قال عز من قائل: ﴿ وما يفعلوا من خير فلن يكفروه﴾
333 - في كتاب علل الشرايع باسناده إلى أحمد بن أبي عبد الله البرقي باسناده يرفعه إلى أبى عبد الله عليه السلام أنه قال: إن المؤمن مكفر وذلك أن معروفه يصعد إلى الله عز وجل ولا ينتشر في الناس، والكافر مشهور وذلك أن معروفه للناس ينتشر في الناس ولا يصعد إلى السماء.
334 - وباسناده إلى السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يد الله عز وجل فوق رؤس المكفرين، ترفرف بالرحمة (1)
335 - اخبرني علي بن حاتم قال: حدثنا أحمد بن محمد قال: حدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثني الحسين بن موسى عن أبيه عن موسى بن جعفر عن أبيه عن جده عن علي بن الحسين عن أبيه عن علي بن أبي طالب عليهم السلام قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكقرا لا يشكر معروفه، ولقد كان معروفه على القرشي والعربي والعجمي، ومن كان أعظم معروفا من رسول الله صلى الله عليه وآله على هذا الخلق؟وكذلك نحن أهل البيت مكفرون لا يشكر معروفنا، وخيار المؤمنين مكفرون لا يشكر معروفهم.
336 - في تفسير علي بن إبراهيم قوله: عضوا عليكم الا نأمل من الغيظ قال: أطراف الأصابع قوله وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم فإنه حدثني أبي عن صفوان عن ابن مسكان عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سبب نزول هذه الآية ان قريشا خرجت من مكة يريدون حرب رسول الله فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله يبتغى موضعا للقتال.
337 - في مجمع البيان عن أبي عبد الله عليه السلام قال كان: سبب غزاة أحد ان قريشا لما رجعت من بدر إلى مكة وقد أصابهم ما أصابهم من القتل والأسر لأنهم قتل منهم سبعون وأسر سبعون، قال أبو سفيان: يا معشر قريش لا تدعوا نساءكم يبكين على قتلاكم، فان الدمعة إذا خرجت أذهبت بالحزن والعداوة لمحمد فلما غزوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم أحد أذنوا لنسائهم بالبكاء والنوح، وخرجوا من مكة في ثلاثة آلاف فارس وألفي راجل، وأخرجوا معهم النساء، فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وآله ذلك جمع أصحابه وحثهم على الجهاد فقال عبد الله ابن أبي: يا رسول الله لا نخرج من المدينة حتى نقاتل في أزقتها (2) فيقاتل الرجل الضعيف والمرأة والعبد والأمة على أفواه السكك على السطوح فما أرادها قوم قط فظفروا بنا ونحن في حصوننا ودروبنا، وما خرجنا على عدولنا قط الا كان الظفر لهم علينا، فقام سعد بن معاذ وغيره من الأوس فقالوا: يا رسول الله ما طمع فينا أحد من العرب ونحن مشركون نعبد الأصنام فكيف يظفرون بنا وأنت فينا؟لا، حتى نخرج إليهم ونقاتلهم، فمن قتل منا كان شهيدا، ومن نجا منا كان مجاهدا في سبيل الله، فقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رأيه وخرج مع نفر من أصحابه يتبوؤن موضع القتال كما قال سبحانه: (وإذ غدوت من أهلك) الآية وقعد عبد الله بن أبي وجماعة من الخزرج (3) اتبعوا رأيه، ووافت قريش إلى أحد، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عبأ أصحابه وكانوا سبعمأة رجل، ووضع عبد الله بن جبير في خمسين من الرماة على باب الشعب وأشفق أن يأتي كمينهم من ذلك المكان فقال صلى الله عليه وآله: لعبد الله ابن جبير وأصحابه: ان رأيتمونا قد هزمناهم حتى أدخلناهم مكة فلا تبرحوا من هذا المكان، وان رأيتموهم قد هزمونا حتى أدخلونا المدينة فلا تبرحوا والزموا مراكزكم، ووضع أبو سفيان خالد بن الوليد في مأتى فارس كمينا، وقال: إذا رأيتمونا قد اختلطناه فاخرجوا عليهم من هذا الشعب حتى تكونوا وراهم وعبأ رسول الله صلى الله عليه وآله أصحابه ودفع الراية إلى أمير المؤمنين عليه السلام، فحمل الأنصار على مشركي قريش فانهزموا هزيمة قبيحة ووقع أصحاب رسول - الله صلى الله عليه وآله وسلم في سوادهم، وانحط خالد بن الوليد في مأتى فارس على عبد الله بن جبير فاستقبلوهم بالسهام، فرجع، ونظر أصحاب عبد الله بن جبير إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ينتهبون سواد القوم فقالوا لعبد الله بن جبير: قد غنم أصحابنا ونبقى نحن بلا غنيمة؟فقال لهم عبد الله اتقوا الله فان رسول الله صلى الله عليه وآله قد تقدم إلينا ان لا نبرح فلم يقبلوا منه واقبلوا ينسل رجل فرجل حتى أخلوا مراكزهم وبقى عبد الله بن جبير في اثنى عشر رجلا، وكانت راية قريش مع طلحة بن أبي طلحة العبدري من بنى عبد الدار فقتله علي عليه السلام، فأخذ الراية أبو سعيد بن أبي طلحة فقتله علي عليه السلام، وسقطت الراية فأخذها مسافع بن أبي طلحة فقتله حتى قتل تسعة نفر من بنى عبد الدار حتى صار لواؤهم إلى عبد لهم أسود يقال له صواب فانتهى إليه علي عليه السلام فقطع يده فأخذ باليسرى فضرب يسراه فقطعها، فاعتنقها - بالجذماوين (4) إلى صدره، ثم التفت إلى أبي سفيان فقال: هل أعذرت في بنى عبد الدار؟فضربه علي عليه السلام على رأسه فقتله، فسقط اللواء فأخذتها عمرة بنت علقمة الكنانية فرفعتها، وانحط خالد بن الوليد على عبد الله بن جبير وقد فر أصحابه وبقى في نفر قليل فقتلهم على باب الشعب، ثم أتى المسلمين من أدبارهم ونظرت قريش في هزيمتها إلى الراية قد رفعت فلاذوا بها، وانهزم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله هزيمة عظيمة، فأقبلوا يصعدون في الجبال وفى كل وجه، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وآله الهزيمة كشف البيضة عن رأسه وقال: إلى أنا رسول الله إلى أين تفرون عن الله وعن رسوله؟وكانت هند بنت عتبة في وسط العسكر، فكلما انهزم رجل من قريش دفعت إليه ميل ومكحلة وقالت انما أنت امرأة فاكتحل بهذا وكان حمزة بن عبد المطلب يحمل على القوم فإذا رأوه انهزموا ولم يثبت له أحد، وكانت هند قد أعطت وحشيا عهدا لئن قتلت محمدا أو عليا أو حمزة لأعطينك كذا وكذا، وكان وحشى عبدا لجبير بن مطعم حبشيا، فقال وحشى: اما محمد فلا أقدر عليه، واما على فرأيته حذرا كثير الالتفات فلا مطمع فيه.
فكمن لحمزة قال: فرأيته يهد الناس هدا، فمربى فوطئ على جرف (5) نهر فسقط، فأخذت حربتي فهززتها ورميته بها، فوقعت في خاصرته وخرجت عن ثنته (6) فسقط فأتيته فشققت بطنه، فأخذت كبده وجئت به إلى هند، فقلت: هذه كبد حمزة فأخذتها في فمه فلاكتها (7) فجعلها الله في فمها مثل الداغصة وهي عظم رأس الركبة، فلفظتها و رمت بها، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: فبعث الله ملكا فحمله ورده إلى موضعه، قال: فجاءت إليه فقطعت مذاكيره وقطعت اذنيه وقطعت يده ورجله، ولم يبق مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الا أبو جانة سماك بن خرشة وعلى، فكلما حملت طائفة على رسول الله استقبلهم علي عليه السلام فدفعهم عنه، حتى انقطع سيفه فدفع إليه رسول الله صلى الله عليه وآله سيفه ذو الفقار وانحاز (8) رسول الله صلى الله عليه وآله إلى ناحية أحد، فوقف وكان القتال من وجه واحد، فلم يزل علي عليه السلام يقاتلهم حتى اصابه في وجهه ورأسه ويديه وبطنه ورجليه سبعون جراحة، كذا أورده علي بن إبراهيم في تفسيره (انتهى).
338 - في تفسير علي بن إبراهيم قوله: (ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة) قال أبو عبد الله عليه السلام: ما كانوا أذلة وفيهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وانما نزل: (ولقد نصركم الله ببدر وأنتم ضعفاء)
339 - في تفسير العياشي عن أبي بصير قال: قرأت عند أبي عبد الله عليه السلام: (ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة) فقال: مه، ليس هكذا أنزلها الله انما نزلت: (وأنتم قليل).
340 - في كتاب كمال الدين وتمام النعمة باسناده إلى أبى خالد الكابلي عن سيد العابدين علي بن الحسين عليهما السلام قال: المفقودون عن فرشهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا عدة أهل بدر.
341 - وباسناده إلى أبي بصير قال: سأل رجل من أهل الكوفة أبا عبد الله عليه السلام: كم يخرج مع القائم عليه السلام فإنهم يقولون: انه يخرج معه مثل عدة أهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا؟قال: ما يخرج الا في أولى قوة، وما يكون أولوا القوة أقل من عشرة آلاف.
342 - وباسناده عن المفضل بن عمر قال: قال الصادق عليه السلام: كأني انظر إلى القائم عليه السلام على منبر الكوفة وحوله أصحابه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا عدة أهل بدر.
343 - وباسناده إلى أبان بن تغلب عن أبي عبد الله عليه السلام حديث طويل يذكر فيه القائم عليه السلام، وفيه فإذا نشر راية رسول الله صلى الله عليه وآله انحط عليه ثلاثة عشر الف ملك وثلاثة عشر ملكا ينظرون القائم عليه السلام، وهم الذين كانوا مع نوح (ع) في السفينة، وأربعة آلاف مسومين ومردفين وثلاثمائة وثلاثة عشر ملكا يوم بدر.
344 - في تفسير العياشي عن إسماعيل بن همام عن أبي الحسن (ع) في قول الله (مسومين) قال العمايم اعتم رسول الله صلى الله عليه وآله فسدلها من بين يديه ومن خلفه.
345 - عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال: كانت على الملائكة العمائم البيض المرسلة يوم بدر.
346 - عن ضريس بن عبد الملك عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن الملائكة الذين نصروا محمدا صلى الله عليه وآله يوم بدر في الأرض ما صعدوا بعد، ولا يصعدون حتى ينصروا صاحب هذا الامر.
وهم خمسة آلاف.
347 - عن جابر الجعفي قال: قرأت عند أبي جعفر (ع) قول الله: ليس لك من الامر شئ قال: بلى والله، ان له من الامر شيئا وشيئا، وليس حيث ذهبت، ولكن أخبرك ان الله تبارك وتعالى لما أمر نبيه عليه السلام ان يظهر ولاية علي عليه السلام فكر في عداوة قومه و معرفته بهم، وذلك الذي فضله الله به عليهم في جميع خصاله، كان أول من آمن برسول الله صلى الله عليه وآله وبمن أرسله، وكان انصر الناس له ولرسوله، واقتلهم لعدوهما و أشدهم بغضا لمن خالفهما، وفضل علمه الذي لم يساوه أحد، ومناقبه التي لا يحصى شرفا، فلما فكر النبي صلى الله عليه وآله في عداوة قومه له في هذه الخصال، وحسدهم له عليها ضاق من ذلك فأخبر الله انه ليس له من هذا الامر شئ، انما الامر فيه إلى الله ان يصير عليا (ع) وصيه وولى الامر بعهده، فهذا عنى الله.
348 - عن جابر قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: قوله لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم: (ليس لك من الامر شئ) فسره لي، قال فقال: يا جابر (9) ان رسول الله صلى الله عليه وآله كان حريصا على أن يكون علي عليه السلام من بعده على الناس وكان عند الله خلاف ما أراد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: قلت فلما معنى ذلك؟قال: نعم عنى بذلك قول الله لرسوله صلى الله عليه وآله، ليس لك من الامر شئ يا محمد في علي، الامر إلى في علي عليه السلام وفى غيره ألم أتل عليك يا محمد فيما أنزلت من كتابي إليك، (ألم احسب الناس أن يتركوا ان يقولوا آمنا وهم لا يفتنون) إلى قوله: (فليعلمن) قال: فوض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الامر إليه.
349 - عن الجرمي عن أبي جعفر عليه السلام انه قرء (ليس لك من الامر شئ أن تتوب عليهم أو تعذبهم فإنهم ظالمون).
350 - في مجمع البيان: (يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء) قيل.
انما أبهم الله الامر في التعذيب والمغفرة ليقف المكلف بين الخوف والرجاء، ويلتفت إلى هذا لقول الصادق عليه السلام.
لو وزن رجاء المؤمن وخوفه لإعتدلا.
351 - وفيه لا تأكلوا الربوا اضعافا مضاعفة ووجه تحريم الربا هو المصلحة التي علمها الله وذكر فيه وجوه.
منها أن يدعو إلى مكارم الأخلاق بالاقراض، وانظار المعسر من غير زيادة وهو المروى عن أبي عبد الله عليه السلام.
352 - في تفسير العياشي عن داود بن سرحان عن رجل عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله: وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض قال: إذا وضعوها كذا وبسط يديه إحديهما مع الأخرى.
353 - في كتاب الخصال فيما علم أمير المؤمنين عليه السلام أصحابه مما يصلح للمسلم في دينه ودنياه (سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين) فإنكم لن تنالوها الا بالتقوى.
354 - في مجمع البيان (وسارعوا إلى مغفرة) واختلف في ذلك فقيل: سارعوا إلى أداء الفرايض عن علي بن أبي طالب عليه السلام.
355 - وفيه ويسأل: فيقال: إذا كانت الجنة عرضها السماوات والأرض فأين يكون النار؟وجوابه انه روى أن النبي صلى الله عليه وآله سئل عن ذلك فقال: سبحان الله إذا جاء النهار فأين الليل؟وهذه معارضة فيها اسقاط المسألة، لان القادر على أن يذهب بالليل حيث يشاء قادر على أن يخلق النار حيث يشاء.
356 - في أصول الكافي علي بن إبراهيم عن أبيه عن بعض أصحابه عن مالك بن حصين السكوني قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: ما من عبد كظم غيظا الا زاده الله عز وجل عزا في الدنيا والآخرة، وقد قال الله عز وجل: والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين وأثابه الله مكان غيظه ذلك.
357 - عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن إسماعيل بن مهران عن سيف بن عميرة قال: حدثني من سمع أبا عبد الله عليه السلام يقول: من كظم غيظا ولو شاء ان يمضيه أمضاه ملاء الله قلبه يوم القيامة رضاه.
358 - في كتاب الخصال عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ثلاث خصال من كن فيه استكمل خصال الايمان، من صبر على الظلم وكظم غيظه واحتسب وعفى وغفر كان ممن يدخله الله تعالى الجنة بغير حساب، ويشفعه مثل ربيعة ومضر.
359 - عن زرارة قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: انا أهل بيت مروتنا العفو عمن ظلمنا.
360 - عن أبي حمزة الثمالي عن علي بن الحسين عليهما السلام قال: ما تجرعت جرعة أحب إلى من جرعة غيظة لا أكافي بها صاحبها.
361 - في مجمع البيان (والعافين عن الناس) روى أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إن هؤلاء في أمتي قليل الامن عصمه الله، وقد كانوا كثيرا في الأمم الماضية.
362 - وروى أن جارية لعلي بن الحسين جعلت تسكب عليه الماء ليتهيأ للصلاة، فسقط الا بريق من يدها فشجه، فرفع رأسه إليها فقالت له الجارية: ان الله تعالى يقول: (والكاظمين الغيظ) فقال لها: قد كظمت غيظي.
قالت: (والعافين عن الناس) قال: قد عفى الله عنك، قالت (والله يحب المحسنين) قال: اذهبي فأنت حرة لوجه الله.
363 - في تفسير العياشي عن أبي عمرو الزبيري عن أبي عبد الله عليه السلام قال: رحم الله عبدا لم يرض من نفسه أن يكون إبليس نظيرا له في دينه، وفى كتاب الله نجاة من الردى، وبصيرة من العمى، ودليل إلى الهدى وشفا لما في الصدور فيما أمركم الله به من الاستغفار مع التوبة، قال الله: والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب الا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون وقال: (ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما) فهذا ما أمر الله به من الاستغفار واشترط معه بالتوبة والاقلاع عما حرم الله، فإنه يقول، (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) فهذه الآية تدل على أن الاستغفار لا يرفعه إلى الله الا العمل الصالح والتوبة.
364 - في أمالي الصدوق باسناده إلى الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام قال: لما نزلت هذه الآية: (وإذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم) صعد إبليس جبلا بمكة يقال له ثور، فصرخ بأعلى صوته بعفاريته فاجتمعوا إليه فقالوا، يا سيدنا لم دعوتنا؟قال، نزلت هذه الآية فمن لها؟فقام عفريت من الشياطين فقال، أنا لها بكذا وكذا، قال، لست لها فقام آخر، فقال مثل ذلك، فقال، لست لها، فقال الوسواس الخناس، انا لها، قال، بماذا؟قال، أعدهم وأمنيهم حتى يواقعوا الخطيئة، فإذا واقعوا الخطيئة أنسيتهم الاستغفار، فقال، أنت لها، فوكله بها إلى يوم القيامة.
365 - حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق (ره) قال.
حدثنا أحمد بن محمد الهمداني قال، أخبرنا أحمد بن صالح بن سعد التميمي، قال، حدثنا موسى بن داود قال، حدثنا الوليد بن هشام قال، حدثنا هشام بن حسان عن الحسن بن أبي الحسن البصري عن عبد الرحمن بن غنم الدوسي قال، دخل معاذ بن جبل على رسول الله صلى الله عليه وآله باكيا فسلم فرد عليه السلام ثم قال، ما يبكيك يا معاذ؟فقال، يا رسول الله ان بالباب شابا طري الجسد، نقى اللون، حسن الصورة، يبكى على شبابه بكاء الثكلى على ولدها يريد الدخول عليك، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أدخل على الشباب يا معاذ، فأدخله عليه فسلم فرد عليه السلام ثم قال: ما يبكيك يا شاب؟قال، كيف لا أبكى وقد ركبت ذنوبا ان أخذني الله عز وجل ببعضها أدخلني نار جهنم، ولا أراني الا سيأخذني بها ولا يغفر لي أبدا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: هل أشركت بالله شيئا؟قال أعوذ بالله ان أشرك بربي شيئا، قال: أقتلت النفس التي حرم الله؟قال لا، فقال النبي صلى الله عليه وآله: يغفر الله لك ذنوبك وإن كانت مثل الجبال الرواسي، قال الشاب: فإنها أعظم من الجبال الرواسي، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: يغفر الله لك ذنوبك وإن كانت مثل الأرضين السبع وبحارها ورمالها و أشجارها وما فيها من الخلق قال: فإنها أعظم من الأرضين السبع وبحارها ورمالها وأشجارها وما فيها من الخلق، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم، يغفر الله لك ذنوبك وإن كانت مثل السماوات ونجومها ومثل العرش والكرسي، قال: فإنها أعظم من ذلك، قال: فنظر النبي صلى الله عليه وآله وسلم إليه كهيئة الغضبان ثم قال: ويحك يا شاب ذنوبك أعظم أم ربك فخر الشاب لوجهه وهو يقول: سبحان ربى ما شئ أعظم من ربى، ربى أعظم يا نبي الله من كل عظيم، فقال النبي صلى الله عليه وآله: فهل يغفر لك الذنب العظيم الا الرب العظيم؟فقال الشاب: لا والله يا رسول الله، ثم سكت الشاب فقال له النبي صلى الله عليه وآله: ويحك يا شاب الا تخبرني بذنب واحد من ذنوبك، قال: بلى أخبرك انى كنت انبش القبور سبع سنين، اخرج الأموات وأنزع الأكفان، فماتت جارية من بعض بنات الأنصار فلما حملت إلى قبرها ودفنت وانصرفت عنها أهلها وجن عليهم الليل أتيت قبرها فنبشتها، ثم استخرجتها ونزعت ما كان عليها من أكفانها وتركتها مجردة على شفير قبرها، ومضيت منصرفا، فأتاني الشيطان فأقبل يزينها لي ويقول اما ترى بطنها وبياضها؟أما ترى وركيها؟فلم يزل يقول لي هذا حتى رجعت إليها ولم أملك نفسي حتى جامعتها وتركتها مكانها، فإذا انا بصوت من ورائي يقول يا شاب ويل لك من ديان يوم الدين يوم يقفني وإياك كما تركتني عريانة في عساكر الموتى، ونزعتني من حفرتي، وسلبتني أكفاني وتركتني أقوم جنبة إلى حسابي فويل لشبابك من النار، فما أظن انى أشم ريح الجنة ابدا فما ترى لي يا رسول الله؟فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم تنح عنى يا فاسق انى أخاف احترق بنارك، فما أقربك من النار ثم لم يزل عليه السلام يقول ويشير إليه حتى أمعن من بين يديه فذهب فأتى المدينة فتزود منها ثم اتى بعض جبالها فتعبد فيها ولبس مسحا وغل يديه جميعا إلى عنقه ونادى يا رب هذا عبدك بهلول بين يديك مغلول، يا رب أنت الذي تعرفني وزل منى ما تعلم، يا سيدي يا رب انى أصبحت من النادمين واتيت نبيك تائبا فطردني وزادني خوفا، فأسئلك باسمك وجلالك وعظمة سلطانك ان لا تخيب رجائي سيدي، ولا تبطل دعائي ولا تقنطني من رحمتك، فلم يزل يقول ذلك أربعين يوما وليلة تبكى له السباع والوحوش، فلما تمت له أربعون يوما وليلة، رفع يديه إلى السماء وقال اللهم ما فعلت في حاجتي ان كنت استجبت دعائي وغفرت خطيئتي فأوح إلى نبيك وان لم تستجب لي دعائي ولم تغفر لي خطيئتي وأردت عقوبتي فعجل بنار تحرقني أو عقوبة في الدنيا تهلكني وخلصني من فضيحة يوم القيامة فأنزل الله تبارك وتعالى على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم (والذين إذا فعلوا فاحشة) يعنى الزناد (أو ظلموا أنفسهم) يعنى ارتكاب ذنب أعظم من الزنا وهو نبش القبور واخذ الأكفان (ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم) يقول خافوا الله فعجلوا التوبة (ومن يغفر الذنوب الا الله) يقول عز وجل اتاك عبدي يا محمد تائبا فطردته فأين يذهب، والى من يقصد، ومن يسأل ان يغفر له ذنبا غيري؟ثم قال عز وجل (ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون) يقول.
لم يقيموا على الزنا ونبش القبور واخذ الأكفان (أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين) فلما نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وآله خرج وهو يتلوها ويتبسم، فقال لأصحابه: من يدلني على ذلك الشاب التائب؟فقال معاذ، يا رسول الله بلغنا انه في موضع كذا وكذا، فمضى رسول الله صلى الله عليه وآله بأصحابه حتى انتهوا إلى ذلك الجبل فصعدوا إليه يطلبون الشاب، فاذاهم بالشاب قائم بين صخرتين مغلولة يداه إلى عنقه.
قد اسود وجهه وتساقط أشفار عينيه من البكاء، وهو يقول، سيدي قد أحسنت خلقي وأحسنت صورتي فليت شعري ماذا تريد بي.
، أفي النار تحرقني أو في جوارك تسكنني؟اللهم انك قد أكثرت الاحسان إلى فأنعمت على، فليت شعري ماذا يكون آخر امرى؟إلى الجنة تزفني أم إلى النار تسوقني؟اللهم ان خطيئتي أعظم من السماوات والأرض ومن كرسيك الواسع وعرشك العظيم، فليت شعري تغفر خطيئتي أم تفضحني بها يوم القيامة، فلم يزل يقول نحو هذا وهو يبكى ويحثو التراب على رأسه وقد أحاطت به السباع وصفت فوقه الطير وهم يبكون لبكائه، فدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأطلق يديه من عنقه، ونفض التراب عن رأسه وقال يا بهلول: ابشر فإنك عتيق الله من النار، ثم قال عليه السلام لأصحابه هكذا تداركوا الذنوب كما تداركها بهلول ثم تلا صلى الله عليه وآله ما انزل الله عز وجل فيه، وبشره بالجنة.
366 - في أصول الكافي أبو علي الأشعري عن محمد بن سالم عن أحمد بن النضر عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله عز وجل (ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون) قال الاصرار ان يذنب الذنب فلا يستغفر الله، ولا يحدث نفسه بتوبة فذلك الاصرار.
367 - علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن منصور بن يونس عن أبي بصير قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول لا والله لا يقبل الله شيئا من طاعته على الاصرار على شئ من معاصيه.
368 - عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن عبد الله بن محمد النهيكي عن عمار ابن مروان القندي عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا صغيرة مع الاصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار.
369 - محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن محمد بن سنان عن معاوية بن عمار قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إنه والله ما خرج عبد من ذنب باصرار، وما خرج عبد من ذنب الا باقرار.
370 - محمد بن يحيى عن علي بن الحسين الدقاق عن عبد الله بن محمد عن أحمد بن عمر عن زيد القتات عن أبان بن تغلب قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: مامن عبد أذنب ذنبا فندم عليه الا غفر الله له قبل ان يستغفر، وما من عبدا نعم الله عليه نعمة فعرف أنها من عند الله الا غفر الله له قبل أن يحمده.
371 - في روضة الكافي باسناده إلى أبى عبد الله عليه السلام قال: إياكم والإصرار على شئ مما حرم الله في ظهر القرآن وبطنه، وقد قال: (ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون) إلى هنا رواية قاسم بن الربيع، يعنى المؤمنين قبلكم إذا نسوا شيئا مما اشترط الله في كتابه عرفوا انهم قد عصوا في تركهم ذلك الشئ فاستغفروا ولم يعودوا إلى تركه، فذلك معنى قول الله: (ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون) والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.
372 - في مجمع البيان وقد روى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: لا صغيرة مع الاصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار.
373 - في تفسير علي بن إبراهيم ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما رجع من أحد فلما دخل المدينة نزل عليه جبرئيل عليه السلام فقال: يا محمد ان الله يأمرك ان تخرج في اثر القوم ولا يخرج معك الامن به جراحة، فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله مناديا ينادى: يا معشر المهاجرين والأنصار من كانت له جراحة فليخرج، ومن لم يكن به جراحة فليقم فأقبلوا يضمدون جراحاتهم ويداونها فأنزل الله على نبيه (ولا تهنوا في ابتغاء القوم ان تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون) وقال عز وجل: ان يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء فخرجوا على ما بهم من الألم والجراح.
374 - في تفسير العياشي عن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام (10) في قول الله: (تلك الأيام نداولها بين الناس) قال ما زال منذ خلق الله آدم دولة لله ودولة لإبليس، فأين دولة الله أما هو الا قائم واحد.
375 - في كتاب كمال الدين وتمام النعمة باسناده إلى ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ان علي بن أبي طالب عليه السلام امام أمتي وخليفتي عليها من بعدى، ومن ولده القائم المنتظر الذي يملأ الله به الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما، والذي بعثني بالحق بشيرا ونذيرا ان الثابتين على القول به في زمان غيبته لاعز من الكبريت الأحمر، فقام إليه جابر بن عبد الله الأنصاري فقال: يا رسول الله وللقائم من ولدك غيبة؟قال: أي وربى وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين يا جابر ان هذا الامر من الله، وسر من سر الله، مطوى عن عباد الله، فإياك والشك فيه، فان الشك في أمر الله عز وجل كفر.
376 - في تفسير العياشي عن داود الرقي قال سألت أبا عبد الله (ع) عن قول الله: أم حسبتم ان تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم قال: إن الله هو اعلم بما هو مكونه قبل أن يكونه وهم ذر، وعلم من يجاهد ممن لا يجاهد، كما علم أنه يميت خلقه قبل أن يميتهم، ولم يرهم موتهم وهم أحياء.
377 - في تفسير علي بن إبراهيم وفى رواية أبى الجارود عن أبي جعفر (ع) في قوله: ولقد كنتم تمنون الموت الآية فان المؤمنين لما أخبرهم الله بالذي فعل بشهدائهم يوم بدر ومنازلهم من الجنة، رغبوا في ذلك فقالوا اللهم أرنا قتالا نستشهد فيه، فأراهم الله إياه يوم أحد، فلم يثبتوا الامن شاء الله منهم، فذلك قوله (ولقد كنتم تمنون الموت من قبل) الآية.
378 - في أصول الكافي باسناده إلى أبى عبد الله (ع) عن علي بن الحسين عليهما السلام حديث طويل وفيه ثم قال في بعض كتابه (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) في انا أنزلناه في ليلة القدر.
وقال في بعض كتابه وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزى الله الشاكرين يقول في الآية الأولى ان محمدا حين يموت يقول أهل الخلاف لأمر الله عز وجل مضت ليلة القدر مع رسول الله صلى الله عليه وآله، فهذه فتنة أصابتهم خاصة، وبها ارتدوا على أعقابهم لأنهم ان قالوا لم تذهب، فلابد أن يكون لله عز وجل فيها أمر، وإذا أقروا بالامر لم يكن له من صاحب بد.
379 - في تفسير علي بن إبراهيم في قصة أحد وقتل من قتل وأمر رسول الله صلى الله عليه وآله على القتلى فصلى عليهم ودفنهم في مضاجعهم: وكبر على حمزة سبعين مرة تكبيرة، قال: وصاح إبليس بالمدينة: قتل محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فلم يبق أحد من نساء المهاجرين الا خرج وخرجت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تعدو على قدميها حتى وافت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقعدت بين يديه، فكان إذا بكى رسول الله بكت، وإذا انتحب انتحبت.(11).
380 - في روضة الكافي حنان عن أبيه عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان الناس أهل ردة بعد النبي صلى الله عليه وآله الا ثلاثة، فقلت ومن الثلاثة؟فقال: المقداد بن الأسود، وأبو ذر الغفاري، وسلمان الفارسي رحمة الله عليهم وبركاته، اثم عرف أناس بعد يسير، وقال: هؤلاء الذين دارت عليهم الرحا، وأبوا ان يبايعوا حتى جاؤوا بأمير المؤمنين عليه السلام مكرها فبايع، وذلك قول الله عز وجل: (وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزى الله الشاكرين.
381 - ابن محبوب عن عمرو بن أبي المقدام عن أبيه قال قلت لأبي جعفر عليه السلام ان العامة يزعمون أن بيعة أبى بكر حيث اجتمع الناس كانت رضا لله عز ذكره وما كان الله ليفتن أمة محمد صلى الله عليه وآله من بعده؟فقال أبو جعفر عليه السلام أوما يقرأون كتاب الله أوليس الله يقول: (وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزى الله الشاكرين)؟قال فقلت له: انهم يفسرون على وجه آخر، فقال: أوليس قد أخبر الله عز وجل عن الذين من قبلهم من الأمم انهم قد اختلفوا من بعد ما جائتهم البينات، حيث قال: (وآتينا عيسى بن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعدما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد)؟وفى هذا ما يستدل به على أن أصحاب محمد صلى الله عليه وآله قد اختلفوا من بعده فمنهم من آمن ومنهم من كفر.
382 - محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن الحكم عن الحسين بن أبي العلا الخفاف عن أبي عبد الله عليه السلام قال لما انهزم الناس يوم أحد عن النبي صلى الله عليه وآله انصرف إليهم بوجهه وهو يقول: انا محمد، انا رسول الله لم اقتل ولم أمت، فالتفت إليه فلان وفلان، فقالا: الان يسخر بنا أيضا وقد هزمنا، وبقى معه علي عليه السلام وسماك خرشة أبو دجانة (ره) فدعاه النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا أبا دجانة انصرف وأنت في حل من بيعتك، فاما على فهو أنا وأنا هو، فتحول وجلس بين يدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبكى فقال: لا والله ورفع رأسه إلى السماء وقال: لا والله لا جعلت نفسي في حل من بيعتي انى بايعتك فإلى من انصرف يا رسول الله؟إلى زوجة تموت، أو ولد يموت، أو دار تخرب أو مال يفنى وأجل قد اقترب؟فرق له النبي صلى الله عليه وآله فلم يزل يقاتل حتى أثخنته الجراحة (12) وهو في وجه، وعلي عليه السلام في وجه، فلما أسقط احتمله علي عليه السلام فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وآله فوضعه عنده، فقال: يا رسول الله أوفيت ببيعتي؟قال نعم، وقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم خيرا، وكان الناس يحملون على النبي صلى الله عليه وآله الميمنة ويكشفهم علي عليه السلام فإذا كشفهم أقبلت الميسرة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلم يزل كذلك حتى تقطع سيفه بثلث قطع، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وآله فطرحه بين يديه وقال هذا سيفي قد تقطع به، فيومئذ أعطاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذا الفقار، ولما رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم اختلاج ساقيه من كثرة القتال رفع رأسه إلى السماء وهو يبكى وقال يا رب وعدتني ان تظهر دينك وان شئت لم يعيك، فأقبل علي عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال يا رسول الله اسمع دويا شديدا واسمع: أقدم حيزوم وما أهم اضرب أحدا الا سقط ميتا قبل ان اضربه، فقال هذا جبرئيل عليه السلام وميكائيل وإسرافيل في الملائكة ثم جاءه جبرئيل عليه السلام فوقف إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وآله فقال يا محمد ان هذه لهى المواساة، فقال: ان عليا منى وانا منه، فقال جبرئيل عليه السلام وانا منكما، ثم انهزم الناس فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلى عليه السلام يا علي امض بسيفك حتى تعارضهم، فان رايتهم قد ركبوا القلاص (13) وجنبوا الخيل، فإنهم يريدون مكة، وان رايتهم قد ركبوا الخيل ويجنبون القلاص فإنهم يريدون المدينة: فأتاهم علي عليه السلام فكانوا على القلاص، فقال أبو سفيان لعلى عليه السلام يا علي ما تريد هو ذا نحن ذاهبون إلى مكة، فانصرف إلى صاحبك، فاتبعهم جبرئيل عليه السلام فكلما سمعوا وقع حوافر فرسه جدوا في السير، وكان يتلوهم فإذا ارتحلوا قال: هوذا عسكر محمد قد اقبل، فدخل أبو سفيان مكة فأخبرهم الخبر، وجاء الرعاة والحطابون فدخلوا مكة فقالوا رأينا عسكر محمد كلما ارتحل أبو سفيان نزلوا يقدمهم فارس على فرس أشقر يطلب آثارهم، فأقبل أهل مكة على أبي سفيان يوبخونه، ورحل النبي صلى الله عليه وآله وسلم والراية مع علي عليه السلام وهو بين يديه: فلما ان أشرف بالراية من العقبة ورآه الناس نادى علي عليه السلام: أيها الناس هذا محمد لم يمت ولم يقتل، فقال صاحب الكلام الذي قال الان يسخر بنا وقد هزمنا، هذا على والراية بيده حتى هجم عليهم علي عليه السلام ونساء الأنصار في أفنيتهم على أبواب دورهم، وخرج الرجال إليه يلوذون به ويتوبون إليه، والنساء نساء الأنصار قد خدشن الوجوه ونشرن الشعور، وجززن النواصي، وخرقن الجيوب، وحرضن البطون على النبي صلى الله عليه وآله فلما رأينه قال لهن خيرا وأمرهن أن يستترن ويدخلن منازلهن، وقال.
ان الله عز وجل وعدني ان يظهر دينه على الأديان كلها، وأنزل الله على محمد صلى الله عليه وآله.
وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا) الآية.
383 - علي بن محمد عن علي بن العباس عن علي بن حماد عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال: وقال لا عداء الله أولياء الشيطان أهل التكذيب و الانكار (قل ما أسئلكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين) يقول: متكلفا ان أسئلكم ما لستم بأهله، فقال المنافقون عند ذلك بعضهم لبعض: اما يكفي محمدا أن يكون قهرنا عشرين سنة حتى يريد ان يحمل أهل بيته على رقابنا، فقالوا: ما انزل الله هذا وما هو الا شئ ينفق به، يريد ان يحمل أهل بيته على رقابنا، ولئن قتل محمد أو مات لننزعنها من أهل بيته، ثم لا نعيدها فيهم ابدا.
384 - في روضة الكافي خطبة مسندة لأمير المؤمنين عليه السلام وهي خطبة الوسيلة يقول فيها عليه السلام: حتى إذا دعى الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وآله ورفعه إليه لم يك ذلك بعده الا كلمحة من خفقة أو وميض من برقة (14) إلى أن رجعوا على الأعقاب وانتكصوا على الادبار، وطلبوا بالأوتار، وأظهروا الكتائب وردموا الباب وفلوا الدار (15) وغيروا آثار الرسول صلى الله عليه وآله، ورغبوا عن احكامه، وبعدوا من أنواره، واستبدلوا بمستخلفه بديلا اتخذوه وكانوا ظالمين، وزعموا أن من اختاروا من آل أبي قحافة أولى بمقام رسول الله صلى الله عليه وآله ممن اختاره الرسول عليه وآله السلام لمقامه، وان مهاجر آل أبي قحافة خير من المهاجري الأنصاري الرباني ناموس هاشم بن عبد مناف.
385 - في كتاب الاحتجاج للطبرسي (ره) باسناده قال علي عليه السلام في خطبة له: ان الله ذا الجلال والاكرام لما خلق الخلق، واختار خيرة من خلقه، واصطفى صفوة من عباده، وأرسل رسولا منهم، وانزل عليه كتابه، وشرع له دينه وفرض فرايضه، فكانت الجملة قول الله جل ذكره حيث أمر فقال: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الامر منكم) فهو لنا أهل البيت خاصة دون غيرنا، فانقلبتم على أعقابكم، وارتددتم ونقضتم الامر ونكثتم العهد ولم يضروا الله شيئا.
386 - وباسناده إلى الإمام محمد بن علي الباقر عليهما السلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حديث طويل وفيه خطبة الغدير وفيها: معاشر الناس أنذركم انى رسول الله إليكم قد خلت من قبلي الرسل، أفإن مت أو قتلت انقلبتم على أعقابكم، ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزى الله الشاكرين الا وان عليا هو الموصوف بالصبر والشكر، ثم من بعده ولدى من صلبه.
487 - وروى عبد الله بن الحسن باسناده عن آبائه عليهم السلام انه لما جمع أبو بكر على منع فاطمة فدك وبلغها ذلك جاءت إليه، وقالت: أتقولون مات محمد صلى الله عليه وآله، فخطب جليل استوثق منه فتقه، وانفتق رتقه (16) واظلمت الأرض لغيبته.
وكسفت النجوم لمصيبته.
واكدت الآمال (17) وخشعت الجبال وأضيع الحريم وأزيلت الحرمة (18) عند مماته فتلك والله النازلة الكبرى والمصيبة العظماء.
لا مثلها نازلة ولا باثقة (19) عاجلة أعلن بها كتاب الله جل ثناؤه في أفنيتكم (20) في ممساكم ومصبحكم يهتف في أفنيتكم هتافا (21) وصارخا وتلاوة وألحانا، ولقبله ماحل بأنبياء الله ورسله حكم فصل وقضاء حتم وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزى الله الشاكرين أيها بنى قيلة اهضم تراث أبيه وأنتم بمرأى منى ومسمع ومنتدأ (22) ومجمع، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.
388 - وعن أمير المؤمنين عليه السلام حديث طويل وفيه: وليس كل من أقر أيضا من أهل القبلة بالشهادتين كان مؤمنا، ان المنافقين كانوا يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله، ويدفعون أهل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بما عهده به من دين الله وعزايمه وبراهين نبوته إلى وصيه ويضمرون من الكراهية لذلك والنقض لما أبرمه منه عند امكان الامر لهم فيه بما قد بينه الله لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: (وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم).
389 - في أمالي شيخ الطائفة قدس سره باسناده إلى ابن عباس ان عليا عليه السلام كان يقول في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله: ان الله عز وجل يقول: (وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم) والله لا ننقلب على أعقابنا بعد إذ هدانا الله، والله لئن مات أو قتل لأقاتلن على ما قاتل عليه حتى أموت، والله انى لأخوه وابن عمه ووارثه فمن أحق به منى؟390 - في تفسير العياشي عن عبد الصمد بن بشير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: تدرون مات النبي صلى الله عليه وآله أو قتل؟ان الله يقول: (أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم) فبسم قبل الموت انهما سقتاه (23) فقلنا: انهما وأبوهما شر من خلق الله.
391 - عن منصور بن الوليد الصيقل انه سمع أبا عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام قرا وكأين من نبي قتل معه ربيون كثيرا قال ألوف وألوف ثم قال أي والله يقتلون.
392 - في مجمع البيان (قاتل معه ربيون) وقيل في ربيون أقوال إلى قوله ورابعها ان الربيون عشرة آلاف عن الزجاج وهو المروى عن أبي جعفر عليه السلام، (فما وهنوا) بين الله سبحانه انه لو كان قتل النبي صلى الله عليه وآله كما أرجف بذلك يوم أحد لما أوجب ذلك ان تضعفوا وتهنوا، كما لم يهن من كان مع الأنبياء بقتلهم وهو المروى عن أبي جعفر عليه السلام.
393 - وفيه يا أيها الذين آمنوا ان تطيعوا الذين كفروا الآية قيل: نزلت في المنافقين إذ قالوا للمؤمنين يوم أحد عند الهزيمة: ارجعوا إلى اخوانكم وارجعوا في دينكم عن علي عليه السلام.
1- وفى بعض النسخ (أنتم) وكذا في الحديث الآتي عن تفسير العياشي.
2- رفرف الطائر: بسط جناحيه وحركهما.
3- الزقة: الصكة. وقيل: الطريق الضيق.
4- وفى بعض النسخ (من الخروج) بدل (من الخزرج).
5- تثنية جزماء، أي باليدين المقطوعتين.
6- الجرف: الجانب الذي اكله الماء من حاشية النهر.
7- الثنة: العانة.
8- لاك الشئ: مضغها أهون المضغ وأدارها في فمه.
9- انحاز إليه: مال.
10- وفى المصدر زيادة وهي: (فقال أبو جعفر (ع): لشئ قال الله ولشئ اراده الله يا جابر..).
11- وفى نسخة (عن زرارة عن أبي جعفر (ع)).
12- انتحب: تنفس شديدا.
13- أثخنته الجراحة: أوهنته وضعفته.
14- القلاص جمع القلوص: الناقة الشابة.
15- الخفقة. النعاس. والوميض: اللمع الخفي.
16- الردم: السدم. و (فلوا) بالفاء أي كسروا (قال المجلسي (ره): ولعله كناية عن السعي في تزلزل بنيانهم، وبذل الجهد في خذلانهم، وفى بعض النسخ (وقلوا) بالقاف أي أبغضوا داره وأظهروا عداوة البيت.
17- وفى رواية الأربلي في كشف الغمة) فخطب جليل استوسع وهيه واستنهر فتقه..) والفتق: الشق. والرتق: ضده وانفتق أي انشق.
18- اكدى فلان أي بخل. أو قل خيره.
19- وفى كشف الغمة وغيره (وأديلت الحرمة) وهو من الادالة بمعنى الغلبة.
20- الهائقة: الداهية.
21- الأفنية جمع الفناء: ساحة الدار.
22- الهتاف: الصراخ، وفى بعض النسخ (هتافا وصراخا) وهو الظاهر المناسب للسياق.
23- بنو قيلة: الأوس والخزرج، قال الجزري: (قيلة) اسم أم لهم قديمة وهي قيلة بنت كاهل. والهضم الكسر، والهاء في أبيه للتسكت. المنتدى: المجلس.