه 771 (نشر الصاوي).

4- سورة 17 الاسرى آية 47 وسورة 25 الفرقان آية 8.